مجلة الرسالة/العدد 325/استطلاع صحفي
→ صفحة من التاريخ المغربي المجهول | مجلة الرسالة - العدد 325 استطلاع صحفي [[مؤلف:|]] |
كان ما كان!. . . ← |
بتاريخ: 25 - 09 - 1939 |
فن التصوير الجوي
أهم أدوات الحرب الحديثة
(لمندوب الرسالة)
أنبأتنا التلغرافات بأن سلاح الطيران الفرنسي أمكنه أن يصور خريطة دقيقة لخط سيجفريد الأماني. وعلى ضوء هذه الخريطة يصبح من السهل على قيادة الجيش الفرنسي أن تحدد المناطق الضعيفة منه وتعين أماكن الاستحكامات فيه
ولدينا في مصر قسم خاص بالتصوير الجوي أنشئ سنة 1933 يستطيع رجاله أن يؤدوا نفس المهمة التي قام بها زميلهم الفرنسي. وفي هذا المقال يجد القارئ عرضاً عاماً لطرق التصوير الجوي ومدى فائدته في الأعمال العسكرية والمدنية، وما يحتاج إليه من خبرة ودراية.
عملية استكشاف
من النواحي الهامة في سلاح الطيران الحربي قسم التصوير؛ وهو لا يقل خطورة عن قسم المدفعية. فبواسطته يمكن تصوير سطح الأرض وتوضيح ما عليها من مرتفعات ومنخفضات تبين مسالك الأرض وطرقها فيسهل على القوات العسكرية كشف طريقها ومعرفة اتجاهاتها، كما يسهل معرفة إمتدادات خنادق العدو وتعيين مواقع مدافعه ومعداته فيتيسر للقوات الموالية تدمير هذه الاستحكامات وشق طريق للجيوش البرية وهذه العملية إحدى خطوات الاستكشاف في الحرب.
ولهذا كان من أهم التدابير التي تتخذها الحكومات ويقرها القانون الدولي منع الطيران أو التصوير فوق المناطق العسكرية، وأبيح لها حق تفتيش الطائرات التي تخالف هذه القاعدة كما أبيح لها حق إسقاطها بإطلاق النار عليها مما يعتبر عملاً عدائياً في المناطق المدنية.
مران وتضامن
وتختلف أدوات التصوير بالطائرات عنها في الحالات العادية. يضاف إلى ذلك ما تستلزمه من مران وتضامن بين الطيار والمصور. فالتصوير من الجو نوعان: ففي الأول تثبت الآلة في أسفل الطائرة على قواعد خصصت لذلك فإذا أراد الطيار تصوير منطقة معينة يجب عليه أن يطير بسرعة ثابتة وعل ارتفاع ثابت حتى تكون المساحات الظاهرة في الصورة واحدة؛ فمن المعروف أنه كلما بعدت آلة التصوير شغل هذا الجسم مساحة أقل من مساحة الصورة، وبالتالي تزيد مساحة سطح الأرض التي تلتقطها الآلة؛ وعندئذ يتعذر تحديد أبعاد المكان فيظهر على الصورة مساحة كبيرة أو صغيرة تبعاً لارتفاع الطائرة وسرعتها
ويختلف عدد صور شريط تصوير هذه الآلة باختلاف الأغراض المطلوبة منه فأحياناً يكون 25 صورة وأحياناً 50 وأحياناً 125 صورة. ولا يحتاج المصور إلى تكرار الضغط على مفاتيح الصور عند تصوير كل منظر. فإن الآلة تسجل المناظر بطريقة آلية كل مدة من الزمن إلى أن ينتهي شريطها أو يقف المصور الآلة
وطريقة التصوير الجوي الأخرى هي المعروفة بالتصوير الجانبي إذ يمسك المصور بآلته ويلتقط الصور التي يريدها. وفي كلتا الحالتين يحتاج التصوير إلى طيار ماهر حتى لا تهتز الآلة، وغالباً يكون ارتفاع الطائرة مقدار ثلاثة آلاف قدم. وقد يبدو هذا البعد كثيراً على عين آلة التصوير، ولكن عدساتها برغم أنها عدسات عادية وليست مقربة تستطيع التقاط جميع تفاصيل الأرض لدقتها ولخلوها من الفقاعات الهوائية التي قد تفسد وضوح المرئي.
تأثير الضوء
فإذا انتهى المصور من التقاط المناظر التي يريدها هبطت الطائرة إلى الأرض وبدأت عملية ثانية لا تقل دقة عن سابقتها إذ يبدأ العمال بتحميض شريط الصور السالبة. ومن المسائل التي يجب مراعاتها أن يكون هذا التحميض مساوياً لجميع أجزاء الشريط، ثم تبدأ عملية الطبع وهي اكثر دقة من أية عملية أخرى، إذ يجب أن يحافظ العامل في طبع الصور الموجبة على أن تكون كلها من لون أسود واحد، فلا تظهر إحداها ضعيفة اللون والأخرى قوية، حتى إذا جمعت الصور بعضها إلى بعض ظهرت كأنها صورة واحدة.
وتحتاج هذه العملية إلى كثير من الخبرة فتوزيع كمية الضوء على الأرض لا يكون بنسبة واحدة؛ ففي مناطق تكثر الظلال، وفي مناطق أخرى يكون سطح الأرض مكشوفاً لضوء الشمس؛ وهذا يؤثر على تشبع الصورة السلبية بالضوء فيظهر بعضها أسود والآخر أقل سواداً تبعاً لكمية الضوء التي تعرضت لها الصورة والتي لا يستطيع المصور ضبطها
وتجمع الصور الموجبة ويلصق بعضها إلى بعض حيث تكمل الصورة التي تليها حتى إذا تمت المجموعة ظهرت صفحة الأرض واضحة لعدة أميال. وقد تمكن قسم التصوير بسلاح الطيران الجوي المصري من تصوير جميع مناطق القطر المصري فيمكنه أن يقدم لمصالح الحكومة ولأقسامها المختصة صورة أي بلدة فيظهر عليها ما في تلك البلدة من مرتفعات ومنخفضات وما فيها من طرق مائية وبرية أو جسور
تحليل الصور
ويسهل على الأخصائيين في التصوير تحليل الصور كما يسهل على الكيميائيين تحليل المواد. فبعد أن ينتهي المعمل من صنع الصورة فإنها تحلل بأن توضع تحت مجهر خاص يكشف أسرارها فما يرى خطاً ضعيفاً بالعين المجردة قد يكشف عن خندق مسلح وما يظهر نقطة سوداء على الصورة قد يظهر مدفعاً بالتحليل الفني وأمام العين العسكرية والخبرة الحربية
ويتدرب كثير من رجال الطيران على فنون التصوير الجوي ومنهم من يتخصص فيه. ومن الضروري أن يلم كل طيار بمبادئه الأولية حتى يدرك مدى المعونة التي يقدمها للمصور إذا اشتغل أحدهما مع الآخر وحتى يدرك أهمية المناطق التي يمر بها أثناء انتقاله في الجو من جهة إلى أخرى
ولا تقتصر عملية التصوير الجوي على الفوائد العسكرية بل تتعدى إلى الفائدة العلمية؛ فبالتصوير الجوي نستطيع أن نحصل على صورة دقيقة للتعاريج الساحلية أو النهرية وضبط مواقعها ومسافاتها بالضبط. وقد أتيحت لي الفرصة فشاهدت مدينة القاهرة التي التقطها سلاح الطيران لبريطاني فرأيت فيها شوارع المدينة في أتم وضوح كما شاهدت جزر النيل وجسوره وإنحناءاته ظاهرة بكل تفصيل
4000 صورة في صورة وفي آخر مرة زرت فيها قسم التصوير الجوي شاهدت العمال يعدون صورة لفرع رشيد بلغ طولها بعد لصق أجزاء الصور ما لا يقل عن عشرين متراً، كلف التقاطها وطبعها القسم 300 جنيه، إذ تتكون الصورة من 4000 جزء كان التقاطها بمعرفة سلاح الطيران الجوي البريطاني يكلف الحكومة المصرية أربعة آلاف جنيه.
وقد أنشئ قسم التصوير الجوي المصري سنة 1933 فعين فيه ثلاثة أفراد مصريان وصول إنجليزي، ثم ازداد عدد العمال تبعاً لنمو الجيش وحاجة سلاح الطيران. فاقتنى من آلات التصوير وأجهزته أدقها، وعين من الأخصائيين المهرة الذين حذقوا هذا الفن ودرسوه في بعثات أرسلت إلى البلاد الإنجليزية حتى أصبح استعداد القسم ينافس أحسن الأقسام في البلاد الأوربية
ففي استطاعة قسمنا المصري أن ينتهي من عمل خريطة مكونة من 65 صورة في مدة 24 ساعة بأي مقياس مطلوب رغم ما في هذه العملية من صعوبات فنية. وقد أثبت رجال القسم جدارتهم وسرعتهم في مناسبات كثيرة في الحفلات العسكرية الرسمية المختلفة، فأمكن إخراج الصور وتجفيفها ثم إهداؤها للزائرين في مدة نصف ساعة. وعند زيارة سمو الأمير محمد رضا ولي عهد إيران للكلية الحربية قدمت لسموه صور زيارته للكلية قبل أن يغادرها رغم بعد المسافة بين الكلية وبين مطار ألماظة مركز القسم
معامل متنقلة
وأعد القسم عدته حتى لا يقتصر نشاطه على منطقة واحدة، فجهز سيارات خاصة بجميع الأجهزة اللازمة حتى تكون معمل تصوير متنقلاً يستطيع تحميض الصور وطبعها وتكبيرها في أي زمان ومكان، وفي مختلف الظروف والأحوال. وخصص لكل سيارة عمالها كما وزع بعض رجاله في المناطق التي تمس الحاجة العسكرية إلى وجودهم فيها.
فمنذ سنة 1933 وقسم التصوير الجوي يؤدي مهمتين: أولاهما العمل الفني المطلوب، والثانية تعليم الجنود والضباط. فهو من هذه الناحية معمل ومدرسة يقضي فيه الطالب ثمانية أشهر يتلقى فيها جميع الفنون التي يحتاج إليها المصور البارع من نظريات لفهم التصوير وتركيب حوامض التحميض والطبع ثم التكبير وضبط الصور وتحليلها وتأثير الحرارة على الأفلام والأحماض وبهذا المجهود الكبير أمكن لقسمنا المصري أن يسجل لنفسه طريقة جديدة في طبع الصور ذات الألوان المتعددة. وهي طريقة معقدة ولكنها أسهل من الطرق المتبعة في البلاد الأخرى وتحتاج إلى خبرة ودقة كبيرتين، ففي وسع قسم التصوير أن يقدم لك صورة أي منظر طبيعي أو صناعي بألوانه الأصلية مهما تباينت ألوانه. وهو يقدم للصحافيين الأجانب أحسن مناظر مصر الطبيعية بألوانها الأصلية، فأضاف إلى مهمته العسكرية مهمة جديدة هي الدعاية لمصر بتقديم صورة ناطقة عن الحياة وسحر الطبيعة فيها.
فوزي الشتوي