مجلة الرسالة/العدد 317/لحن الذكرى
→ نقل الأديب | مجلة الرسالة - العدد 317 لحن الذكرى [[مؤلف:|]] |
وداع الحمراء ← |
بتاريخ: 31 - 07 - 1939 |
1 - لحن الذكرى
(سمع الشاعر أغنية ألفها منذ عهد فطرب لها وبعثت له كوامن
الذكريات. . .)
للأستاذ صالح علي الحامد العلوي
قَدْكَ يا شادي! ورفقاً يا وتَرْ! ... لستُ فولاذاً، ولا قلبي حجرْ!
لستُ إلا شاعراً تهفو به ... نُوَبُ الشوْق وأحلام الذكَر
كلما رَنَّتْ بسمعي نَغْمَةٌ ... فصمتْ عِقْدَ دموعي فانتثر!
رُبَّ لحنٍ ناطقٍ من وتَرٍ ... خاطبَ النفس فأشجاها وسر
ومُغَنٍ صانع ما لم يُطِقْ ... شاعرٌ إن نطق الشعرَ سَحَر
لُغةَ الوجدانِ، إن لم تدْرِها ... فاسأل القلبَ يُخَبِّرْكَ الخبر!
يالها أُغنيةً، في طيّها ... للهوى تاريخُ أُنسٍ قد غبر!
رَنَّ في نفسي صَداها مُوقِظاً ... ذكريات رقَدَتْ بين الفِكَر
يالهُ لحناً، على إيقاعهِ ... رقَصَ الدمعُ بعيني وطَفَر!
حبذا أيامُ أنسٍ، كم بها ... من برود اللهو مِسْنا في الحِبَر
فرصٌ جاَءتْ كما شاء الصِّبا ... هشَّ فيها الحظُّ وافترَّ القدَر
يا ربوع اللهو! هل من عَوْدة؟ ... يا رعى اللهُ زماناً فيكِ مر!
كم جنيْنا فيه أثمار المُنَى! ... وبلغنا منه غاياتِ الوَطَر!
رجِّعِ الصوت، وبلبل أنفُساً ... كم بها من لحنك الساري أثر!
مُحْيِياً مني مواتاً، كم طغت ... مَوْجةُ الحبّ عليه فازدهر
فأراني سابحاً في عالَمٍ ... رَفَّ في غُرِّ المعاني والصوَر
بانِياً ما بين أنقاضِ المنَى ... بُرُجاً من دونها أوْجُ القمر!
بُلبل الفنّ! أماناً! قد شَجى ... صوتك الطير، فرفقاً بالبشر!
رأْفةً بالقلب لا تَعْبَثْ به ... ولك السمعُ حلالاً والبصر!
2 - الأوبة وَكر الصِّبا! كم صَلِينا البيْن أزمانا ... والآن عُدْتُ فَهوِّنْ ما بكَ الآنا
إني على العهد باق فوق عهدك بي ... لم أسْل عنك، ولا حاولت سلوانا
لا تَلحَني فكلانا بالبِعادِ شجٍ ... تُدْلي بشكواكَ أمْ ندلي بشكوانا؟
لم أنسَ فجر الصِّبا في جانبيك ولا ... عهداً مضى فيك بالأفراح فَينانا
ولا ملاعب لهْوى في حماك ولا ... مَراحنا جانب الوادي ومغْدانا
إذ ليس نفرغُ من لهوٍ ولا لعبٍ ... إلا حثثنا إلى لهْوٍ مطايانا
ولا يهلُّ لنا شهرٌ فَنُبِليهُ ... إلا وزادَ صِبانا الغَضَّ رْيعانا
هنا نشأتُ فكم لاقيتُ مرفهةً ... وكم رضعتُ هنا بِرّاً وتحْنانا
هنا هفا القلبُ حولَ الحسنِ مُرتمياً ... مثل الفراشِ حيال النورِ هَيمانا!
هنا رَشفتُ كؤوس الحبِّ طافحةً ... مَعْ من أحبُّ وعينُ الله ترعانا!
في هالةٍ من شُعاع الطُّهرِ قد جَمعتْ ... مُنى الهوى والصِّبا اللاهي وإيَّانا
لا ينطقُ الأنسُ إلا من أسرَّتنا ... ولا يُرى البِشرُ إلا من ثنايانا!
وكلما ضاقَ عنا الكونُ أجمعهُ ... بَنى الخيالُ لنا في الحبِّ أكوانا!
فالناسُ يحيَوْنَ في دنيا همومهمُ ... ونحنُ في معزلٍ عنهم بدنيانا!
نعيشُ كالطير وثَّاباً برَوضته ... يميتُ ساعاتِه حبّاً وألحانا
يلهو ويشدو على الأغصان مُزدَهياً ... مُرفرفاً في الفضاء الرَّحب نشوانا
. . . سرح قضيتُ بها فجرَ الحياةِ فيا ... تُرى يعودُ بها عَهدي كما كانا؟
والآن - يا وطني - حالتْ بنا غيرٌ: ... تجاربٌ قد أرتنا الدهر ألوانا
محا الزمانُ أضاليلَ الصّبا فعفتْ ... لولا بَقيَّاتُ حبٍ في حنايانا
وفي الحشا ذِكَرٌ أنسَيْتها خَلَدي ... فلا أُحيلُ بها الأفراح أشجانا
ولستَ تنقمُ إلا أنني رجلٌ ... أختطُّ من تلعاتِ العزّ أوطانا
ما اعتضْتُ بالأهل والإخوان من بدلٍ ... وإنْ أضفتُ لهمْ أهلاً وإخوانا
عُدْ للسرورِ نَعُدْ للهو ثانيةً ... وزِدْ نزِدْ بك في اللذات إمعانا!
(حضرموت - سيوون) صالح بن علي الحامد العلوي