مجلة الرسالة/العدد 319/غرور الفنان وعقابه
→ المعنى التائه | مجلة الرسالة - العدد 319 غرور الفنان وعقابه [[مؤلف:|]] |
رسالة الفن ← |
بتاريخ: 14 - 08 - 1939 |
للأستاذ علي أحمد باكثير
(يريد الشاعر أن يصور في هذا الغزل الفلسفي غرور الفنان في تصوره أنه خالق فيعاقب بتمرد خلقه عليه حتى أنه ليود أن يتنازل عن ربوبيته المزعومة لمن خلقه لكي ينال رضاه وحنانه، فإذا ما أبى عليه ذلك رجا منه أن يمسحه من لوح الوجود لأنه أصبح زوراً لا محل له في الوجود، وينتهي به الأمر إلى الرجوع إلى الله وأنه الخالق وحده لا خالق سواه فمن نازعه هذا الرداء لقي هذا العذاب الكبير).
فيم يا زهرةَ الجمال تنكّرْتِ ... لقلبي فارتدّ عنكِ كسيرا؟
أو لستُ الذي غرستُكِ في قلب ... ي وأسقيتك الزلال النميرا؟
وقضيتُ النهار والليل أرعا ... ك أقيك الهجير والزمهريرا
أنت حُلمي إذا أويتُ إلى النو ... م وشغلي إذا برحْتُ السريرا
تتلاشى روحي عليك حناناً ... وارتقاباً ولوعةً وحبورا
مُوقداً ذوب مهجتي لَكِ شمعاً ... يطرد الرَّوْعَ عنكِ والديجورا
ضارباَ كلَّةً عليك من الأح ... لام تنفي عنكِ الأذى والشرورا
جاعلاً من شوقي إليكِ صلاةً ... محرَقاً من دمي عليك بخورا
في طريقي إليكِ تخطبني الأز ... هار شتى يعبقن عِطراً ونورا
يتمايلن معرضاتٍ مريدا ... تٍ وللّثم يرتعِشْنَ ثغورا
فتكبّرتُ أن أجود عليهنّ ... بطرفي بَلْهَ الهوى والشعورا
وتحملتُ مِنْ ملام ضميري ... في أذاهُنّ ما يهدُّ الضميرا
لا أبالي إذا رضيتِ رضى النا ... س جميعاً وودهم والنفورا
وْلتضع من يدي الحظوظُ فحسي ... أنّ أنال الرضاء منك اليسيرا
هو رجواي في الحياة فإن أُدْ ... ركه أدرك خُلْداً وملكا كبيرا
أنا قّلدتكِ الجمال وصوّرْ ... تُكِ ما شاءتِ المنى تصويرا!
وبفنّي خّلدتُ حُسنك في الكو ... ن وأسجدتُ في ثراكِ الحورا
وجعلتُ الزمان يشدو بلحْنَي ... ك فيحيى الأسى ويحيُى الس أفترضَيْنَ بعد هذا لقلبي ... أن يكون المرزّأ المهجورا؟
أنتِ خَلْقي. . . وا رحمتاه لرب ... صار يوماً بخَلْقه مستجيرا!
أردديني خَلقاً وكوني إلهاً ... تشملي بالحنان قلبي الكسيرا!
وترىْ ما بهِ. . . فمن يكُ ربّاً ... يكُ طبّاً بخلقه وخبيرا
لا أبالي إذا غدوتِ لقلبي ... وحده كنتُ آسِراً أو أسيرا
فإذا ما أبيتِ إلا شقائي ... فامسحي من لوح الوجود الزورا!
أعدِميني فلا أطيقُ عذابين ... خلوداً قدّرتِ لي وسعيرا!
كنتِ في خاطري وكنت سعيداً ... قبل أن تظهري لعيني ظهورا!
آه، يا ليتني كتمتكِ سرّاً ... حيث كنتِ الدهور ثم الدهورا!
لكُيفِتُ الأسى إذاً والتباري ... ح ودُمْتُ المنعَّمَ الموفورا
ما توقعتُ إذ جبلتُكِ طيناً ... في يَدِي أن أصير هذا المصيرا!
إنَّ هذا جزاء من نازع الله ... عُلاه يلقى العذاب الكبيرا!
علي أحمد باكثير