مجلة الرسالة/العدد 348/مناجاة الهلال
→ خواطر تلهمها ذكرى الهجرة | مجلة الرسالة - العدد 348 مناجاة الهلال [[مؤلف:|]] |
نشيد العام الهجري ← |
بتاريخ: 04 - 03 - 1940 |
للأستاذ محمود غنيم
ماذا وراءكَ، مرحباً بك عاما؟ ... رحماكَ إن الكون في الدَّم عاما
لم أدر حين بدا هلالُك أحدباً ... أحملتَ غصناُ أم شهرتَ حساما؟
وجه البسيطة عابسُ متجِّهمُ ... فاجعل هلالك ثغره البسَّاما
جفِّف دم الدنيا وكفكفْ دمعها ... وانشر عليها رحمةً وسلاما
ما بال ظهرك يا هلال مقوَّسا ... أحملت أعباء السَنين جِساما؟
أصبحت في زِيِّ الكهول فهل تُرى ... قد شبتَ مثلهمو وكنت غلاما؟
ما بال وجهك شاحباً يا ابن الدجى ... أفنيتَ مثلي في الملاح غراما؟
أم بِتَّ تخشى الحربَ أن ترقى إلى ... أفق السماء فتلحقَ الأجراما؟
في الجو طير كاَلحمام محلِّقٌُ ... لكنه إن طار كان حِماما
فأحذر فإن الحرب منك قريبة ... والجوَّ يمطر يا هلال سهاما
وانصح خيالك في البحار وقل له: ... أوصيك ألا تقرَبَ الألغاما
العالم العُلويُّ سر غامضٌ ... فاكشف لأهل الأرض عنه لثاما
هل ثمَّ أغراض وثمَّ مطامعٌ ... تُجري الدماء به وتَبْري إلهاما؟
أهناك خَلْقُ مثلُنا يقضي كما ... نقضي الحياة تطاحناً وخصاما؟
زعموك مسكوناً، وليتك بلقعٌ ... إن كنت تأوي يا هلال أناما
زعموك مسكوناً كأمك ليتها ... كانت عشية أنجبتك عُقاما
قاد الممالكَ معشرٌ متسلِّطٌ ... هَدَمَ السكينةَ حائطاً ودِعاما
فتشتُ في عصر الضياء فلم أجد=إلا شعوباً تشبه الأنعاما
أمم تسبّح باسم أفرادٍ، كما ... كانت قديماً تعبد الأصناما
كم أمةٍ إن يهتدِ الفرد اهتدت ... وتهيم في الظلماتِ إن هو هاما
هذا زمان الفرد ليس ببارح ... هيهات ما دام السَّوادُ سَواما
قل للهلال إلام تسري في الدجى؟ ... يا إبن السبيل أما نويت مُقاما
ساقتك كفُّ ساقت الدنيا فهل ... تدري علام تسوقها وإلاما؟ حَّتام تُدلج في الظلام كعاشق ... يخشى الرقيب ويتقي اللواما؟
أتبيت في جنح الليل موكلاً ... بالكون تحرسه إذا هو ناما؟
هم شبهوك بِمنْجَل من فضة ... ماذا حصدت، أتحصد الأياما؟
يرد الأنامُ عليك أنت معمَّر ... وهمو يزورون الحياة لماما
يا رُبَ قوم ألهُوك فأومئوا ... لك بالتحية سجداً وقياما
أتت القرون عليك وهي عديدة ... وأراك طفلاً ما بلغت فطاما
يا ابن الدجى حدِّثْ أعرك مسامعي ... فلأنت أصدقُ من (حذام) كلاما
أشهدتَ مجد الشرق في ريعانه ... وسناه إذ كان الوجود ظلاما؟
أشهدت رسْل الله تذرع أرضَه ... تتلو الشرائع فيه والأحكاما؟
أشهدت عيسى والكليم كليهما ... يتلقيان الوحي والإِلهاما؟
أشهدت أحمد يوم هاجر أحمدٌ ... يطوي الضلال وينشر الإسلاما؟
إذ جاء يحمل في اليمين هداية ... للعالمين وفي الشمال حساما
فغزا بشرعته الضمائر قبلما ... يغزو بحدِّ حسامه الأجساما
كانت مبادئه القويمة فيلقاً ... يغزو به الأفكار والأفهاما
فإذا بتيجان الملوك وإن علت ... أقدارهم من حوله تترامى
صف لي زمان الراشدين وزهدَهُم ... والأرضَ إذ كانوا لها حكّاما
بالله كيف رعى الشعوبَ وساسها ... من كان يرعى الشَّاَء والأغناما؟
صف لي بربك قادة الإسلام إذ ... فتحوا العراق ببأسهم والشاما
قل لي بأية قوةٍ جبارة ... نزلوا بمصر وزلزلوا الأهراما؟
ما كان جند المسلمين أشد من ... أعداءهم بأساً ولا إقداما
لكنه الإيمان في ساح الوغى ... ربط القلوب وثبت الأقداما
شاهدت دولة (عبد شمس) فأنْعَها ... وأنعت (معاوية) لنا و (هشاما)
واذكر لنا بغداد كيف رايتها ... تحوي العلوم وتجمع الأعلاما
وأذكر لنا صَلَفَ الرشيد وكبرَه ... لما تحدى في السماء غماما
وأعد على أذنيَّ خطبة (طارق) ... (البحر خلفاً والعدوَّ أماما) أشهدت شعباَ من سلالة (يعرَب) ... في الغرب شاد حضارة ونظاما؟
ما خطب هذا الشعب كيف وجدته ... يقظان إذ كان (الفرنج) نياما؟
حدِّثْ عن الإسلام ذكِّر أهله ... وقِّع لنا تاريخه أنغاما
مجد إذا أجتر الزمان حديثه ... خفض الزمان جبينه إعظاما
ما كان أخلق أن يدوم لأهله ... لو أن مجداً قبل ذلك داما
يا ابن السبيل ألا حملت رسالتي ... قد سار ركبك يسبق الأوهاما
حيِّ العروبة ثم طفْ ببلادها ... مترفقاً واستنهض الأقواما
استرسل الأقوام في أحلامهم ... فاقطع عليهم هذه الأحلاما
واعطف على البسفور والمس جرحه ... إنا نُحسُّ لجرحه آلاما
سترى البعول هناك قد ناحوا على ... زوجاتهم وترى النساء أيامى
وترى كهولا ودعوا أبناءهم ... في مهدهم وترى بنينَ يتامى
وترى أناساً فيه لا مأوى لهم ... أمست أسرتهم حصى ورَغاما
فأذهب إليه باسم مصرَ مواسياً ... عزِّ الأقارب فيه والأرحاما
احمل لهم منا السلامَ مع الأسى ... لا تنسَ أنَّ لهم عليك ذِماما
لا تنس أنك رمزُ مصرَ ورمزُهم ... بك يا هلال نزيِّن الأعلاما
(الإسكندرية)
محمود غنيم
مدرس بالمعلمين