مجلة الرسالة/العدد 336/كتاب (الدين الإسلامي)
→ الفروق السيكلوجية بين الأفراد | مجلة الرسالة - العدد 336 كتاب (الدين الإسلامي) [[مؤلف:|]] |
بين الأستاذين ← |
بتاريخ: 11 - 12 - 1939 |
عودة إلى الموضوع فيهما إيضاح لعلمائنا وبيان
للأستاذ علي الطنطاوي
أما والله لولا اعتقادي بأن شباب المسلمين هم أحوج اليوم إلى هذا الكتاب منهم إلى الخبز الذي يأكلونه والهواء الذي ينشقونه، ما عدت بعد إذ تكلمت فيه، ولا ألححت عليه (هذا) الإلحاح، بعد أن وجدت من علمائنا (ذلك) الإعراض. وإني لأومن بما أقول، لا أبالغ ولا أغلو، وإن بالهواء والخبز لحياة الشاب في هذه الدنيا، ولكن بهذا الكتاب حياته في الأخرى وما الدنيا في الآخرة إلا هباء، ولا يؤثر الفانية على الباقية إلا جاهل أو غافل. ولو أن علماءنا داخلوا الشباب وخالطوهم وأخذوا منهم وأعطوهم، لوجدوا الكثرة منهم تجهل المعلوم من مبادئ الإسلام وتنكر المعروف من أحكامه، ولوجدوا فيهم من لا يعرف إذا أراد الصلاة كيف يصلي، وفيهم من لا يفرق بين كلام الله والثابت من حديث رسوله، وشروح الأئمة المعتبرين، وبين كلام المشعبذين والدجالين، ويضع ذلك كله في سطر واحد فيقرؤه جملة أو يطمسه جملة، ثم لا يعمل بشيء منه، ولا يراه لازماً له في حياته، ولا مرافقه في غدواته وروحاته، ولا يدخله في عداد الأمور الجدية التي يوليها عنايته ويجعل فيها همه. . . وإذا تكلم أحدهم في الدين. صلته بالحياة أو مِساسه بالسياسة، أعاد ما حفظ من أقوال الأوربيين والنافخين في مزاميرهم من الشرقيين.
ولقد غدا من المفهوم المشهور الذي لا يحتاج إلى إيضاح أن هؤلاء الشبان لا يمكن أن يقرءوا كتب الفقه والتفسير والحديث ولو طبعتها لهم على ورق أبيض. فأخرجتها عما ينبزونها به من أنها (كتب صُفْر. . .) ولا يمكن أن يدخلوا المساجد فيستمعوا فيها درس العلم، أو يحضروا مجالس الوعظ، لأنهم نُفّروا منها وأبعدوا عنها، ولا يمكن أن يتعلموا علوم الدين في مدارسهم (النظامية) الرسمية، لأن القائمين عليها، في مصر والعراق والشام لم يقتنعوا إلى اليوم بأن للدين علوماً محترمة تستحق أن تضيع في درسها سبع ساعات في الأسبوع، ولم يروا في علوم الدين ما هو أهل ليعنى به كعنايتهم بالرسم والغناء، ونسوا أو هم لم يعلموا أن من الأوربيين من يهتم بهذه العلوم ويرفع من قدرها، ويعلي مكانها، وأن رجلاً جرمانياً أسمه (بِرتزِل) قدم علينا الشام منذ سنوات، فعرفنا بنفسه، وأرانا بطاقته وإذ هو قد كتب عليها (فلان: متخصص بقراءة القرآن) يفخر بذلك ويعتز به، وسأل عن الذي طبع كتاب (النشر في القراءات العشر) فلما لقيه أكبره وعظمه، وعلمنا بعد أنه ملم بعلم القراءة عارف برواياتها، وقارئ للقرآن، ناشر لكتب في هذا العلم عدة، ومن شبابنا من لا يعرف ما الإدغام وما الإخفاء، وما المخارج وما الأداء، ويرى اشتغاله بذلك ذلة لأنه لا يشتغل به (على ما أفهموه. . .) إلا رجعي غير متمدن، وشيخ جامد. . . وأمثال (برتزل) أكثر من أن يحيط بهم حصر.
أصبحت الحملات على الإسلام منظمة مرتبة قوية، تأتيه من كل صوب، وتهاجمه من كل ناحية، من ناحية الأخلاق بنشر الفسوق والخمور، وتهوين أمر العرض، ونشر أدب الشهوة، وصورة العراة، ومن ناحية العبادات بصرف الناس عنها، والتزهيد فيها ومن ناحية العقائد بإدخال الشكوك عليها، ووضع الشبَه من حولها ومن ناحية العلم، بإبعاد الناشئة عن علوم الإسلام، بصرفهم عن كتبه، وتحقير علمائه في أنظارهم. فماذا فعل علماؤنا حيال ذلك كله؟
لا أشك في جلال العمل الذي قام به الشباب في مصر والشام ولا أبخسهم قيمتهم، ولا أهمل ذكر جهادهم؛ وإن للأخوان المسلمين في مصر، والشبان المسلمين في مصر وفي غيرها، ولشبان الأزهر، وشباب محمد، والتمدن الإسلامي في الشام: (دمشق وحلب وبيروت) وأمثالهم ممن اختصرت فلم أذكر، أو جهلت فلم أعلم، إن لهم بما عملوا لذكراً في الناس ومجداً، وثواباً عند الله وأجراً. . .
ولكن كلامي هنا عن (كبار العلماء) ماذا عملوا في رد هذه الحملات؟
أو أقل من أن يؤلفوا للشاب المسلم كتاباً يعرف به دينه إذا ألهمه الله الرجوع إلى الدين، وخلصه من كيد الشياطين؟
لقد فهمت من الرسائل الكثيرة التي جاءتني تبحث في فكرة تأليف الكتاب أن الذي يمنع العلماء من تأليف هذا الكتاب أن عندهم علوماً متميزة، وفنوناً متباينة، فهم لا يدرون أيجعلون الكتاب فقهاً أو حديثاً، أو أصول فقه، أو مصطلح حديث؟
وهذه إن تكن هي (العلة) فإن عندي (دواءها) الذي يشفيها بإذن الله:
يقسم الكتاب إلى ثلاثة أبواب كبار: باب العلم، وباب العمل، وباب الاعتقاد.
ففي (باب الاعتقاد) يبين للشاب كل ما يجب عليه الإيمان به بأسلوب (عصري) بيّن، بعيد عما أحدث من الخلاف، يعرض فيه عرضاً لأهم الشبه التي تتردد كثيراً فيجاب عنها جواباً حاسماً باتاً، ويكون (مقصد) هذا الباب تكليف الشاب بالإيمان بما لا يكفي أقلّ منه للنجاة في الآخرة. وهو الذي جاء في الكتاب والحديث المتواتر الذي يفيد العلم، أما ما لم يثبت بالتواتر كنزول المسيح، وظهور الدجال، ولا يفكر منكره، فلا يبحث فيه في هذا الكتاب.
وفي باب العلم يلخص له الأصول والمصطلح مع طرف من علوم القرآن، ويكون على فصول:
الفصل الأول: في الأدلة مجملة: الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وبيان منزلة العقل من الشرع، وأن الحسن ما رآه الشرع حسناً، وأن العقل شارح لا شارع.
الفصل الثاني: في القرآن: نزوله وجمعه ومكيّه ومدنيّه، ومحكمه ومتشابهه، وناسخه ومنسوخه (مع بيان أن النسخ الذي هو إبطال الحكم السابق وإلغاؤه بالمرة قليل جداً) وحكمة النسخ، وإعجاز القرآن، من جهة عجز فصحاء العرب (الفعلي) عن محاكاته، ومن جهة ألفاظه وأسلوبه، وعلاقته بالشعر والنثر العربيين، ومن جهة إخباره بالمغيبات، وإشارته لبعض نواميس الكون التي لم يكن يعرفها على عهد محمد بشر على ظهر الأرض، ومن جهة إحاطته بكل شيء وأن فيه الإيمان والعلم والقانون والأخلاق مع أنه ليس كتاب تاريخ ولا علم، وما أراد التقصي وإنما ضرب الأخبار أمثلة، وأمر بالنظر في نواميس الكون لإدراك عظمة الخالق، - والتفسير والمفسرين وطبقاتهم، والتلاوة والأحرف السبعة والقراءات السبع وأنها ليست هي الأحرف السبعة وإنما هي على حرف واحد، وعربية القرآن وترجمته، وأن ترجمته غير ممكنة لمكان المتشابه منه، ولأن الترجمة لا تمكن في بليغ الشعر فضلاً عن القرآن لأنها تفقده أحد عنصريه، وهو (موسيقية) الألفاظ - ثم تشرح آيات من القرآن.
والفصل الثالث: في الحديث، المتن والسند، ورجال الحديث وأقسامه المتواترة والمشهور والصحيح وما دون الصحيح، والمرفوع والموقوف والمرسل، وعن تدوينه وكتبه وما يوثق به منها، وتصح الرواية عنه مع شرح نماذج منه.
والفصل الرابع: في الاجتهاد، معناه وشروطه، وكبار المجتهدين، وأسباب الاختلاف بينهم، وكون الاختلاف في تأويل آية أو فهم حديث، لا في الأصول، وحكم التنقل بين المذاهب
والفصل الخامس في الإجماع وفي شرح القواعد الفقهية العامة: كالموادّ التي في صدر مجلة الأحكام الشرعية التي يفهمها الناس على غير وجهها، فيحسبون أن قولهم: (لا ينكر تغيّر الأحكام بتغيّر الأزمان) معناه تبديل كل حكم، مع أن الحكم الثابت بالقرآن والسنة الصحيحة القطعية لا يمكن تبديله. وفي المجلة أيضاً أنه (لا مساغ للاجتهاد مع ورود النص).
والفصل السادس في ميزة الإسلام ونظره إلى السياسة والقوانين والإدارة والأخلاق.
و (مقصد) هذا الباب أن يعلم الشاب قارئ الكتاب كل ما ينبغي للمسلم أن يكون عالماً به باختصار ووضوح، وبعد عن المصطلحات العلمية على الأسلوب الذي يدعونه اليوم بتبسيط العلم أو تعميمه
الباب الثالث في الأعمال ويشتمل على فصول:
الفصل الأول: حقوق الله على العبد، ويكون تلخيصاً لباب العبادات من الفقه بشرط أن تذكر كيفية العبادة وفائدتها من غير تفصيل لسنتها وواجباتها وفرائضها ومكروهاتها ومبطلاتها، وأن تقرن بما ورد في الترغيب فيها والترهيب من تركها
الفصل الثاني: حقوق النفس، كنحو تحريم الانتحار والإقدام على التهلكة، وإضعاف الجسم، وفضيلة السمو بالنفس عن الأخلاق المنحطة، والأدواء الباطنة
الفصل الثالث: حقوق الأسرة، كنحو حق الوالدين والأولاد والزوجة والأخ وفقراء الأسرة.
الفصل الرابع: حقوق المسلمين، من نحو عيادة المريض منهم ومساعدة الضعيف، ونصيحتهم وحرمة غيبتهم والنميمة بينهم الخ
الفصل الخامس: حقوق غير المسلمين، من نحو إحسان معاملة الذمي وحفظ ماله ونفسه وضمان حريته التي هي له، والوفاء لذي العهد من المحاربين، واحترام المبادئ الإسلامية الإنسانية في الحرب.
الفصل السادس: حقوق الوطن، من نحو احترام المصلحة العامة، والاستعداد للجهاد في سبيل الله والذود عن الحمى، والتهيؤ للتضحية، وتعلّم الإيثار ونحو ذلك.
الفصل السابع: درجة الورع والصلاح، وبيان الصورة الكاملة للمسلم، وأنه يعمل للدنيا ولا يجعلها في قلبه، ويعمل للآخرة ويستعد لها دواماً، وتضرب الأمثلة من أخبار الصالحين من طبقة الفضيل والسفيانين وأبن المبارك وابن حنبل ممن كان ورعاً وعالماً وعاملاً للدنيا في وقت واحد
فمن اطلع من علمائنا على هذا المقال، وكان قادراً على كتابة فصل من هذه الفصول، فلم يكتبه، ولم يمنعه منه مانع، فليعلم أنه يعين بسكوته أعداء الإسلام على ما هم فيه، وإن لنا معشر الشبان لموقفاً معه بين يدي أحكم الحاكمين، فنقول: يا ربنا سَلهُ لِمَ قدر على إرشادنا، فلم يرشدنا وهو يروي قول نبيك محمد (لأن يهدي بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)؟
فليهيئ لهذا السؤال جوابه. . . وهيهات!
(كركوك)
علي الطنطاوي