مجلة الرسالة/العدد 321/الطائر والشمس
→ الأمواج والشاطئ | مجلة الرسالة - العدد 321 الطائر والشمس [[مؤلف:|]] |
رسالة الفن ← |
بتاريخ: 28 - 08 - 1939 |
للأستاذ خليل شيبوب
عندي أحاديث هوى جَّمة ... تجري كما يجري بها الخاطر
سطَّرها حبيَ في مهجتي ... ثم رواها جفنيَ الماطر
لكنما أغربها قصة ... مأثورة شاهدها حاضر
عن طائر هام بشمس الضحى ... وأين من شمس الضحى طائر
فرخ ضعيف ريشه، قابع ... في وكره، مرتجف حائر
يدرج منه بعض شيء إلى ... حيث شعاع باسم باهر
يصيب دفئاً عنده كلما ... فاض عليه نوره الغامر
يجر ذيلاً، فهو طوراً به ... طول، وطوراً ذيله قاصر
ما شك فيه أن ما يغتلي ... به حشاه والدم الفاتر
صنعة هذا النور في أصله ... وأنه من فوقه صادر
وإذ رأى وجه السماء انجلى ... له هناك الحَدَثُ الكابر
أَتْون نار جاش من صدره ... دَفْقُ ضياءِ خاطفٌ حاسر
قطب من الجمر ولكنما ... عليه قام الفلك الدائر
وجه يفيض النور منه كما ... يفيض نبع الروضة الفائر
لكن هذا النور روحٌ ولا ... جسمَ، ولكن لهبٌ ثائر
في الشرق مرجان فإمَّا ارتقت ... في الأوج مار الذهب المائر
والورد مفروش متى غرَّبت ... والأرجوان البهج الفاخر
هذى هي الشمس التي نورها ... بحر حياة ما له سابر
الكائنات الغرُّ من حولها ... أبدعها ناظمُها الناثر
فاتنة الدنيا ولكنها ... ليس إليها مسلك ظاهر
ترعرع الطائر لكنه ... من كل ما يؤنسه نافر
يسير في الروض وعيناه في ... السماء والعمر به سائر
واشتدَّ حتى طار مستشرفاً ... ما حولَهُ فهو له حَاصِرُ إذا اعتلى جوّا فسرعان ما ... يحطه إعياؤه القاهر
وهو لجوج النفس في صدره ... منها جوى ملتهب ناشر
يذهبُ فيها يومَهُ هائماً ... وقلبُه تحت الدجى ساهر
مرتقب في الدوح أن ينقضي ... الليل ويأتي السحَر الباكر
حتى يراها وجهها مشرق ... كما يطل الملك الظافر
ومرت الأيام لا تأتلي ... والحب نبت مخصب كاثر
فاستشعر اليأس أَلا إنه ... مستضعف ليس له ناصر
لا الروض يسليه ولا حوله ... من الطيور الصادح الصافر
ولا نجوم الليل إما رنت ... ولا النسيم الخافق العاطر
ما الروض والطير وما زهرة ... بها تحلَّى الغصُن الزاهر
سوى مثيرات الجوى فالمنى ... هناك نور فاتن سافر
ذاك حياة النفس معبودها ... وحبها الأول والآخر
جاء إلى الجدول يوماً لكي ... يطفئ ظمئاً وقْدُه ساعر
إذا به في الماء يجلي له ... وجه نقي وادع طاهر
الشمس جاءته بلا موعد ... زائرة يا حبذا الزائر
فاختلط المفتون في عقله ... كأنما طالعه ساجر
وكاد أن يخذله قلبه ... وطاش مما أبصر الناظر
حتى إذا ثاب إلى رشده ... والحسن ناه والهوى آمر
خالسها القبلة في نغبة ... أسكره معسولها القاطر
لكنها غابت سريعاً وقد ... قام سحاب دونها ساتر
تحجّبت عنه ولمَّا قضى ... ما يننويه قلبه الشاكر
كأنها غضبى زوت وجهها ... عنه فأودى جدُّه العاثر
هل قّصر العاشق في عشقه ... فكل تقصير له عاذر
إن كان ضعفاً فله راحم ... أو كان ذنباً فله غافر
وحينما طاح به بؤسه ... والجسم منهوك القوى خائر خفَّ إلى الدوح وفي صدره ... طعنة يأس جرحها غائر
خاب فلم يصبر وحكم الهوى ... ألا يعيش الخائب الصابر
ومات في الدوح فأكفانه ... أغصانها والورق الناضر
يا زينة الدنيا ويا فتنة ال ... عمر ويا من حبها جائر
إليك مني صورةً في الهوى ... صوَّرها عاشقك الشاعر
حسب المنى دمعة حزن على ... صب شهيد ما له ذاكر
فأنت تلك الشمس معبودة ... حباً وقلبي ذلك الطائر
(الإسكندرية)
خليل شيبوب