مجلة الرسالة/العدد 318/ذكريات سني التعليم
→ جناية أحمد أمين على الأدب العربي | مجلة الرسالة - العدد 318 ذكريات سني التعليم [[مؤلف:|]] |
من كتاب الدين الإسلامي ← |
بتاريخ: 07 - 08 - 1939 |
الامتحانات والنتائج
للأستاذ عبد الرحمن شكري
عند ما يعلل كاتب سؤ نتائج الامتحان ينسبه إما إلى ضعف الطلبة وإما إلى المناهج أو نظم الامتحان وإما إلى المدرسين وإما إلى غير ذلك من الأسباب، ولكنهم ينسون أموراً هامة قلما يذكرونها فيأتي التعليل ناقصاً. وهذا هو سبب تكرر مأساة سوء النتائج بعد سنة بالرغم من استقرار حالة الطلبة نسبياً الآن عما كانت عليه أثناء الإضرابات المستمرة والأزمات السياسية الحادة، وبالرغم من تخفيف المناهج وتبسيطها، وبالرغم من تسهيل نظم الامتحان إما بجعل الامتحان في مواد أقل أو مواد سنين أقل. وقل عدد تلاميذ الفصول في المدارس الأميرية ذات الحجرات الكبيرة، وخفض عدد الحصص التي يدرسها الأستاذ المدرس في مواد المنهج ذاته - وإن كان قد وكل إليه عمل آخر في النشاط المدرسي - فكان ينبغي أن تتحسن نتيجة الامتحانات تحسناً كبيراً لو كانت هذه الأمور وحدها سبب حين النتيجة.
والحقيقة أن هناك أسباباً لم ينظر إليها. ولم تكن النتائج الحسنة التي حصلنا عليها بسبب إرهاق الطلبة في العمل، بل كنا بالعكس نحاول منع الطلبة من إرهاق أنفسهم بالعمل ليلاً ونهاراً في الشهر الأخير ومنعهم من إتلاف صحتهم من غير فائدة بهذه العادة العقيمة؛ أما التشدد في نتائج النقل فلا يعللها أيضاَ، إذ كنا نحصل على مثل هذه النتائج في مدارس لم نباشر امتحان النقل فيها أو في فرق كانت نسب النجاح في امتحان النقل فيها حسنة مرتفعة. فالتشدد في امتحان النقل وحده لا يعللها إذاً. ومجهود المدرس أو مادته لا تعلل وحدها حسن النتيجة، فقد تكون مادة المدرس كأحسن ما تكون المادة ومجهوده أكبر مجهود، وتأتي النتيجة سيئة نسبياً. وقد شاهدنا ذلك في نتائج أساتذة من أحسن المدرسين عملاً ومادة، بينما كانت نتائج مدرسين آخرين في فصول أخرى هي عماد نتيجة المدرسة الحسنة الطيبة مع أنهم لا يمتازون عن إخوانهم في المادة ولا في الشرح والتفسير وإن كان تفسيرهم أقرب إلى المحاضرة منه إلى التدريس؛ وهذا خطأ.
والعامل الأول في تحسين نتائج الامتحان في رأيي هو أن تحصي المدرسة التلاميذ الضعاف في كل فصل بالرجوع إلى درجات امتحان النقل في كل مادة وأن يوجه إليه الأستاذ المدرس جهده أثناء التدريس والشرح، وفي الاختبارات الشفوية في أول كل حصة وفي توزيع الأسئلة أثناء خطوات التدريس للتأكد من التفاتهم وفهمهم ومذاكرتهم وبالاختصار يكون أكثر التدريس للضعاف أثناء الحصص. قد يقال إن الطالب الذكي المجتهد أولى بالرعاية والتشجيع كي يزيد علما وثقافة. وهذه فكرة مخطئة إذ أن المدرس غير مطالب بتخريج نوابغ قليلين، وأكثر النوابغ يستطيعون النبوغ بقليل من التفات المدرس وعنايته ولكنه مطالب برفع مستوى الضعاف ومن أجلهم أنشئت المدارس لأن حاجتهم إلى المرشد أعظم من حاجة النوابغ، ولا يصح أن يستزيد الطالب النابغة من العلم على حساب إخوانه الضعفاء أو الأقل ذكاء، ويستطيع الأستاذ إذا سبق النوابغ إخوانهم في الفهم والاستيعاب أن يعطيهم عملاً خاصاً في أثناء الحصة أو خارجها إذا خشي الملل من جانبهم، إذا سار على قدر فهم الضعاف واستيعابهم، ويستطيع أن يبادر الأذكياء من حين لآخر بالسؤال للتأكد من أن سيره مع الضعاف لم يثبط همة الأذكياء ولم يصرفهم عن المدرس ولا سيما الأذكياء الذين يعتمدون على ذكائهم في التحصيل في الشهر الأخير من العام الدراسي، على أن تتبع الأستاذ للخطأ والصعوبة في أذهان الضعاف مما يزيد النابغة معرفة لما يواجه الذهن الإنساني من الخطأ والصعوبة وإن كانت الصعوبة في ذهنه أقل، إذ لاشك في أن بعض الأذكياء قد يكتفون بنصف فهم بينما لا يَدَّعي الضعيف الفهم إذا لم يستكمله إلا حياء وخجلاً من الظهور بمظهر ربما ظُنَّ غباوة يضحك منها إخوانه الأذكياء وهو أمر ينبغي ألا يُسمح به. ولا فائدة مطلقاً من تقديم الأستاذ المدرس تقارير لناظر المدرسة يومية أو أسبوعية عن المقصرين في الاستذكار إلا إذا عمل على اتباع هذه الطريقة اتباعاً تاماً دائماً أي طريقة مناقشة الضعفاء أثناء الشرح للتأكد من التفاتهم ومتابعتهم إياه وفهمهم. وإذا كان في التدريس بطء بسب هذه الطريقة استطاع الأستاذ أن يتلافى هذا البطء بوسائل أخرى، ويحسن بالوزارة أن تشجعه بوسائل العطف والقدر والمكافأة بهما إذا اضطرته هذه الخطة إلى الزيادة في عمله إلى تضحية وقته الخاص.
أما العامل الثاني في تحسين النتائج فهو أن يتعرف الأستاذ أماكن الصعوبة في المنهج ذاته والأغلاط والأخطاء الشائعة بين الطلبة عموماً سواء أكان الخطأ في اللغات أو في المواد الأخرى وأن يخصها بشرح أوفى وتمارين أكثر وأن يعاود الرجوع إليها حتى يقتلعها من أذهان الطلبة اقتلاعاً ليس أساسه القهر وإنما أساسه الفهم. وكنا نحصي الأغلاط الشائعة بين الطلبة المصريين في اللغة الإنجليزية ونطبعها لهم ونعمل على استئصالها. فالعامل الأول هو التوجه بالتدريس إلى الضعفاء والسير معهم والعامل الثاني إحصاء الأغلاط الشائعة وأوجه الصعوبة وتلافيها.
أما العامل الثالث فهو أن الطلبة يؤجلون الاستذكار إلي آخر السنة وقد لا يكون التأجيل ناشئاً عن الكسل والبلادة بل قد يكون عن حسن نية لأن سبب هذا التأجيل فكرة سيكولوجية مخطئة فهم يحسبون أنهم إذا استذكروا شيئا في أول السنة ثم نسوه لم يستفيدوا من ذلك الاستذكار بسبب النسيان، وقليل من علم النفس يبرهن على خطأ هذه الفكرة إذ أنه يثبت أن صورة الأمر المنسي راسبة في أعماق الذهن والوعي الباطن وأنه لا يسهل استخراج المعقولات من أعماق الذهن عندما يشاء صاحبه تذكرها في أي وقت إلا إذا انطبعت الصورة في الذهن مرة بعد أخرى وفي كل مرة يعقب الاستذكار النسيان حتى يأتي على صاحب الذهن وقت لا ينسى بعد الحفظ، ولو فهم الطلبة هذه الحقيقة النفسية لاستطاعوا أن يفهموا السبب في أن الواحد منهم قد يجيد مذاكرة الدروس في الشهر الأخير من السنة فقط حتى إذا سألته فيها أجاب إجابة حيدة فإذا دخل الامتحان نسيها ولم يستطع الإجابة فإذا رسب أقسم أنه استذكرها جيداً وأنه سيئ الحظ. نعم إنه استذكرها جيداً قبيل الامتحان ولكن ينبغي أن يفهم أن محاولته تجنب النسيان في أثناء السنة بتجنب المذاكرة طول السنة هو الذي يوقعه في النسيان أثناء الامتحان مهما جاد المذاكرة آخر السنة، وأن نسيانه أثناء الامتحان بعض المعقولات أو كلها أكبر دليل على انطباع المعقولات في الذهن انطباعاً لا تُنْسى معه عند الحاجة يستلزم طبع صورتها في الذهن مرة بعد أخرى في أوقات مختلفة. ومن الصعب أن يدرك الطلبة هذه الحقيقة كل الإدراك أو إذا أدركوها صعب عليهم التخلص من عادة تأجيل المذاكرة للشهر الأخير اعتمادا على احتمال النجاح بالرغم من هذا القانون السيكولوجي. وهذا مع أن إرهاق أنفسهم بالمذاكرة ليلاً ونهاراً في الشهر الأخير يتلف صحتهم وإذا تلفت الصحة تأثر العقل ولو تأثرا مؤقتا وصار أقل استعداد للإجابة أثناء الامتحان. وحسن نتيجة المدرسة في الامتحان يتوقف على الوسائل التي تتخذها لمنع تأجيل الاستيعاب إلى الشهر الأخير.
والأساتذة المدرسون يجدون مقاومة كبيرة في حمل الطلبة على الاستذكار من أول السنة، كما يجدون مقاومة إذا اتبعوا عامل النجاح الأول والتفتوا للطلبة الضعاف في كل حصة، ففي الحالة الأولى يعيد الطلبة مطالبتهم بالاستيعاب والمذاكرة من أول السنة تعنتاً وظلماً ومطالبة بعمل ضائع لا محالة في نظرهم لأن نسيانهم محقق بعد أول استذكار، وقد يكرهون المدرس أو الناظر إذا حاول حملهم على خطة العمل من أول السنة ويعدون خطته ووسائله في حملهم تقصدا ومضايقة لا مبرر لهما وشدة غير معقولة. وفي حالة الالتفات للطلبة الضعاف في كل حصة يعد الطلبة الضعاف هذا الالتفات الدائم إليهم تقصداً مكروهاً ومضايقة وإهانة لظهور عجزهم أمام إخوانهم.
والآباء وأولياء أمور الطلبة لا يدركون مقدار ما يلاقيه الناظر وما يلاقيه المدرسون من عناء للتغلب على ميول الطلبة وأفكارهم المخطئة من الوجهة السيكولوجية أي اعتقادهم أن العمل من أول السنة عمل ضائع لأنه يؤدي إلى النسيان واعتقاد الضعاف في المواد أن الالتفات لهم في كل حصة تقصد يراد به إهانتهم. وهذا هو السبب في أن أولياء أمور الطلبة قد يشكُّون في نية الناظر أو المدرس أو على الأقل لا يحاولون معاونتهم فترى أحياناً أحد الآباء يقول إن الناظر أو المدرس يتقصد ابني، وقد يبلغ هذا الأمر حالة يشارك الأب فيها ابنه في كره الناظر أو المدرس. وهذه المقاومة من الآباء والأبناء تشتد إذا كانت هناك عوامل خارجية أو داخلية في المدرسة تزيد سوء الفهم وتشجيع الطلبة أو أولياء أمورهم على كره الوسائل التي يتخذها الناظر أو المدرس ومعاداتهما. وهي على أي حال مقاومة كبيرة. وتزيد إذا اضطر الناظر إلى رفض طالب أو إذا طلب المدرس من الناظر رفض طالب رفضاً مؤقتاً لأن بعض الطلبة قد يحرج المدرس إحراجاً كبيراً إذا حاول اتباع هذه الخطط والعوامل التي شرحناها. وينسى بعض آباء الطلبة أن حضور الطالب طول العام من غير رفض أيام قد يجعله حاضراً كغائب ولا ينتفع بحضوره وأن تضحية أيام في الرفض قد يزيد ذهنه واستعداده حضورا في الأيام الأخرى. ومن أجل هذه المقاومة قد يزهد الناظر أو المدرس في اتباع هذه الخطط التي شرحناها رغبة في تسهيل سير الأمور ومنعا للمشكلات، أو إذا اتبعت هذه الخطط قد تتبع اتباعا محدوداً حسب الظروف وبقدر الاستطاعة. وهذا يقلل بلا شك من حسن نتيجة الامتحان. والمدرسة معذورة مادامت هذه المقاومة موجودة ولا يستفيد الناظر ولا المدرس من اتباع خطط قد تجلب له عداوة شديدة وأحقاداً ربما تخطت منطقة المدرسة إلى الوزارة نفسها. والوزارة أيضا لها بعض العذر فإنها إذا ناصرت الناظر سنة قد لا يستطيع مناصرته دائماً. فالكاتب الذي يكتب في الجرائد ويطلب نتائج حسنة ينبغي أن يدرك المقاومة التي تمنع من الحصول على نتائج حسنة.
بقي أن نفند بعض الأخطاء الشائعة في التعليم والتي قد تؤدي إلى رسوب الطلبة؛ فمن هذه الأخطاء مغالاة بعض أساتذة اللغة الفرنسية في نظرية الشرح باللغة الفرنسية وحدها للطلبة المبتدئين الذين يستمرون أشهر اً غير فاهمين لأن التفسير يحتاج إلى تفسير. نعم إنه مبدأ حميد على شرط أن يكون الشرح مفهوماً، أما إذا كان التفسير الفرنسي مجهول الكلمات غير مفهوم فالواجب استخدام أية وسيلة لإفهام الطلبة سواء أكانت بالإشارة إلى الأشياء أو قي المعقولات غير المادية باستعمال اللغة الإنجليزية أو العربية. ومن الخطأ في تدريس اللغة الإنجليزية أن يقال للطالب هذا خطأ وصوابه كذا، ويكتفي بذلك، فهذه طريقة التدريس للشبان الإنجليز الذين يسمعون الصواب كثيراً. فلابد من أن يكون الأستاذ مدرس اللغة الإنجليزية خبيراً بفقه اللغة وقواعدها، ولا حرج عليه مطلقاً في شرح القاعدة أو الاصطلاح إذا كان الاصطلاح غير مبني على قاعدة، ولكن أكثر أخطاء الطلبة المصريين في اللغة الإنجليزية ترجع إما إلى الخطأ في قواعد اللغة، وإما إلى احتذاء الأساليب العربية، وقواعد اللغة العربية، وهذه الأخطاء يمكن شرح سبب وقوع الطالب في الخطأ فيها، ومثل ذلك أن الصفة تجمع في اللغة العربية، ولا تجمع في اللغة الإنجليزية؛ فإذا فهم الطالب القاعدة وسبب الخطأ أمكن تجنبه. أما أن يقال له لا تقل كذا بل قل كيت وكيت لأن الأول خطأ فهذا شبيه في تدريس حل أسئلة الرياضة والعلوم بقول الأستاذ هذا الحل خطأ من غير تفسير سبب الخطأ، وهو تفسير يجب أن يتعهد به كل طالب في كل سؤال أو تمرين وإلا بقي الخطأ في ذهنه بالرغم من معرفة حل الأستاذ للمسألة. وهذا التعهد ببيان سبب الخطأ في كل تمرين يحتاج إلى وقت ولكنه السبيل الوحيد للنجاح. وقد رأيت بعض الأساتذة الإنجليزية يفضلون محاولة الطالب الأسلوب الأدبي العالي في الإنشاء بالرغم من تخلل الأغلاط الأولية له؛ وهذا يرجع إلى عدم التوطئة للأسلوب الأدبي يشرح الأغلاط الأولية الشائعة واستئصالها بكل وسيلة لأنها تعطي فكرة سيئة عن الطالب تؤدي إلى رسوبه في الامتحان مهما حاول المصحح إنصافه في استعماله بعض الجمل العالية.
عبد الرحمن شكري