مجلة الرسالة/العدد 346/(وحي الرسالة)
→ رسالة النقد | مجلة الرسالة - العدد 346 (وحي الرسالة) [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 19 - 02 - 1940 |
2 - وحي الرسالة
(من واجب (الرسالة) أن تنشر ما يتفضل به عليها الأدباء
الزملاء والأصدقاء من صادق النقد وجميل الرأي في كتاب
(وحي الرسالة) تسجيلا للفضل منهم وللشكر منا)
كتب صديقنا الدكتور بشر فارس في جريدة المقطم:
هذا كتاب يريحنا مما يخرجه بعض المنشئين لهذا العهد، وهم لا يفطنون إلى أن الكتابة صناعة. في فصول هذا الكتاب تصيب المنحى الحسن، والتنسيق المطرد، ثم اللفظ المتخير، والسبك المحكم إلى جانب التبصر. وأسلوب الأستاذ الزيات الترسل في بسط العبارة، والترفق في تدوين الفكرة. ويهدد هذا الأسلوب في غالب الأمر سرد الألفاظ، وتكلف الأداء. وقد نجا أسلوب هذا الكتاب من هذين الخطرين بفضل سليقة صاحبه السليمة وترسمه خطى البلغاء من كتاب العرب الجاعلين للديباجة المكان الأول. ومما ينشأ عن هذا الأسلوب الإطناب المقبول، وإن قال الأستاذ في فاتحة كتابه إن الإيجاز صفته، إلا إذا عنى بالإطناب ساقط الكلام وفضول القول بتطويل وحشو لغير فائدة
وموضوعات الكتاب إن هي إلا معرض ألوان شتى من التأليف: إنشاء ونقد ووصف ونظر في الحياة الجارية، فمن الإنشاء (لماذا ترجمت آلام فرتر) وفيه هفوة القلب ونبضة العرق، ومن النقد (مصطفى صادق الرافعي) و (أحمد زكي باشا) وفيهما تبرز خصائص الكاتبين في اعتدال إذ تذكر مواضع الإكبار ومواطن الأخذ جنباً لجنب. ومن الوصف ما ينساب هنا وهنا من تصوير لطرق المدينة وحقول الريف وشواطئ البحر وضفاف النيل. ومن النظر في الحياة الجارية تلك المقالات الرصينة مثل (داء الوظيفة) و (الفردية علتنا الأصلية) (وهنا أوثر كلمة التفرد كما بينت في (مباحث عربية)) والزيات في هذه المقالات لاذع القلم نافذ البصر: إنما بغيته التنبيه على جوانب الضعف الخلقي والتنديد بنواحي الفشل الاجتماعي، وكتابة الأستاذ هنا لا تنجذب إلى الأسلوب الفلسفي المجرد ولكنها كتابة مصلح يصف الداء المقيم ويبين آثاره وعقابيله.
وفي تلك الموضوعات، على تنوعها، تطاوع اللغة الكاتب وتتأنى له ألفاظها وتعبيراته المتواترة، وذلك لأن الزيات يعرف كيف يستخرج المخبآت وينقب عن الدقائق. وهو إلى هذا التضلع من أساليب القدماء يكره التشدد والتنطع، حتى أنك تراه يستعمل اللفظة الأعجمية على وجهها إذا تطلبها السياق. من ذلك لفظة (الإيديال) ص46 و (المثل الأعلى) و (التاكسي) ص468 و (الفترينات والصالات) ص479. واكبر الظن أنه يرقب من مجمع اللغة العربية أن يعالج مثل هذه الألفاظ، وإني لأخشى أن تطول رقابته.
إن (وحي الرسالة) مجموعة مختارة مما سطره الأستاذ الزيات في مجلة (الرسالة)، وهذه المجلة تستقبل سنتها الثامنة. و (الرسالة) في صدارة المجلات العربية لهذا العهد. ومما تمتاز به أنها معترك الحركة الأدبية: من وجه تسجل مجرى الأدب، ومن وجه تعرض المستحدث منه، فخطتها الركز والوثب معاً. ومن هنا ما فيها من التلون. وآفة المجلات أن يركد ماء وجهها. فمن وراء ذلك الشحوب فالزوال. ويعين على ذلك التلون أن أقلام كتاب الرسالة متغايرة في التثقف والمضاء، وإن فيها أبواباً ساكنة وأخرى مائجة. وربما وضعت هذه الأشياء مواضعها في بلد يكثر فيه الاضطراب ويصول الهوى
بشر فارس
وقالت زميلتنا الدستور:
الأستاذ أحمد حسن الزيات كاتب تسمو عبارته على النقد، ويرتفع سياقه إلى مرتبة الإعجاز، وتتصل بلاغته بالقلوب لدقته ورصانة نسجه وسمة الصدق المتجلية في عبارته. وقد أصدر حضرته مجلة (الرسالة) منذ سبع سنوات؛ وألف أن يصدرها كل أسبوع بمقالة من وحي خاطره وفيض بيانه، حتى اجتمعت له باقة من هذه المقالات متخيرة الألفاظ متسامية الطراز، تتيه ببراعة أسلوبها دولة الكتاب وترنو إلى إعجازها أعين الأدباء.
وسنعود إلى عرض بيان الأستاذ الزيات في صفحة الدستور الأدبية المقبلة.
وقد احسن الأستاذ الزيات إذ جمعها في كتاب سماه (وحي الرسالة) ونشره في مطلع العام الجديد مورداً عذباً للأدب والأدباء ومشرعاً سائغاً لطلاب اللذة والمتاع الروحي والفائدة في كل باب. . .
وقالت زميلتنا البلاغ:
يطالع الكاتب الكبير الأستاذ أحمد حسن الزيات قراءه العديدين في مجلته (الرسالة) بافتتاحياته الممتعة التي تعتبر مثالاً عالياً في حسن الأسلوب وفي تخير الموضوع ودقة التعبير عن الفكرة؛ وقد تابعوه سبع سنين ينتظرون بلهف ما تدبجه براعته سواء في الأدب أو في النقد أو في السياسة أو في الاجتماع أو في تحليل الشخصيات، فيكون على الدوام عند حسن عقيدتهم فيه؛ براعة تفكير، ومتانة أسلوب، وسرعة نفاذ إلى القلوب
وقد تخير الأستاذ الزيات فصولاً مما كتبه للرسالة في ست سنين وجمعها بين دفتي كتاب واحد سماه (وحي الرسالة) وأصدر المجلد الأول منه في هذا الأسبوع في طبع أنيق وورق مصقول، فجاءت هذه الفصول كما قال في مقدمتها: متسمة بالصدق وإن كتبت عفو الخاطر ومجاراة المناسبة
ولاشك أننا في غنى عن أن نقدم (وحي الرسالة) إلى القراء فالأستاذ الزيات في غنى عن كل تقريظ وإنما يقرظه أدبه وأسلوبه وسعة اطلاعه؛ ويكفي أن نقول أن كل قارئ مثقف لا غنى له عن مطالعة هذه الفصول الممتعة مما كتبه الأستاذ الزيات
0
2