مجلة الرسالة/العدد 328/البريد الأدبي
→ من هنا ومن هناك | مجلة الرسالة - العدد 328 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
رسالة النقد ← |
بتاريخ: 16 - 10 - 1939 |
مسألة
في العدد 31 من (الثقافة) مقال بارع المنحى، عذب الأسلوب، عنوانه (مسألة) بقلم الأستاذ عبد العزيز البشري. وقد جاء في خاتمة هذا المقال - عند الكلام على أخذنا العلوم والفنون عن الفرنجة - ما حرفه: (في العلوم والفنون والمستحدثات من مختلف الأشياء، وللنبات والأزهار مئات الآلاف من الأسماء والصيغ والمصطلحات. فإذا نحن عرَّبنا هذا كله طغى أشد الطغيان على سائر اللغة. وأنت خبير بأن ما يدور في صيغ العربية على ألسنة فصحاء الخطباء وأقلام بلغاء الكتاب وما يتحدث به الخاصة. . . ويجري في مقاولاتهم ومحاوراتهم وما تنتضح به رسائلهم - كل ذلك لا يزيد على بضعة آلاف. وكيف لهذا بأن يقوم بازاء ذاك؟ بل كيف له بأن يعيش بجانبه ويحقق ما تحقق الُّلغى لها من كيان؟
هذه هي المسألة كما يقول شكسبير، فليت شعري ماذا يكون المصير، فاللهم الطف بنا فيما جرت به المقادير). أهـ
وإذا أذن لي الأستاذ البشري في أن أرى رأياً فأحاول التعليق على مقاله، قلتُ: إننا ناقلون إلى لغتنا كثيراً من مصطلحات العلوم والفنون، وهذا الطارئ الضخم إنما يحي اللغة المتداولة ويغنيها ويهذبها؛ فلا نسأل إذن: (كيف لهذا بأن يقوم بازاء ذاك؟) بل نسأل: كيف لهذا بأن يقوم بغير ذاك؟
إن اللغة التي تعجز عن سدّ حاجات التعبير وتبقى على عجزها مصيرها الموت أو السقوط عند ألسنة العامّة. فها نحن أولاء مقبلون على تلقِّي العلوم والفنون عن الفرنجة بل التأليف فيها لنعلم أو لنُنشِئ، فكيف يكون التأليف بالعربية ومصطلحات مختلفة تعوزها؟ هذه حقيقة لا تحتاج إلى دليل ولا بسط. فإما أن نستحدث في التعبير والأداء جميعاً وإما أن نعدِل عن العربية إلى لغة إفرنجية، وفي الحال الأولى تعزُ اللغة وتنشط، وفي الثانية تذلّ وتخور: الحياة أو الموت. وليس من الحق أن ندع اللغة تموت، وذلك لأسباب عمرانية وسياسية وتاريخية لا أعرض لها هنا، وليس ثمة ما يسوّغ الإماتة فالعربية صالحة للتجديد قابلة بفضل أوضاعها وأسرارها ثم بفضل كنوزها التي نهملها أو نجهلها.
وإغناء اللغة يهذَّبها فضلاً عن أنه يحييها. بيان ذلك أن الصيغ والألفاظ الطارئة، سواء استخرجناها من بطون كتبنا أو وضعناها وضعاً، لابدّ لها من أن تحلَّ في الحافظة محل صيغ وألفاظ مقيمة. وفي العربية التي تدور على (ألسنة فصحاء الخطباء وأقلام بلغاء الكتاب) ما لا خير فيه بل ما يرد الأداء تفهاً أو يجعله حشواً. ومما يرد الأداء تَفِهاً تلك التعبيرات المطروقة من زمان قديم حتى إنها أضاعت قوَّتها بل لونَها، وقد بين ذلك الأستاذ أحمد أمين في كلامه على جناية الأدب الجاهلي. وبما يجعل الأداء حشواً تلك المترادفات والمتواردات التي يظن بعضهم أنها هي اللغة. ولو علموا أن متن اللغة ينهض الألفاظ المفردة والصيغ المستقلة بنفسها! ولكنه كان جيل من الناس ضاق أفق تفكيرهم فانقبضت صفحة تعبيرهم فمطَّوا أطرافها بالثرثرة والتكرار. فأن تُترك المطروقات وتُهجر المترادفات ويشغل مكانها صيغ وألفاظ لا غنى عنها، ذلك خير للغة ومَدَد للمتكلمين بها
ومن هنا يتبين أن ذلك الطارئ لا يطغى (اشد الطغيان على سائر اللغة) مهما ضخم، بل قل إنه لِقاح له من جانب المبنى والمعنى. أما المبنى فقد تقدم القول فيه. وأما المعنى فبتلك الصور التي تجلبها معها الألفاظ والصيغ الداخلة على اللغة المتداولة، فُيحقَن المجاز بدم فتىِ فيهتزَّ. وإنك لتلمس ذلك في الشعر الحديث في أوربة ولا سيما في فرنسة وإنجلترة ثم في النثر الرفيع هنالك: فكثيراً ما يستعمل الشعراء (شعراء ما وراء الواقعية مثلاً) والكتاب في فرنسة مثلاً) صيغ العلوم والفنون، طلباً للافتنان في التصوير
هذا من جهة الأدب الصرف. بقي أن أقول إن اللغة لا تنحصر في الإنشاء الأدبي. فثمة الإنشاء العلمي، وله أن يجري إلى جانب الإنشاء الأدبي: هذا في شعب وذاك في شعب، فلا طغيان ولا عدوان. وفي تاريخ آدابنا ما يؤيد هذا؛ فقد كتب الفلاسفة والموسيقيون والحاسبون وغيرهم ما شاءوا أن يكتبوا، فهل طغى ما كتبوا على قرائح الشعراء وأنفاس الكتاب؟ وكان طالب العلم المجتهد يحصّل العلوم والفنون؛ فإذا تفلسف بعد ذلك عمد إلى أسلوب الفلاسفة، وإذا تأدَّب نحا نحو المترسِلين
تلك خطرات خطرت وأنا أقرأ مقال الأستاذ الفاضل عبد العزيز البشري، وقد سأل سؤالاً فلعله يتقبل محاولة تعليق، وله مني التحية الخالصة.
بشر فارس
المنضدة المنضدة وتفسيرها هما في (أساس البلاغة) لأستاذ الدنيا جار الله في مادة (ف ج ج) في الجزء الثاني في الصفحة (104) في الطبعة سنة 1327 وفي الجزء الثاني من ذلك الكتاب في الصفحة (186) في الطبعة سنة 1341
وقد جاء جمع الكلمة في (المفضليات) الصفحة 142 من شرح الإمام الأنبا ري في بيت من قصيدة لمزرِّد أخي الشمَّاخ، قال:
وعهدي بكم تستنقعون مشافراً ... من المحض بالأضياف فوق المناضد
ومنضدة الأعرابي في الخباء أو الخيمة غير منضدة العربي في القصر ذي الأبهاء، وهي البداوة المسكينة، وهي الحضارة ذات التفنن والترف. والاسم فيهما واحد وإن اختلف المسمى نجَّارُه ونجْرهُ وِنجارُه.
(ق)
حثر اللسان
حضرة المفضال الجليل صاحب الرسالة:
اطلعنا على ما جاء بالرسالة في العدد رقم 327 خاصاً بالنص الذي ورد في (الإفصاح) وهو لسان حَبْر: لا يجد طعم الطعام، وقد رجعنا إلى الأصول التي لدينا، فوجدنا النص منقولاً عن (اللسان) كما وجده حضرة الأخ (أزهري) (لسان حِثرٌ: لا يجد طعم الطعام) فما جاء في الإفصاح مطبعي ندَّ عنه النظر في أثناء الطبع، ويسرنا أن نعلن شكرنا لحضرة البحاثة (ازهري) على عنايته بالتمحيص الذي أدَّى إلى الكشف عن السهو، وهدى إلى الصواب، ونسأل الله أن يوفقه هو وأمثاله الأفاضل إلى خدمة العلم وإعلاء شأنه
صاحبا الإفصاح
حسين يوسف موسى وعبد الفتاح الصعيدي
هل على القاتل خطأ من إثم؟
جاء في مقال (القتل الخطأ) بقلم الأستاذ أحمد مختار قطب المنشورة في العدد 326 من الرسالة: (فالأصل أن الخطأ لا يعاقب الإنسان عليه (ولا جناح عليكم فيما أخطأتم به) ولكن لما نتج عن هذا الخطأ إزهاق روح بشرية صار إثماً ووجب عقاب فاعله على رعونته وإهماله)
والذي يؤخذ على العبارة السابقة تحميل القاتل خطأ إثماً، وقد أتى الكاتب في هذا من قبل ما رتَّب على قتل الخطأ من الكفارة والدية فظن أن ذلك نتيجة أنه فعل إثماً وحراماً، والواقع أن ما يرتكبه الإنسان من خطأ وعدم قصد لا إثم عليه ولا يؤاخذ به: حكماً مطلقاً لا مثنوية فيه، أصفق عليه علماء الملة، واجتمعت عليه كلمتهم، وقد دل هذا الأصل من أصول الدين أدلة كثيرة ومنها قوله ﷺ: (إن الله تعالى وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) رواه ابن ماجة في كتاب الطلاق وغيره. قال المُناوي في شأن هذا الحديث: (حديث جليل ينبغي أن يعد نصف الإسلام؛ لأن الفعل إما أن يصدر عن قصد واختيار، أولاً. الثاني ما يقع عن خطأ أو إكراه أو نسيان وهذا القسم معفوَّ عنه اتفاقاً) فإن قال قائل: فما بل هذا القاتل ولا إثم عليه يكلَّف التكفير عن عمله ودفع الدية؟ فالجواب أن دفع الدية عن القتل من قبيل دفع قيم المتلفات أو من قبيل دفع بدل المحل أي محل الإتلاف وهو البدن وهذا لا يتوقف على الإثم. ألا ترى أن الصبيّ لو أتلف شيئاً غرم قيمته وهو لم يجر عليه القلم بعد. وأما الكفَّارة فللزجر وليحتاط المكلف حتى لا يقع في قتل الخطأ بتوقي ما قد يجر إليه. ويقول صاحب شرح مسلم الثبوت في ص165 ج1: (ولما كان - يريد قتل الخطأ - نوع جناية، والقتل من أعظم الكبائر لم يُهدر الخطأ فيه بل وجبت الكفارة)
بقي أن في آخر الآية الكريمة الخاصة بقتل الخطأ ما يشعر ظاهره بأنه إثم إذ فيها: (توبة من الله وكان الله عليماً حكيماً) والتوبة إنما تكون عن ذنب، وقد عرض لذلك المفسرون وقالوا فيما أجابوا به إن التعبير بهذا للتنبيه أن مثل هذا الفعل يصدر عن نوع من التقصير وإن لم يبلغ بصاحبه درجة المعصية، وقد شرعت الكفارة لمحو أثر هذا التقصير والتوبة منه، وللتلميح بأن من وقع منه هذا الفعل الشنيع ينبغي له أن يستشعر الندم والأسف ويملأ نفسه إعظاماً لما فعل، والسلام عليكم ورحمة الله
محمد علي النجار
مدرس بكلية اللغة الأدب فوق الجميع
أستاذي وصديقي الدكتور زكي مبارك
ليست صلتي بك ولا شدة حبي لأدبك ولا رغبتي في تملقك هي التي تملي عليَّ كلمتي هذه؛ وإنما هو صوت القلب والحقيقة يدفعني إلى مصارحتك بأن فصولك الرائعة (جناية أحمد أمين على الأدب العربي) قد أوجدت بالجو الأدبي حياة جديدة، وبعثت فيه روحاً قوية بعد شهور خدر ونعاس مرت بالأدب المصري خاصة والعربي عامة، خلنا أثناءها أن أدبنا العزيز قد أخذ طريقه نحو الأجداث!
ولا تظن يا (سيدي الدكتور) - أو لا يظن أحد - أنني أعبر عن معاداتي لآراء الأستاذ أحمد أمين، أو أريد الحملة عليه أو النيل من مكانته المعروفة في العلم والأدب؛ فقد تذكر أنني في آخر رسالة مني إليك - ولم يمض عليها أسبوع - صرحت لك بأنني أخالفك في كثير من آرائك، وأنني أحب الأستاذ الأمين كما أحبك، وأنني كتبت إليه أستعديه عليك واستنفره إلى محاربتك بقلمه لا بسلاحه، وأطالبه بما يجب عليه نحو الأدب والقراء من الرد على ما وجهتَه إليه من انتقادات وملاحظات؛ وما أريد بذلك إلا أن تتسع دائرة النقاش والمباحثة فيستفيد الأدب خير الفوائد، وتجني العربية أشهى الثمار
ولقد طلعت علينا أخيراً - الرسالة 327 - بطرفة من أسمارك وأحاديثك وأدهشتنا إذ أخبرتنا أنك ستقطع سلسلة فصولك النقدية المحكمة بعد ثلاث أو أربع مقالات. .!
ولِمَ تقطعها يا سيدي وما كتبتَها إلا خالصة لوجه الأدب والعربية؟ ألأنك أردت أن تخيب ظن الأستاذ أحمد أمين تحرم آلاف القراء وأهل الأدب من هذه الثمرات الناضجات التي أنتظر لها أن تصير كتاباً ضخماً يكون فتحاً جديداً في الأدب العربي الذي لم يعرف النقد الصحيح إلا في فترات معدودات لا تسمن ولا تغني؟
لا تفعل، يا سيدي، فإني أخاف أن يفسر الناس انقطاعك بتفسيرات، وأن يؤولوه بتأويلات، وأن ينفض عنك بسببه أتباع وأنصار. إن لي بالأستاذ الأمين صلة، وقد اشترك في تسديد خطاي الأدبية يوماً، وإني لأحمل له كل تقرير وإجلال، ولكني على الرغم من ذلك لم أستطع إلا توجيه العتاب الشديد إليه ولومه اللوم القاسي على قوله لك: (لن نتصافى أبداً بعد الذي كان)!. . .
إنها لكلمة كبيرة ما كنت أنتظرها ولا ينتظرها غيري من كاتب مشهور له قدره وخطره، وخلقه ونبالته!
أين نحن إذن من أدباء أوربا وكتابها؟ أين منا تلك الصداقة المتينة التي تضم الأدباء هناك تحت لوائها، لا يزعزعها اختلاف في رأي، أو تنازع على فكرة، أو نزول إلى ميدان نقد ومباحثة؟
إني لأقول كما قال الحكيم: (أنا والله شديد الحسرة على ما وصلنا إليه، فقد كنت أحب أن تكون بين الأدباء صداقات عظيمة، كالذي يعرفه الأدباء العظماء في باريس ولندن وبرلين)
أحد أمرين: إما أن تكون مقالات الدكتور مبارك على حق وإما أن تكون على باطل. والأستاذ (الأمين) في كلتا الحالتين معاتب ملوم؛ لأنه يجب عليه الرضى بها إن كانت الأولى، ويجب أن يهب للدفاع عن نفسه وآرائه إن كانت الثانية، وهو لم يفعل من ذلك شيئاً. وليس الدكتور مبارك بالشخصية الأدبية الهزيلة، حتى نقول إن الأستاذ الأمين تغافل عنها لقلة خطرها. ومن كالدكتور في جولاته وصولاته وتاريخه الأدبي المجيد؟
أي صديقي الدكتور. . . قد انتهى لغو الصيف وجاء جد الشتاء، فلا تكسل ولاتنم، وواصل بحوثك فإنها تهدينا إلى حقائق كثيرة كنا في غفلة عنها، وتطلعنا على آفاق جديدة من الأفكار والأبحاث لم نرها من قبل. على أنني أرجو أن تتحاشى ما يسبق إليه قلمك من عبارات تنال من شخصية الأستاذ الأمين وتجرح شعوره، كيلا يكون لأحد من الناس فيك وفي نقدك كلمة غير كلمة الإعجاب والتأييد. وما أصدق الأستاذ العميد شفيق غربال إذ يقول عنك: (ولو أنه نزه قلمه عن بعض العبارات التي جرت مجرى السخرية من الأستاذ أحمد أمين لما استطاع أحد أن يوجه إليه أي ملام) يجب أن تكون عند قول الدكتور طه حسين فيك إذ يقول: (فما عرف الناس زكياً إلا مثال اللطف والأدب والذوق)
نعم لو أن فصولك خلت من هذه العبارات الساخرة لما اعتبرها القارئ نقداً لكاتب، بل يدرسها على أنها فصول أدبيه بحتة، كلها الأدب الخصب، والتفكير الخالص، والإنتاج الممتع!
لنجعل الأدب يا دكتور فوق الأهواء وفوق الأشخاص وفوق الصداقات وفوق كل شيء، لنجعله فوق الجميع!
وقد كنت عازماً أن أبثك كلمتي السابقة في إحدى رسائلنا، ولكني فضَّلت أن تأتيك عن طريق الرسالة كي يطالعها معك القراء فيشهدوا أنني أعبر عن شعورهم وأترجم عما يجول بخواطرهم. وإننا لفي شوق ملح إلى ما يسيل به قلمك الساحر من سلاف!
أما الأستاذ الأمين، فما هو بالمحتاج للنصيحة، ولا ريب أن له رأيه وخطته؛ وما أكثر ما تضمر الأيام!
أحمد جمعة الشرباصي
عند مدير الدعاية في وزارة الشؤون الاجتماعية
في الساعة السادسة من مساء الثلاثاء الماضي اجتمع عند الأستاذ توفيق الحكيم مدير الدعاية في وزارة الشؤون الاجتماعية لفيف من مندوبي الصحف العربية والإفرنجية تلبية لدعوته ليصف لهم مهمة هذه الوزارة ولم أنشئت وقد رحب بهم حضرته وأحسن استقبالهم ثم قال لهم:
كلفني الوزير معالي الشاذلي باشا أن أجتمع بكم لنتحدث معاً في شؤون وزارة هي أقرب الوزارات إليكم وأوثقها اتصالاً بكم وبالشعب الذي أنتم عيونه ولسنه. ذلك أن وزارة الشؤون الاجتماعية هي كما يدل عليه اسمها: وزارة شؤون الشعب، الشعب الذي لا ينبغي منذ اليوم أن يسقط من الحساب، فهو القوة الحقيقية للدولة. لقد رأينا دائماً أن الجيوش قد تحطم ولكن الشعوب لا تحطم.
وهنا قد تسألونني عن السبل التي تسلكها الوزارة للنهوض بالشعب وإنشائه نشأة جديدة فأجيبكم بأن الطرق التي سنتبعها كثيرة وهي تتلخص أول الأمر في إعانة كل فرد من أفراد الشعب على رفع مستوى حياته مادياً وتحسين حاله صحياً وروحياً وخلقياً. إن الفرد خلية حية في جسم المجتمع ومفتاح صغير من مفاتيح تلك الآلة الهائلة التي تتحرك وتدور. وإن في فساد بعض الخلايا وعطب بعض المفاتيح اعتلال الجسم واختلال الآلة. وهنا كان دائماً مصدر تفشي الداء في شعبنا منذ أمد طويل
لهذا توزعت أعمال وزارة شؤون الشعب على نواح شتى، فقامت فيها إدارات تعالج هذه الخلايا من جهات متعددة. فإدارة التعاون والفلاح تعنى بالناحية الاقتصادية والمادية التي تكفل للفلاح وهو الجانب الأكبر من الشعب شيئاً من اليسر والرخاء؛ وإدارة الخدمة الاجتماعية تتجه إلى علاج الأمراض المعنوية والمادية المتفشية في الشعب بأسره مثل الطفولة المشردة ومشاكل الأسرة وضعف الأجسام لعدم انتشار الرياضة البدنية، والعمل على نشر النظافة ومبادئ الصحة في إنحاء البلاد؛ ومصلحة العمل تسعى إلى الأخذ بيد العامل ومؤازرته في مطالبه العادلة والارتقاء بمستوى معيشته، ومكافحة البطالة، وتدبير الرزق للمتعلمين المتعطلين؛ ثم إدارة الدعاية التي ينبغي أن تعد الأذهان وتمهد الأفكار وتستنهض همم القادرين على التضافر لتنفيذ كل ما تقدم ذكره من وجوه الإصلاح
ثم قال: لقد وضح معالي وزير الشؤون الاجتماعية في الكلمة التي افتتح بها قسم الإذاعة في إدارة الدعاية مهمة هذه الإدارة وأعلن وجهتها للناس، وذكر أن فيها دعاية للإصلاح الاجتماعي بأوسع معانيه، وأعيد عليكم هذا البيان في صورة أخرى فأقول: إن عمل تفتيش صحة القاهرة والأقاليم في مراقبته للمواد الغذائية الضارة بالأجسام، كان ينبغي أن يكمل منذ زمن بمراقبة أخرى وتفتيش آخر لنوع من الجراثيم أعظم ضرراً واشد فتكاً بكيان الشعب، وأعني بها الجراثيم الخلقية التي تتسرب إليه من خلال ما يعرض عليه من بذيء الأغاني ورقيع المشاهد وخليع المناظر في المسارح والصالات ودور السينما وإذاعات الراديو. إن إدارة الدعاية بما لها من سلطة الرقابة والتوجيه لكل ما يعرض على الشعب من مشاهد وما يلقى في أذنيه من محاضرات وغناء ستقف حائلاً قوياً دون انتشار كل ما يخدش الخلق ويضعف الهمم ويلقي بذور الانهيار الروحي والانحطاط المعنوي في قلب هذا الشعب العريق. ولسوف نستخدم ما نملك من وسائل في بث الفضائل وتدعيم الروح القوي النبيل، وفي تهذيب الذوق العام بتشجيع الفن الصحيح والدنو به من الكمال وتعويد الناس فهم الجمال.
وعند ذاك ترقى النفوس والعقول ويتم للشعب بلوغ ما نصبو إليه من مرتبة عالية بين الشعوب الراقية المجيدة
إن هذه الوزارة لا يمكن أن يقوم موظفوها وحدهم بكل العبء. هنالك دعامة قوية من الدعائم التي ترتكز عليها دائماً أعمال الإصلاح، هذه الدعامة القوية هي التطوع. بثوا الدعوة معنا إلى الزملاء في شتى أوساط الشعب لإيجاد المتطوعين للإصلاح نحن في حاجة إلى تجنيد أكبر عدد من المتطوعين للإصلاح
أحمد عرابي
اضطررنا لقطع سلسلة البحث في تاريخ عرابي نظراً للظروف الحاضرة؛ وسنعود إلى وصلها في الوقت المناسب
وابتداء من العدد القادم سندرس شخصية مازبتي أحد أبطال الحرية في التاريخ الحديث
الخفيف