الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 35/الحركة المسرحية والسينمائية في الخارج

مجلة الرسالة/العدد 35/الحركة المسرحية والسينمائية في الخارج

مجلة الرسالة - العدد 35
الحركة المسرحية والسينمائية في الخارج
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 05 - 03 - 1934


باريس

مثلت أخيراً على مسرح (جمناز) رواية جديد لهنري برنشتين المؤلف المسرحي المعروف باسم (الرسول) وقد أدار المؤلف موضوعه حول فكرة غريبة، وكأنه يرد أن يقول أن:

زوجة ابتعدت سنة عن زوجها الذي تعبده يمكن أن تسلم نفسها لشاب جاء من عند الزوج كرسول يحمل لها حبه وغرامه، وهي إذ تسلم نفسها للرسول يخال لها أنها إنما تستسلم للزوج نفسه. وهذا غريب والفكرة كما ترى يحوطها الغموض والإبهام. ولعل برنشتين يريد أن يضع في علم النفس قاعدة جديدة.

واليك تلخيص موجز للقصة: سافر مسيو نقولا - الزوج - إلى أفريقيا ليبني لنفسه مستقبلا جديدا في ميدان العمل وليحصل على ثروة وفيرة يسعد بها زوجته الشابة التي يعبدها. ولم يكن له حديث في غربته إلا عن زوجته ماري وعن حبه لها ويجلس الساعات الطوال مع زميله جلبرت يتحدث عنها حديثاً مسهبا وانتهى الأمر بان أحب جلبرت هذه المرأة. . والأذن تعشق قبل العين أحياناً. .

ويذكرنا هذا الموقف بشبيه له في رواية ألمانية معروفة تدعى (كارل وأنا). ويحدث أن يصاب جلبرت بما يقعده ويضطره إلى العودة إلى وطنه، وفي باريس يلتقي بماري الزوجة الأمينة على شرف زوجها والتي رفضت بأباء ما أظهره لها كثير من الرجال من الحب والهوى. ولكن ماري هذه سرعان ما تصبح عشيقة جلبرت، لا لأنه يحبها ويتطلبها، ولكن لأنها تحس فيه حرارة حب زوجها لها وحنينه إليها. يرجع الزوج فجأة وعلى غرة من العاشقين ويكتشف ما بينهما من صلات فيكون بينه وبين زوجه مشهد رائع ويعلنها بالانفصال النهائي. ثم يزمع السفر والعودة إلى أفريقيا وإذ يهم بالرحيل تقدم ماري، ويعلم الزوج أن جلبرت انتحر لأنه أدرك أن المرأة لم تحبه أبداً وإنما تحب فيه زوجها الغائب ويقبل الزوج هذا التفسير الغريب

هوليود

تتجه أنظار شركات السينما في هوليود نحو الروايات الأدبية الكبيرة التي دبجتها يراعة كبار الكتاب العالميين. وقد ذكرنا قبلا ان بين برنامج السنة القادمة روايات من أق برناردشو وإميل لدويج وولز وغيرهم. ونذكر اليوم ان جان هارلو الممثلة الشقراء الفاتنة أغرمت بدور بورشيا في رواية (تاجر البندقية) لشاكسبير وتنوي إخراجه على الشاشة، وميرنا لوي تحب أن تظهر في رواية أبسن المعروفة (ببيت الدمية) وجون باريمور يستعد لإخراج (هاملت) ومن المعروف أنه مثله على المسرح ونال فيه نجاحا كبيراً، وشارلي شابلن أيضاً من هواة هذا الدور وقد فكر في تمثيله في وقت من الأوقات كما فكر في تمثيل دور (نابليون).

وستمثل كي فرانسيس دور مدام دي بارى المرأة الشهيرة في تاريخ فرنسا. وتظهر جلوريا سوانسون في دور جوزفين أمام أدوارد روبنسين في رواية (نابليون) التي اقتبست عن الكتاب الذي وضعه أميل لدويج عن إمبراطور فرنسا العظيم

لندن

أقامت جريدة (ايرا) الإنجليزية المسرحية مسابقة لتتعرف رأي قرائها في أحسن رواية ظهرت في إنجلترا في العشر سنوات الأخيرة، وفازت بالأولوية رواية (سان جون) لبرناردشو وقد نالت 16 درجة، وتلتها رواية (نهاية الرحلة) للكاتب المسرحي شريف ونالت 8 درجات، وهناك بعض الروايات الشهيرة جاءت في الرتبة الخامسة والسادسة ومنها (طريق للحياة) لنويل كوارد. ونذكر بهذه المناسبة أنها مثلت أخيرا سبعة أسابيع على أحد مسارح نيويورك بلغت أرباح مؤلفها في خلالها 20. 000 جنيه.

2 أبو علي عامل أرتست

تأليف الأستاذ محمود تيمور

عرض ونقد وتحليل

ولتيمور موهبة فائقة في وصف آلام الناس ونزعاتهم في الحياة، دون ان يترك في نفس القارئ شعوراً بالكآبة أو الانقباض، وقليلون من الكتاب من لهم مثل هذه القدرة، فهم إذا تعرضوا لوصف الآلام أسرفوا في عواطفهم وشعروا بالكآبة والضجر وحملوا القارئ على أن يفقد حيوتيه، أما الوصف في أقاصيصه فقد يكون أقرب إلى فلسفة الجمال منه إلى استدرار عواطف الرحمة والإشفاق على ان هناك صفتين أخريين نلمحهما دائماً في أدب تيمور: أولاهما تغلب عاطفة الخير في أقاصيص على عاطفة الشر، وقد يعود هذه إلى أنه يرى الحياة من جانب واحد هو الخير، وبنظرة ثابتة هي الاطمئنان، وهو من هذه الناحية يشبه دكنز، عندما أراد أن يرسم لنا صورة مكويرومسترمل، جعلهما ينجحان في استراليا، مع أن شخصيتهما لا تدع أمامنا مجالا للشك في أنهما خرجا ليلاقيا الخيبة

وقد تدفعه عاطفة الخير إلى ان يحجب نور الحقيقة عن نظر القارئ، وعندما يريد ان يصارحه بهذه الحقيقة، تراه يشير إليها من طريق خفي وبدون ان يعلق عليها بقلمه، كما في أقصوصه (جحيم امرأة)، فأنه بدلا من ان يصارحنا بحقيقة الخواجة نعوم وموقفه من خيانة زوجته، نراه يلجأ إلى التستر والتلميح، خاصة عندما ناوله عبد السميع مبلغ الثلاثين جنيها بحجة أنها ثمن لأسهم شركة يريد أن يؤسسها، مع أن فطنة القارئ تكاد ترشده إلى ان هذا المبلغ لم يك إلا ثمناً لثلاثين ليلة قضاها العاشق المضطهد في أحضان الزوجة العابثة!

والصفة الثانية التي يريد أن نتحدث عنها، هي تلمذته على أدب المرحوم محمد تيمور أخيه وتأثره الشديد بفنه، وهذه الصفة البارزة تدفعنا إلى أن نقارن بين أدب الأخوين فالفرق بينهما واضح جداً

كان فن المرحوم محمد تيمور يقوم على ميزات ثلاث: اللغة والمحاورة وبناء هيكل الرواية، وكان يؤمن بان الفن هو مرآة الطبيعة فيجب ان ننقل إليه الطبيعة كما هي من غير تجميل، ومن اجل هذا وكان ينتصر للعامية ويرى انه يمكن ان نعبر بها عن كل ما يراد التعبير عنه، ولذا جاءت لغة الحوار في رواياته طبيعية لا أثر للصناعة أو التكلف فيها، وكانت نظرته للحياة اكثر إدراكاً فكان يستوضح مظاهرها ويدور في أعطافها ليستمد فنه من جميع نواحيها، انه ليخيل إلينا ونحن نطالع إحدى رواياته انه قد تقمص بطلها

أما محمود تيمور، فبالرغم من طابع الصدق الذي يتسم به أدبه وجذوة الحياة التي تشتعل في جوانب أقاصيصه، فأنا نكاد نشعر كنقدة - بأنه يبخس المتكلم حقه ولا يعطيه الحرية التامة في أن يعبر عن أفكاره وميوله باللغة التي توافق مزاجه وتلائم بيئته، والقصصي العبقري، هو الذييحس بالحوادث تجري حوله، فلا يكتفي بأن ينقل إليها صورها ويصبها في القالب الفني، بل عليه إلى جانب هذا إلا يجعل أشخاصه جامدين، وان يعطيهم الحرية في أن يعبروا عن احساساتهم باللغة التي توافقهم وتتلاءم مع طباعهم، فالنفن هو كل شيء في القصة واليه يرجع عامل نجاحها أو سقوطها!

وإني أثبت بهذه المناسبة رأيا أبداه المستشرق الروسي كراتشقوفسكي عن فن محمود تيمور القصصي، إذ قال: ليست أقاصيصه إلا درساً بسيكولوجيا وتحايلاً لأحوال النفس وتطوراتها في الشخص الواحد مع بعض الدرس للأشخاص المجاورين له في البيئة، ومزية التركيز وقلة الحركة فيها يجعلها تؤثر في النفس أحياناً تأثير الدراما المسرحية المحزنة.

أما (حسن أبو علي) فقصة شاب مأفون مهرج، هوى التمثيل وتأليف الروايات المسرحية، فترك علمه والتحق بإحدى الغرف التمثيلية لاشباع نهمته الفنية، وهي نزعة كانت سائدة عند الكثيرين من شبابنا إثر ترددهم على دور التمثيل، أما الآن فليطمئن بال الأستاذ تيمور ولان السينما قضت على هذه النزعة في النفوس!

والقارئ يشعر بعد مطالعته لهذه القصة، بروح التهكم المر والسخرية اللاذعة التي لجأ المؤلف اليها، في تصوير هذه الشخصية المشعوذة التي انبعث حبها للتمثيل. ولم يكتف المؤلف بان يقسو على بطله يعذبه في الحياة من أجل الفن وفي سبيله، وأن ينسب إليه موت عمه ليتخذ من هذا وسيلة لإظهار مواهبه الفنية، وأن يدفعه إلى ارتقاء منبر المساجد ليعظ الناس في يوم الجمعة كأنما هو على خشبة المسرح، وأن يتسلط عليه فيدفعه أيضاً إلى أن يبدد الثروة الضئيلة التي تركها عمه، فيشيد بها مسرحا يهدمه المتفرجون على رأسه في ليلة الافتتاح! لم يكتف المؤلف بهذا كله بل نراه قد أجهز عليه بنفس القسوة وحكم عليه بالموت!

وبعد فقد فرض الأستاذ تيمور هذا اللون من الأقاصيص على القارئ وروى ظمأ المتعطشين إلى القصة في مصر والذين كانوا لا يقرأونها إلا باللغات الإفرنجية أو مترجمة إلى اللغة العربية فهل تراه وفق في عمله؟ لا شك في أنه وفق إلى حد بعيد، يدلنا على هذا ان أكثر أقاصيصه مترجم إلى اللغات الحية وأن الأستاذ شادة مدير دار الكتب المصرية السابق ألقى عنها محاضرة نفيسة في مؤتمر المستشرقين السابع عشر وأن مجموعة أقاصيص (أبو علي عامل أرتيست) هي المجموعة السابعة التي يقدمها الأستاذ تيمور إلى قراء العربية!

محمد أمين حسونة