مجلة الرسالة/العدد 333/رسالة النقد
→ البريد الأدبي | مجلة الرسالة - العدد 333 رسالة النقد [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 20 - 11 - 1939 |
في سبيل العربية
تصحيح نهاية الأرب
جزؤه الثاني عشر
بقلم الأستاذ عبد القادر المغربي
الأغلاط التي عثرنا عليها في هذا الجزء قليلة جداً، وقد يكون معظمها مما يسمونه خطأً مطبعياً، ومع هذا فسنذكر هنا هذه الأغلاط لتكون كاللحام يصل بين طرفي سلسلة التصحيحات التي خدمنا بها هذا الكتاب النفيس منذ أول صدوره ونشرناه على التوالي في أجزاء مجلة مجمعنا العلمي الدمشقي. وإذ قد توقفت مجلة هذا المجمع عن الصدور رأينا أن ننشر تصحيح الجزء الثاني عشر وما يليه في مجلة (الرسالة) وذلك لسعة انتشارها، ولأن معظم قراء مجلة المجمع الدمشقي من قرائها وهاهي ذي تصحيحات الجزء الثاني عشر.
ص 63 س 8 قوله: (ويؤخذ من السُكُّ الأصفر الطوامير مثقال) السُكُّ طيب ذكره المؤلف ووصف أنواعه. و (الطوامير) جمع طومار وهو الصحيفة. وفي اصطلاح كتاب الدواوين قديماً صحائف ذات شكل خاص تطوى طياً خاصاً. قال كعب بن زهير في وصف ناقته من شعر (طُمِّرت تطميراً) أي كأنها طويت طيِّ الطوامير. فكلمة الطوامير إذن لا تصلح أن تكون صفةً أو بدلاً من كلمة (السُك) فلعل صوابها (الطواميري) بياء النسبة. ويكون معنى نسبة السك إلى الطوامير أن ذلك السك مما يحفظ في الطوامير لا في أوعيةٍ أو ظروف أخرى، أو المعنى أن لون السُك الأصفر فاتح أو قاتم كلون الطوامير.
وقد تتبعنا ما قاله المؤلف في طريقة اتخاذ السُك فلم نجد ما يساعدنا على معرفة المراد من وصفه بالطواميري.
ص 90 س 5 قوله: (طبيخ ألبان بالأفاويه مع الماء أقوى له) الصواب أن يكون (طبخ) بصيغة المصدر إذ أن سياق الكلام والإخبار بقوله: (أقوى) يقتضيان هذا.
ص 121 س 2 قوله: (ثم دُقه بشيءٍ من ماء التمر) الضمير في (دقَّه) يرجع إلى الآس الذي دُقَّ دقاً جريشاً ثم عُجن بماء التمر إلى أن قال: (ثم دقه الخ). ولا يخفى أن قوله: (دقّه) بالقاف المشددة محرف أو مصحف وصوابه (دُفهُ) بالفاء الساكنة أمر من فعل داف يدوف. قال في (الأساس): (داف المسك بالعنبر خلطه به. وداف الزعفران أو الدواء خلطه بالماء ليبتل) ولا ريب في أن ماء التمر لا يتصور أن يدق به شيء من الأشياء وإنما يداف به ويخلط. وفعل (الدوف) استعمله المؤلف في غير ما موضع. ففي ص 132 س 5 (ويُدافان بالطلاء الريحاني) وفي ص 135 س 10 (الزعفران والمسك المدافين بدهن البلسان).
ص 128 س 10 قوله: (وصعده على هبال الماء) ضمير (صعده) يرجع إلى المسك المدوف بماء الورد (التصعيد) كما في القاموس وشرحه الإذابة ومنه قيل خلَّ مصعَّد. ويقال شراب مصعَّد إذا عولج بالنار حتى يحوَّل عما هو عليه طعماً ولوناً اهـ. وهبال الماء بخاره الساخن الصاعد عنه وهو على النار. وهي كلمة عامية كانت شائعة على ما يظهر في عهد المؤلف كما لا تزال شائعة في بلادنا الشامية غير أنا نلفظها نحن الشوام (هبلة) لا (هبال) على أن (هبال) قد تكون جمعاً لهبلة فإن (فعلة) تجمع على (فعال) قياساً نحو قصعة وقصاع. واليسوعيون في معجمهم العربي الفرنسي فسروا الهبلة ? وضعوا أمامها العلامة التي تدل على أن الكلمة ليست فصيحة وإنما هي مستعملة في اللغة العامية. وأذكر أن بعض العارفين باللغات السامية عدَّ كلمة (الهبلة) في جملة الكلمات الباقية في العامية الشامية من اللغة السريانية. ولا يخفى أن مؤلف (نهاية الأرب) يتسامح في استعمال الكلمات الدخيلة الجارية في لهجة عوام زمانه: فهو يقول (شوابير) ويريد بها القطع أو الفتائل المجعولة على طول الشبر. ويقول (الريم) ويريد به الزبد أو الرغوة التي تعلو المائعات وهي تغلي على النار فتلتقط وترمى. والكلمتان عاميتان شائعتان في مصر والشام إلى زماننا هذا. فلا حاجة إذن إلى جعل (الهبال) الواردة في كلام المؤلف محرفة عن كلمة (الهباء) بالهمزة وهو ما ارتفع من الغبار وأن المراد بالهباء حينئذ البخار الساخن مجازاً.
ص 144 س 2 قوله (ويغلى بزيت مغسول) لعل الأفصح في استعمال هذا الفعل هنا أن يقال (يُقلى) بالقاف لا (يُغلى) بالغين: فإن ما يطبخ بالزيوت والادهان من دون إضافة ماء يستعمل فيه فعل قلاه يقلوه وآلته (المقلاة). وإذا طبخ الطعام بالماء مع زيت أو دهن أو من دونهما ثم بقبق قيل إن الطعام يغلي غلياناً، وإن الطاهي أغلاه وطبخه لا قلاه وحمصه.
على أن الغليان في عبارة المؤلف قد يكون له معنى ولكننا نستبعد أن يكون مراداً للمؤلف فهو في الراجح من تصحيف النساخ.
ص 160 س 10 ذكر المؤلف عقاقير سُحقت ونُخلت وعُجنت بعسل، ثم قال: (وتُبسط على جامٍ وتقطع وتستعمل) ثم قال في ص 161 س 6 (ويبسط على جام الخ) واستعمال الجام في الموضعين صحيح فصيح فلا حاجة إلى تصحيح الجام بكلمة (الرخام) وإن كان بسط الأدوية والطيوب على رخام كثير الوقوع، غير أن بسطها على الجام أقرب تصوراً وتعقلاً. وبيانه أن للجام معاني ثلاثة تختلف باختلاف اللغات الثلاث العربية والتركية والفارسية فالجام في العربية معناه الإناء من فضة، وقال علماء اللغة إنه بهذا المعنى عربي فصيح. والجام في التركية لزجاج كزجاج الشبابيك والمرايا. والجام في الفارسية القدح الذي يشرب به الشراب في الأكثر وغير الشراب في الأقل.
ولا يمكن أن يكون المراد من (الجام) في عبارة المؤلف هذا المعنى الفارسي أي القدح؛ وإنما الممكن أن يكون المراد الإناء من فضة (بالمعنى العربي) أو لوح الزجاج (بالمعنى التركي)، فإن بسط العقاقير ومعالجة تركيبها عليه أكثر الشيوع وشد ما رأيناه في الصيدليات. ولا سيما إذا لاحظنا أن طائفة من علماء اللغة قالوا إن (الجام) هو (الفاثور) وفسروا الفاثور بالطست يكون من رخام أو فضة. وخص الأزهري فقال: إن أهل الشام يتخذونه من رخام. فإذا كان الجام قد يتخذ من رخام فلا حاجة إذن إلى تصحيحه بالرخام. والفاثور أيضاً قد يكون بمعنى قرص الشمس وقد سموا قرصها بالفاثور على التشبيه. وهذا يدل على أن الفاثور الذي يسمى الجام لا يكون له حروف قائمة حواليه حتى قال في (الروض الأنف): (الفاثور سبيكة الفضة) والسبيكة لا حروف لها كما لا يخفى. ويؤيد هذا ما جاء في كتاب (الألفاظ الفارسية المعربة) من أن (فاثور) معرب (بتر) وهو كل ما صفح من ذهب وفضة ونحاس. ثم نقلوه إلى الآنية المعدنية التي لها شكل الصفائح كالخوان والطست وقرص الشمس، ثم شبهوا به صدر الحسان وخاصة صدر بثينة الذي قال فيه جميل:
سبتني بعيني جؤذر وسط ربرب ... وصدر كفاثور اللجين وجيد
وبالجملة فإن استعمال المؤلف لكلمة (جام) بمعنى الإناء أو الزجاج صحيح ولا حاجة إلى تصحيحه بالرخام وإن كان استعمال الرخام في هذا المقام ممكناً.
ص 169 س 6 قوله: (ويؤخذ ماء الصِلق المعتصر) الفصيح في (السلق) وهو الخضرة المعروفة أن يكون بالسين كما ورد في معاجم اللغة. لكن لما كان المؤلف يتسامح في استعمال الكلمات العامية كما قلنا وكان (الصلق) بالصاد مما ينطق به عامة زمانه كما ينطق به عامة زماننا - لما كان ذلك كذلك حَسُنَ الإبقاء على (الصلق) الواردة في عبارة المؤلف بالصاد ولا حاجة إلى تصحيحها بالسين، وهذا كما أبقينا على كلمة (ملو) بالواو وهي عامية مكان (ملء) بالهمزة في عبارة المؤلف (ص 140 س 5) وهي قوله: (ويكون العصير أقل من ملو القارورة) وقد أحسن المصحح الفاضل صنعاً في قوله: (أبقينا (ملو) على حاله حرصاً على استعمال المؤلف) وكذلك نبقي كلمة (الصلق) بالصاد على حالها حرصاً على استعماله: فإن في هذا الإبقاء على الكلمات العامية الواردة في عبارات علمائنا وكُتابنا الأقدمين - غرضاً له قيمته في معرفة تطور الألفاظ وتاريخ اللهجات كما لا يخفى.
ص 162 إلى 177 وصف المؤلف خلال هذه الصفحات أدوية مركبة من عقاقير لتنمية (القوة الجنسية) وقد ذكر في عنوان ثلاث (وصفات) منها أنها (تسخِّن الكلَى) بالخاء وفي ثلاث وصفات أخرى أنها (تسمِّن الكلى) بالميم، فإذا كانت كلتا الكلمتين صحيحتين غير محرفتين كان ذلك من أسرار الطب القديم، وإلا فإن طبيباً من فضلاء أطبائنا قال: (بعد أن اطلع على نصوص الكتاب) إن إحدى الكلمتين (تسخن وتسمن) محرفة عن الأخرى وأن الصواب في ظني هي (تسخن) بالخاء دون (تسمن) بالميم، واستدل على ذلك بأن المؤلف وصف هذه العقاقير بأنها (كثيرة الحرارة)، ولا ريب أن كثرة حرارتها تحدث حرارة في البدن عامة وفي الكُلية خاصة، قال: وهذا ما وقع لي مذ كنت في السودان فقد دعاني شيوخها إلى وليمة أكثروا في طعامها من الفلفل الحار فأدى ذلك إلى حصول التهاب ونزيف دموي في كليتي. فلا جرم أن يكون المؤلف في وصفاته إنما أراد أن العقاقير تسخّن وتحدث حرارة لا تسمّن الكلية وتضخمها. وفوق كل ذي علم عليم.
المغربي