الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 351/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 351/البريد الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 351
البريد الأدبي
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 25 - 03 - 1940


(وحي الرسالة)

تفضل صديقنا الأستاذ توفيق الحكيم فبعث إلينا بهذه الرسالة الكريمة:

صديقي العزيز الأستاذ الزيات:

أتيح لي أن أستمتع ساعات بقراءة ذلك الكتاب النفيس: (وحي الرسالة) الذي تفضلت بإهداء نسخة منه إلي. وليست هذه هي المرة الأولى التي أتعرف فيها إلى سمو أسلوبك، وبلاغة تعبيرك، واتساع أفق خيالك؛ ولكنها قد تكون المرة الأولى التي ترتبط فيها وتتركز تلك الفصول، والآراء، والأفكار، والمشاهد الفنية التي تمخضت عنها مواهبك، فيضمها كتاب ينعكس على كل صفحة من صفحاته شعاع من جمال روحك، وفيض من نبع ثقافتك، وذكريات غالية عرفت كيف تحرص عليها وتحتفظ بها، ثم تنشرها تذكرة للناس وموعظة لهم.

إن أدب المقال يا صديقي من فنون الأدب الكبرى. وقل أن تشهد أديباً فحلاً لم يضمن أدبه وعمله الفني آراء اجتماعية ونظرات فكرية، واتجاهات ثقافية. و (حي الرسالة) الذي أشرت إليه. فهو في الواقع مجموعة دراسات عميقة ناضجة للمجتمع، وتصوير بارع للتطورات الخلقية والنفسية، وإشارات دقيقة وجولات موفقة في الأدب والحياة، استقرت عواطفك في أجمل بقاعها، وتغني قلمك الرصين بأبهج مفاتنها.

جميل منك إذن أن تحرص على تدوين هذه الذكريات الغالية، وتنشر هذه الفصول القيمة، لتكون ذكرى للماضي، وعظة للحاضر، وإيماناً بالمستقبل.

المخلص

توفيق الحكيم

الأدب الجاهلي في فجر الإسلام

كتب الأستاذ سليم الجندي عضو المجمع العلمي العربي (بدمشق) مقالاً رائعاً عن المناهج التي تتبع في دراسة الأدب العربي، تطرق فيه إلى الرد على بعض ما وهم الأستاذ أحمد أمين في بحثه عن الأدب الجاهلي في كتابه (فجر الإسلام) وقد رأينا أن من الخير لقراء الرسالة أن ننقل إليهم قسما من مقال الأستاذ ليتبادل أدباؤنا الرأي وتظهر الحقيقة.

قال الأستاذ الجندي: (وأنت إذا أنعمت النظر وتبينت أن البلية كل البلية أتت اللغة من الكتاب البحثين، وهؤلاء أتتهم البلية من التهاون في البحث وعدم الاستقراء. مثال ذلك أن صاحب فجر الإسلام قال في الجزء الأول من كتابه ص55: إن ألفاظ اللغة في العصر الجاهلي كانت في منتهى الدقة والسعة إن كان الشيء الذي وضع له اللفظ من ضروريات الحياة في المعيشة البدوية. فالإبل خير مأكلهم ومشربهم ومركبهم وعماد حياتهم، ولذلك لم يتركوا صغيرة ولا كبيرة تتعلق بها إلا وضعوا لها لفظاً أو ألفاظاً (وإذا انتقلت من الجمل إلى السفينة رأيت اللغة في غاية القصور فهم لم يوفوها حقها كما وفوا الجمل، ولم يحصوا كل أجزائها، ولم يضعوا اسماً لكل نوع من أنواعها. نعم إن هناك ألفاظاً تتعلق بذلك، ولكنها لا تكاد تذكر إذا قيست بالألفاظ الموضوعة للإبل وشؤونها. بل إنك إذا فحصت الألفاظ المستعملة ف السفن ومتعلقاتها وجدت كثيراً منها معرباً غي عربي كالسيابجة واليماسرة. . . وكثير منها لا نشك في أنه وضع بعد العصر الجاهلي) انتهى كلام الأستاذ أحمد أمين

قال الأستاذ الجندي: (وأنت إذا رجعت إلى كتب اللغة تبين لك أن هذا الحكم قائم على استقراء غير تام، وأن العرب في الجاهلية ما غادروا صغيرة ولا كبيرة تتعلق بالسفينة المعروفة في عهدهم إلا وضعوا لها لفظاً أو ألفاظاً غير ما أدخل بعد ذلك ف العصور التالية، وأنهم نعتوها وشبهوا بها

وإذا تذكرنا أن السفينة في ذلك العهد كانت تتألف من أجزاء بسيطة، وليس لها أنواع كثيرة التفاوت في الأشكال والمقادير، ونظرنا ما وضع لها ولأجزائها من أسماء ونعوت، وجدنا أن اللغة ليست في قصور في هذا الأمر.

انظر إلى دقة لوضع في التفريق بين الأنواع والأجزاء عند الجاهليين، فإنهم قسموا ما يركبه الإنسان فوق الماء إلى أنواع. فإن كان من قرب تنفخ ويشد بعضها إلى بعض فتجعل كهيئة سطح فوق الماء سمي طوفاً ورمثاً، وربما كان من خشب أو غيره. وما عدا ذلك فهو سفينة. ويقال للسفن الصغيرة زورق وقارب وركوة ومعبر. وللكبيرة: فلك وخلية وقرقور وماخرة ومصباب وجارية وجفل وعدولي. وما يتخذ للقتال منها بارجة

ووضعوا لكل جزء اسماً مختصاً به. فالسقائف ألواحها، والدمر خيوط تشد بها الألواح أو المسامير، والطائف ما بين كل خشبتين منها، والشراع رواق السفينة، والصاري خشبية في وسطها يمد عليه الشراع، والقلس حبل الشراع من ليف، والصابورة ما يوضع في بطنها من الثقل، والمعايير خشب فيها يشد بها الهوجل، والمردى خشبة يدفع بها الملاح، والمقذاف خشبة في رأسها لوح عريض تدفع به السفينة، والمرساة حديدة تلقى في الماء، والكفر القير الذي تطلى به

وكذلك اختصوا كل قسم منها باسم: فالمرنحة صدرها، والكوثل مؤخرها، والسكان ذنبها، والجمة الموضع الذي يجتمع فيه الماء الراشح

وجعلوا لكل عامل فيها اسماً خاصاً به: فالملاح سائس السفينة، والداري الملاح الذي يلي الشراع، والردفان ملاحان يكونا في مؤخرها، والربان رئيس الملاحين

وقد وضعوا لكل حالة تعرض لها اسماً يميزها من غيرها، فقالوا مخرت السفينة إذا جرت تشق الماء مع صوت، وسخرت إذا أطاعت وطاب لها الريح، ودسرت الماء بصدرها إذا عاندته، وجمحت إذا تركت قصدها فلم يضبطها الملاحون، وجنحت إذا انتهت إلى ماء قليل فلزقت بالأرض فلم تمض، وماهت إذا دخل فيها الماء، وكبت إذا جنحت إلى الأرض فحول ما فيها إلى أخرى، وقمص البحر بها إذا حركها الموج. . . ولولا أن الإطالة تدعو إلى السأم لأتينا على كثير مما يتعلق بالسفينة. فلا يجوز بعد ذلك أن يقال إن اللغة في غاية القصور، وإنما القصور في البحث والتقري. وإذا كان ما جمع من كلام الجاهلين في الجمل أكثر مما جمع في السفينة فذلك منشؤه أمران: الأول أن صاحب المخصص إنما ذكر فيه ما أحاط به علمه في السفينة، وليس هذا كل ما يتعلق بها. الثاني أن السفينة لا تساوي الجمل في كل شيء فهو أكثر أجزاء وأطواراً وأعرضاً وأمراضاً وأغراضاً. . . والسفينة في ذلك العهد مؤلفة من أجزاء قليلة بسيطة. . الخ. آه)

هذا ما كتبه الأستاذ الجندي. والقارئ يلاحظ معنى أن الأستاذ أصاب الحقيقة، وبدد الوهم الذي وقع فيه الأستاذ أحمد أمين فما قول أولئك الذين يرمون اللغة بالقصور؟

صلاح الدين المنجد

مكانة اللغة العربية في العالم نشرت جريدة (يور كشير بوست) البريطانية مقالة افتتاحية عن المركز الهام الذي تتبوأه اللغة العربية بين لغات العالم جاء فيها: (للغة العربية جاذبية خاصة تجذب الشعب البريطاني في الشرق. ولقد كان هنالك فيما مضى كثيراً من المستشرقين ولكنا لا نغالي إذا قلنا إن بريطانيا هي التي اطلعت العالم في الأعوام الأخيرة على أند ثمار الثقافة العربية)

(كثيراً ما كانت الإمبراطورية البريطانية تعجز عن إدراك أهمية اللغة العربية، ومع ذلك فهي اللغة الرسمية في مصر والسودان والمتغلغلة في صميم أفريقيا حتى البحيرات العظمى. وهي اللسان السائد في جميع أصقاع شبه جزيرة العرب، كما أنها أداة التخاطب في العراق. وهي اللغة التي يستخدمها مسلمو الهند - إخواننا في الرعوية وعددهم ثمانون مليون نسمة - كل يوم في صلواتهم وفي تلاوتهم القرآن الكريم. وهي تعد لغة مراكش، والجزائر وتونس

وهي اللغة التي يستطيع بها العلماء في إيران وأفغانستان أن يدرسوا أحاديث النبي الكريم محمد ﷺ. ولا تقل الحروف العربية انتشاراً عن الحروف الرومانية، فهي لست قاصرة على اللغة العربية وحدها، وإنما هي أساس اللغات الفارسية والهندستانية ولغات البوشتو والهاوسا والأردية وغيرها من اللغات الشرقية

ولا مراء في أن اللغة العربية من أعظم ينابيع المعرفة التي يغترف منها العالم

وبينما كانت أوربا تعيش في ظلمات الجهالة كان علماء العرب في بغداد وقرطبة خير أمنا على مدنية اليونان والرومان وأورثوهما للعالم فيما بعد

ومما يبرهن على أهمية هذه اللغة العظيمة، أنها كانت أولى اللغات التي استعملتها هيئة الإذاعة البريطانية. ويزادا عدد المتكلمين باللغة العربية يوماً عن يوم، وتتسع حدودها. فهي لغة التخاطب في زنجبار وتنجانيقا وفي بلاد بعيدة كجزر الملايو، وتتبوأ اللغة العربية مكان الشرف في مدرسة اللغات الشرقية بلندن

ولقد أدركت الحكومة البريطانية أهمية اللغة العربية، فلا تسمح لأي موظف من موظفيها بالاشتغال في الشرق الأدنى والأوسط ما لم تكن له مؤهلات في اللغة العربية

نقد وتصويب وافانا العدد (349) من مجلة (الرسالة) الغراء بقصيدة خلابة للأستاذ علي الجندي يرثي فيها صديقه الحميم المرحوم الحاج محمد الهراوي، والقصيدة من مطلعها حتى الختام تتجلى فيها براعة الشعر، ودقة التصوير، ورقة الأسلوب ورصانته، ومع تقديري لعبقرية الشاعر فإني لا أرى مانعاً من لفت نظره إلى بيت من الأبيات لاحظت فيه خروجاً عن الوزن وهو:

تسعد الذكريات أهلها وألقىّ ... ذكرياتي محطم الأعصاب

وأرى أن لو كان كما يلي لكان أحكم:

يسعد الذكر أهله وألقىّ ... ذكرياتي محطم الأعصاب

أبو الفضل السباعي ناصف

إلى الدكتور مبارك

قرأت محاضرتك الظريفة ووقفت عند فقرة بشطرها الثاني المنشور بالعدد 350 من الرسالة الغراء هاك نصها: (الشواطئ كلها مآثم ولولا الخوف من بني الحاسدين والحاقدين لقلت إن المآثم لا تخلو من بريق يزلزل القلوب والأذواق والعقول. ومن هذه الزلزلة تكون الرجفة التي تثير شياطين الشعر والخيال) آه ثم رحت أستعيد المعاني الباقية في ذهني لمعنى الزلزلة مما تفضل بشرحه الأستاذين شاكر وبشر فارس، فخلصت إلى أن البريق لا يزلزل القلوب والعقول قياساً على أن الطرب لا يزلزل الآذان. وأظن سيدي الدكتور لا يزال يذكر هذا النقاش حول كلمة الزلزلة فهل للأستاذ أن يتفضل بشرح هذه الكلمة التي شككنا فيها الأستاذ شاكر، وله الفضل والشكر

محمود الأشرم