مجلة الرسالة/العدد 350/من هنا ومن هناك
→ القصص | مجلة الرسالة - العدد 350 من هنا ومن هناك [[مؤلف:|]] |
البريد الأدبي ← |
بتاريخ: 18 - 03 - 1940 |
هل تصبح أوربا ولايات متحدة نازية
(ملخصة عن (ذي ساين) نيويورك)
إذا انتصرت ألمانيا في الحرب الحاضرة، فليس لهذا الانتصار غير نتيجة واحدة: هي أن تصبح أوربا ولايات متحدة نازية. فهل وازن مستشارو دول وسط أوربا هذا الاحتمال؟ أم أنه مجرد وهم وتخمين؟ لقد طرحت هذا السؤال للبحث مع عضوين من كبار رجال السلك السياسي البريطاني. أحدهما يقيم في (صوفيا) والآخر في (ببودابست).
فجاء في حديث الأول عن الدول البلقانية: أن كل إنسان في الجنوب الشرقي لأوربا يشعر بأنه مهدد بالموت من يوم لآخر. فقد أصبحت ألبانيا خنجراً مصوباً إلى قلب البلقانيين. وسواء أكانت السلم أم كانت الحرب، فلا يخال أحد أن موسليني يخرج من هذه الأزمة، ولا ينال من الفطيرة نصيبه الأوفى. قد يكون موسليني أكثر صبراً من هتلر وأبعد نظراً، ولكن مما لاشك فيه أنه أكثر رجال السياسة الحاليين نظراً للواقع. وإذ كان موسليني مؤسس الإمبراطورية الرومانية الحديثة، فهو على هذا الاعتبار يعد من المتهمين بمذهب التوسع
وقد جاء في حديث الثاني: أن ثمانين في المائة من تجارة هنجاريا تتقاسمها دول المحور. ويبلغ ما تدفعه ألمانيا إليها في تجارة الحبوب ضعف ما تدفعه الدول الأخرى
أما إيطاليا فتستورد ما لديها من البرتقال والليمون، وزيت الزيتون والحرير. ولا يصح هنا أن نهمل الصلات الجغرافية والاقتصادية التي تربطها بتلك البلاد. لا شك أن هؤلاء الهنجاريين الذين يبلغ عددهم أحد عشر مليوناً، شعب شجاع منتج؛ ولكننا ونحن لا نعدو أن نكون أصدقاء نراقب الأمور عن كثب، لا نشك في أن هنجاريا لا تستبقي اليوم من استقلالها أكثر مما كان للنمسا قبل الحالة التي طرأت عليها أخيرا. إن اليوم الذي يموت فيه الأدميرال (هورثي) وهو في السبعين من عمره الآن، سيكون علامة لتغير جوهري في حياة تلك البلاد
ومن رأيي أن سادة النازي يقصرون وقتهم للسعي وراء السيادة. وهم اليوم في حاجة إلى هنجاريا باعتبارها قنطرة بين الريخ والبحر الأسود. وينقل الزيت، والحبوب، والخشب، والمعادن من الشرق إلى الغرب عن هذه الطريق. ويرى هتلر، وجورنج وفرانك هيس أ الألمان يجب أن يطعموا شيئاً غير البطاطس هذا الشتاء.
وفضلاً عن هذا، فإن هنجاريا تعد عاملاً قوياً في نظر النازي للتوغل في رومانيا. ففي اللحظة التي يشعر فيها الهنجاريون بأن قوى الريخ الحربية من ورائهم سيثيرون العاصفة على الجبهة الرومانية. أما روسيا التي أصبح لها مركز ممتاز في البلطيق، فهي تطمع في توطيد مركزها في البلقان، فقد كانت فكرت الحصول على نافذة تطل على البحر الأبيض المتوسط حلم رجال السياسة الروسية منذ عهد بطرس الأكبر. ومن السهل مهاجمة القسطنطينية وهي العاصمة السابقة للبلاد التركية من الناحية البرية
وإذا كانت تركيا تقف اليوم بين عدوين قويين، فإننا لا نستطيع أن نعرف موقف الدتشي في هذه الظروف. إن الدتشي قد ينذر أو يحذر أو يهدد بالحرب، ولكنه في الواقع لا يستطيع أن يتقدم أو يتحرك. إذا جد الجد تبين مواطن الخطر!
إن المشكلة الحقيقية التي يعانيها موسوليني، هي ارتباطه مع هتلر لإلغاء معاهدة فرساي في وقت لم يستطيع أن يقدر فيه موقف الشعب الإيطالي بإزاء فرنسا التي ارتبط معها بصلات لم تنفصم عراها منذ 125 عاماً.
إن الوقت والمال يعملان لمصلحة الحلفاء، ولا شك أن الوقت والمال يعملان لمصلحة الحلفاء، ولا شك أن الذهب في هذه الحروب الطويلة له الغلبة على السلاح. فإذا لم يقدم موسوليني لموازنة القوى، فقد وصل حليفة أدولف هتلر إلى نهايته
البلشفون هم فاشيون
(عن مجلة (باربيد))
كتب الصحفي والمؤلف المشهور (فنست شيان) مقالاً في العدد الحديث من (كارنت هستوري) التي تصدر في نيويورك قارن فيه بين البلشفية والفاشية
ويقول (فنست شيان) في هذا المقال إن البلشفية هي في الحقيقة نوع من الفاشية في ثوب اشتراكي خداع. والفاشية قائمة على التغرير بعقول الناس بالادعاءات والوعود الخلابة والآمال التي لا ظل لها من الحقيقة، فتخلع على العبودية المريرة ضوءاً خلاباً من ألفاظ البطولة والتضحية حتى تكون آلامها ومتاعبها سائغة المذاق إلى حد ما. وقل أن تختلف الوسائل التي تتبع في ألمانيا عنها في روسيا، فالشعب في كلا البلدين يقوم بأشق الأعمال ويتناول عنها أقل الجزاء. وهكذا أتيح للحكومات الفاشية والبلشفية أن تخدع الملايين من المستعبدين!
إن حجر الزاوية في الحكم الفاشي هو تمجيد التضحيات القاسية التي تفرض دون حد على الأهليين، وإخضاعهم للعبودية الممقوتة بإذكاء عواطفهم نحو الرقي والتقدم. وقد سار هذا المبدأ بنجاح في روسيا كما سار في ألمانيا على حد السواء. وما زال الملايين من العمال في روسيا، وكذلك في ألمانيا مساو بين كل حق. فلا يستطيعون اختيار العمل الذي يريدونه، أو المكان الذي يسكنون فيه، ونوع التسلية التي يرغبونها معتقدين - وهذا ما يسمعون على الدوام ولا يسمعون شيئاً غيره - بأن هذا هو النوع الرفيع من الحياة التي يجب أن تسود العالم أجمع بفضل جهادهم ولكن الفاشية الروسية كانت أو ألمانيا ليست في الحقيقة نظاماً دولياً عاماً سواء من الناحية الفكرية أو الناحية العملية. بل هي على النقيض من ذلك، فقد ثبت أنها تقدس العصبية وترفع الوطنية إلى حد لم يسبق له مثيل في تاريخ العالم
وتعمل الدعاية الروسية بكافة الوسائل لإقناع الشعب بأن حكومة روسيا السوفيتية تمتاز في سائر أعمالها على حكومات العالم، وأن الشعب الروسي خير من سائر الشعوب، وأن الجيش الروسي أفضل الجيوش التي في العالم.
لقد كانت البلشفية التي دعا إليها لينين وتروتسكي على شئ من المنطق، لذلك كانت غير فاشية، وكذلك كانت تحمل معنى الدولية أما بلشفية ستالين، فتبدأ بنظرية (الاشتراكية داخل المملكة المنفصلة)
فإذا فرضنا أن الفاشية أتيح لها أن تتغلب على أوربا، فسوف لا يستقر لها أمن أو سلام، إذ أن مبادئها القائمة على تأليه الجنس، وتقديس الوطنية، ودعوى التفوق والامتياز سوف تصطدم بمبادئ الأمم الأخرى التي تزعم لنفسها مثل هذه المزاعم
إن الفاشية لا تحتمل دعوى التفوق أو المساواة من أي شعب من الشعوب. والعقل الفاشي يعتقد كما يقول موسليني - أن السلم ما هو إلا فترة بين الحروب - وخير ما تفعله الإنسانية هو أن تقضي هذه الفترة في التدريب والتأهب على الدوام
فإذا أصبحت أوربا قارة مقسمة بين فاشية ستالين وهتلر وموسليني، فمعنى ذلك أن أوربا لا تخرج من الحرب إلا لتعود إليها، ولكن الحرب في هذه المرة لا تكون إلا بين الفاشيين المتنافسين