مجلة الرسالة/العدد 341/المسرح والسينما
→ رسالة النقد | مجلة الرسالة - العدد 341 المسرح والسينما [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 15 - 01 - 1940 |
فلما (حياة الظلام) و (العودة إلى الريف)
24 + 16=40. . . هذه هي القروش الأربعون التي خرجت من جيبي عن طيب خاطر. وإني أصارح القراء بأني أبكي عليها الآن كما لو كانت أربعين ألفاً من الجنيهات!
دفعت المبلغ الأول في شباك تذاكر سينما (ستوديو مصر) ثمن تذكرتين؛ إحداهما لي والأخرى لصديقي الذي أتأبطه في الذهاب ويتأبطني هو في العودة! ودفعت المبلغ الثاني في شباك سينما (الكوزمو) ويا ليتني ما دفعت هذا ولا ذاك، فقد علمت - بعد فوات الوقت - أن المبلغين ذهبا إلى وجه الشيطان!
حرصت على أن أشهد أول عرض في استوديو مصر لشريط (حياة الظلام). وقد كان بودي أن أرى عملاً فنياً رائعاً، فلم أر عملاً فنياً على وجه الإطلاق. وإنما رأيت صوراً تتكلف الحركات، وأفواهاً تتكلف الكلمات، ومناظر تتكلف وتفتعل افتعالاً. . . كل ذلك في قصة لم يكن بها من بأس كقصة، للقراء ولكنها كانت ساقطة أشنع السقوط بوصف أنها سيناريو لسينما ولا ندري فوق ذلك ماذا دهى الآت تسجيل الصوت في أستوديو مصر؛ فقد كان فسادها صارخاً، حتى أن الكلام لم يكن يصل إلى مسامع الجمهور إلا وتصحبه همهمات تخبأ الألفاظ وتلف مخارج الكلمات. ولا ندري أيضاً لماذا يعنى هؤلاء الناس بإبراز هذه الوجوه التي جربوها وفشلت مراراً؛ أو نسي القوم خيبة بطل هذه الشريط في سابقه (فتش عن المرأة)! ولا ندري لماذا لا يفتشون عن وجوه جديدة يعطونها الفرصة لكي تظهر وتنجح؟
والمؤلم أن يضطر الناقد إلى الاعتراف بأن شخصية واحدة من شخصيات هذا الشريط هي التي حظيت بشيء من التوفيق وهي فردوس محمد التي أصبحت مختصة بأدوار الأمهات تقوم بها في إتقان تام ونجاح فائق؛ وعلى الشخصيات الباقية السلام!
أما الشريط الآخر، أو الفضيحة الأخرى من فضائح هذا الموسم، فهو (العودة إلى الريف) الذي آثرت السيدة ملك أن تبدأ به حياتها الفنية كممثلة سينما. فهذا الشريط ليس فيه موضوع ولا تمثيل ولا تلحين ولا إخراج
وقد وضح لنا من البحث أن العمل فيه قد جرى في حدود مالية ضيقة. وليس هذا عذراً يقبله الجمهور المصري الذي لا حجاب بينه وبين الأفلام الأجنبية الكبرى التي ينفق عليها من الأموال ما لا يكاد يصدَّق، ولا عذر للسيدة ملك في قبولها الظهور في شريط كهذا من المحقق أنها كانت - قبل قبولها الاشتراك فيه - تعلم موضوع قصته وتعلم أنه سوف يخرج في مراعاة تامة للظروف المالية الشديدة
أما تسجيل الأصوات فكان فضيحة مستقلة؟ وأما التمثيل فقد كان عاراً يتحرك على الستار. وأما الأضواء فقد كانت قذى في عيون الجمهور. وأما المناظر فقد كانت عنواناً في فشل مهندسها.
وأما الإخراج فقد كان الشيء الوحيد الذي يمكن السكوت عليه!
وبعد، فهل رأى القارئ اثنين من حوذية العربات (الكارو) يشربان الويسكي في شرفة (الكونتننتال)؟ هذا هو موضع هذين الشريطين بين الأشرطة الأجنبية الهائلة التي ظهرت في هذا الموسم
الإخراج. . . الإخراج. . .
وبهذه المناسبة لا نجد مندوحة عن الإشارة إلى فوضى الإخراج السينمائي في مصر. . . والواقع أن أصحاب الأفلام يحاربون بين نارين: فأستوديو مصر على فداحة أجره، يفرض لوناً من الديكتاتورية منقطع النظير. إذ يفرض ممثلين بأسمائهم لا يجد أصحاب الأفلام بداً من قبولهم على مضض! والاستوديوهات الأخرى وأصحابها من اليهود، على قلة استعدادها ورداءة آلاتها، تفرض مثل هذه الديكتاتورية في إسناد الأدوار إلى الممثلين من ذوي الأسماء المعروفة في غير نظر إلى التناسق بين طبيعة الممثل وطبيعة الدور الذي يلعبه في الشريط. يضاف إلى ذلك المعاملة المالية المنقطعة النظير في الرداءة والجشع
لماذا لا تؤسس الحكومة (أستوديو) تؤجره لأصحاب الأفلام وتسند إدارته إلى خبراء فنيين من شبابنا ذوي الثقافة السينمائية الممتازة؛ وهم كثيرون بحمد الله!؟
الأوبريت في الفرقة القومية
أشرنا في كلمة عابرة منذ أسبوعين إلى استعداد الفرقة القومية لإخراج رواية القضاء والقدر، وهي من نوع الأوبريت الذي ليس لهذه الفرقة عهد به.
وقد سمعنا في الأوساط الفنية لغطاً يدور حول الرغبة في إخراج هذا النوع الذي أندثر من حياة المسرح المصري منذ سنين. وقيل إن الحكومة تنوي أن تعين المعهد الملكي الموسيقي على أن ينهض بمشروع جديد يكون من آثاره أن يظفر الجمهور بألحان رائعة في مسرحيات قوية. كما قيل لنا إن ثمة مؤتمراً مؤلفاً من أعلام الموسيقى والمسرح، سوف يبحث المشروع من نواحيه المختلفة.
وإلى أن يتم تأليف (أوبريت) جديدة، لا ندري لماذا لا تقوم الفرقة بإخراج بعض الروايات القديمة الناجحة التي ظهرت منذ عشرين سنة ونيف! كرواية (العشرة الطيبة) التي تمتاز بألحان لا نظير لها من وضع المرحوم سيد درويش؟
(أبو الفتح الإسكندري)