مجلة الرسالة/العدد 315/من هنا ومن هناك
→ القصص | مجلة الرسالة - العدد 315 من هنا ومن هناك [[مؤلف:|]] |
البريد الأدبي ← |
بتاريخ: 17 - 07 - 1939 |
الفوهرر (فوزي القاوقجي)
(عن مجلة الباريسية)
نشرت مجلة الباريسية عدة فصول ممتعة عن بلاد العرب والرجال الذين يقودون الحركة العربية في هذه الأيام. وقد قدمت تلك الفصول بكلمة قالت فيها: إن هذه الحركة ذات الأثر الفعال في مركز الإمبراطورية البريطانية يقودها سبعة أشخاص كل منهم يعد نفسه أولى بالملك والزعامة في بلاد العرب. وقد نقلنا عنها في عددين سابقين ما كتبته عن الملك ابن السعود بعنوان (نابليون العرب). وما كتبته عن الأمير عبد الله بعنوان (هل يظفر الأمير عبد الله بملك فلسطين؟). واليوم ننقل عنها كلمة عن الثائر العربي فوزي القاوقجي حتى تكون لدى القارئ فكرة وافية عن هؤلاء الرجال الذين يتطلع إليهم العالم كلما ذكرت المشكلة العربية:
ليس في فلسطين من يجهل اسم فوزي القاوقجي. فهذا الرجل الذي تروى عنه القصص والأخبار العجيبة يعرفه كل عربي وكل يهودي، بل وكل بريطاني يمشي على أرض فلسطين، بأنه ذلك البطل الوطني والثائر العربي الذي يخشى بأسه في تلك البلاد
وتدل الأخبار المستقاة من قسم المخابرات البريطانية على أن فوزي القاوقجي يقود جيشاً يتراوح عدده من ثلاثة إلى أربعة آلاف رجل. وهذا الجيش يهدد مواصلات الصحارى والجبال في فلسطين، ويقطع الطريق على من تحدثه نفسه بعبورها
ويعد أتباع هذا القائد من أشجع الرجال وأصبرهم على تحمل المشقات، وهم يستميتون في مقاومة عدوهم اللدود ما دام القاوقجي يشعل في نفوسهم نيران الحقد، ويتجنب كل موقعة مع القوى البريطانية من شأنها أن تؤدي إلى هزيمة
وقد استولت على نفسه عقيدة بأن القوة التي يقودها في فلسطين سيكون لها أثر في يوم من الأيام في رفع شأن الأمة المحمدية، أو إحياء مجد العرب، لذلك لا تطاوعه نفسه على استباق الحوادث والمخاطر بالظروف التي هي في انتظاره يوماً من الأيام.
ويعد القاوقجي مسئولاً عن إثارة حرب العصابات في فلسطين فيتسلل هؤلاء البدو الذين يقودهم في ظلام الليل إلى المدن، ويختفون كالأشباح عند ظهور الفجر تاركين ورائ المنازل المشتعلة بالنيران والأراضي المخربة، والجثث المضرجة بالدماء. وتعد هذه المظاهر المرعبة شاهداً صامتاً على أن القاوقجي ورجاله قد مروا بهذه المنطقة في المساء.
والقاوقجي رجل متوسط الطول عريض الأكتاف ملتف الساعدين جميل الصورة في كوفيته البيضاء والعقال الذي يلفه على رأسه هو وأتباعه، ولكن الملابس الإفرنجية قد تقلل من مظهره وتعطيه صورة أخرى.
ولقد قضى القاوقجي أيام شبابه في سوريا، وأرسل منها إلى القسطنطينية ليتدرب على الأعمال العسكرية بها. ولقد كان نشاطه وأعماله الحربية في إبان الحرب العالمية من الأعاجيب. ويقال إنه كان يقود فيلقاً من الجيش التركي. ويقال كذلك إنه انضم إلى الحلفاء وحارب مع الكولونيل لورنس. وسواء أكان هذا صحيحاً أو غير صحيح، فمما لا شك فيه أنه ما كادت الحرب تضع أوزارها حتى كان زعيم ثورة في تلك البلاد. وقد قبض عليه الفرنسيون ووضعوه في سجن جبل الدروز وقد حكمت عليه المحكمة العسكرية بالإعدام، ولكنه فر بأعجوبة قبل التنفيذ بساعات معدودات.
والقاوقجي يؤلف قوة منظمة تمثل الجهة الشمالية من فلسطين. وهو يعتقد ككل فوهرر في الشرق والغرب أنه وحده من دون ملوك العرب وأمرائها وشيوخها أحق الناس وأقدرهم على أن يكون الحاكم الأعظم للعرب بل ولعامة المسلمين
هتلر ليس نابليون
(بقلم المؤرخ الإنجليزي فيليب جواديللا)
في هتلر بعض مظاهر وصفات تدعوا إلى المقارنة بينه وبين نابليون. ولكن هل تصح المقارنة بين هتلر ونابليون؟
لقد كانت مواهب ذلك القائد الكورسيكي وانتصاراته الحربية جديرة بأن ترفعه إلى حيث يسود الأمة الفرنسية. ولم يظهر هتلر بعد شيئاً من مواهبه الحربية إذا كانت له مواهب في هذا الشأن. وهو ولا شك سيكون القائد المسئول في ألمانيا إذا نشبت نيران الحرب.
إن هذا الرجل الذي يتظاهر أمام العالم بعبادة القوة، لم يظهر كفاية حربية من أي نوع في أيام الحرب العظمى التي يمتحن بها الرجال. وكل ما هنالك أنه ارتقى فجأة إلى رتبة جاويش
إن مواهب هتلر ولا شك تظهر في كثير من الشئون الاجتماعية والمدنية. ويزعم الألمان أنه خطيب لا يشق له غبار وأن لديه مقدرة عظيمة على استهواء الجماهير، وإن كان غيرهم لا يطيق تلك الخطب التي تبدو فيها صرخاته العصبية المزعجة وهو يتكلم عن معاهدات السلم أو يتعرض للاشتراكية أو اليهود
لم يكن نابليون فرنسياً خالصاً، وهو ولا شك من عنصر أقوى صلابة من العنصر الإيطالي، إلا أنه عاش لاتينياً طول حياته. لقد كان سريعاً نحو غايته طموحاً مدرباً على الحروب، منطقياً إلى أبعد حد، ميالاً إلى الانتقام، عصبيَّاً في بعض الظروف ولكنه على الرغم من ذلك كان مسلحاً بدروع سميكة من الصبر وضبط النفس عند الملمات - فهل توجد فروق أكثر من هذه بينه وبين ذلك الرجل المفتون بطبيعته، الذي يتولى زمام الأمور في ألمانيا؟ وشتان بين خيالات العزلة والانفراد على القمم والجنون العجيب بمسألة الدم والنشأة وحياة العزوبة - وبين تلك الحياة التي أخرجت قانون نابليون العتيد، وقادت الجيوش المنتصرة في شتى الميادين، ولم يشغلها كل ذلك عن الحب والمرح في أخطر الظروف
إننا لا نجد وسيلة للمقارنة بين تينك الشخصيتين المتناقضتين إلا في شئ واحد: وهو استعمال القسوة التي تفرضها الضرورة على كل مستبد يساق إلى معاداة العالم. لقد محا هتلر تشيكوسلوفاكية واجتاحها بغير رأفة، وذلك يذكرنا بما فعله نابليون في أسبانيا، ولكن أسبانيا قد عاشت بعد نابليون
الحق أن نابليون أزعج العالم بمحاولته التوسع في الامتلاك ولكنه وقف عند حده. وهذه نتيجة تنتظر كل من تحدثه نفسه بمثل ذلك العمل. لقد كانت جميع الأمم تنظر إلى نابليون بعين الاحترام وهو إمبراطور لفرنسا؛ إلا أنه حينما أراد أن يضع يده على الأرض الأوربية أخذت أوربا تجمع قواها شيئاً فشيئاً واستعدت لأن تقهر أكبر جيش في العالم وأقدر جندي عرفه التاريخ. وعبر الأيام تحثنا بأن كل من تحدثه نفسه بأن يلعب دور نابليون لابد أن يلاقيه في النهاية حظ نابليون.
لا جديد تحت الشمس - العالم منذ ألفي سنة (عن مجلة دتش أندشو التي تصدر في برلين)
كان للإِغريق والرومان مدفعية يرجع عهدها إلى أربعمائة سنة قبل الميلاد، وقد تقدموا في رمي القذائف والنبال، فأصبحت تلقى إلى مئات الأمتار، واخترع ديونسيس آلة لرمي النبال تستطيع أن تدور باستمرار فتلقي ما فيها بغير انقطاع.
واستطاع البيزنطيون أن يخترعوا طريقة لقذف النار، ولم يكن البارود قد اخترع بعد، ولكنهم استطاعوا أن يسخروا القوِى والآلات الموجودة في ذلك العهد لهذا الغرض، وقد صنع قدماء الإغريق والرومان كل ما صنعوه في آماد طويلة، إذ أن السرعة التي هي من سمات هذا العصر لم تكن معروفة في تلك العهود. ولم يكن أهلوها يعرفون المثل القائل إن الوقت من ذهب، ولم يكن عندهم عمال ومصالح كما هو معهود الآن
وإذا كان القدماء لم يعرفوا الساعة كما نعرفها الآن فإنه كان لديهم الذكاء الكافي لتقدير الوقت، ومع ذلك فقد استعمل قدماء المصريين ساعة الرمل والماء، وكان الأطباء يحملونها عند فحص المرضى ليقدروا دقات القلب وسرعة النبض. واستطاعوا كذلك أن يخترعوا ساعة تدق ساعات النهار جميعها مبتدئة من الساعة السادسة في الصباح إلى السادسة بعد الظهر
وقد ألف كتاب في الجراحة لأطباء الجيش في مصر منذ ألفين وثمانمائة سنة قبل الميلاد. وعرف الهنود في طب العيون عمليات القدح (إزالة الماء)، وعرفوا خياطة المصران وإزالة الحصوة وذلك منذ سنة ألفين قبل الميلاد
وفي سنة ألفين قبل الميلاد وضع حمورابي قانوناً لتقدير أجر الأطباء وتحديد مسئولياتهم. وكانوا يعرفون كثيراً من الكلمات المألوفة الآن مثل فن تدبير الصحة والفيزيقيا والصيدلة والباثولجي والجراحة والسوداء والإسهال والروماتيزم وكثيراً غير هذه الأسماء
أما أسماء العقاقير والأدوية فقد أخذنا أكثرها عن اللاتينيين كما هو معروف
وإلى اليوم يعتبر هيبوقراط رمزاً لعلم الطب. وإذا كان القدماء لا يعرفون الميكروسكوب فقد كانوا يهتدون إلى كل شئ بفطنتهم ودقة حسهم
أما الأطعمة فقد كان ينقصهم الكثير من الأصناف المعروفة الآن كالبرتقال والليمون والموز والشاي والقهوة والسكر، وكانوا يستعملون عسل النحل بدل السكر ويستعملون الزيت عوضاً عن الزبد. لكن قدماء المصريين كانوا يعرفون صناعة الجعة (البيرة) ويشربونها ومن العادات المألوفة عند القدماء الاهتمام بحديث المائدة، حتى أن أغنياء روما كانوا يدعون العلماء والكتاب إلى موائدهم لتوجيه الحديث إلى ناحية الصواب
هل نحن عرب؟
(محاضرة ألقاها السيد فؤاد مفرج في أحد الأندية العربية
بمدينة نيويورك)
الأمة مجموع من الناس مرتبطون بشعور واحد، ويجمعهم تاريخ مشترك، ومطمح مشترك غايته إيجاد دولة واحدة والاحتفاظ بها ليعيشوا في ظلها ويحققوا أفضل ما ينطوون عليه. . .
وهكذا فإن كل من يشعر بإخلاص أنه عربي، وفي صدره ولاء صادق للمثل العربية العليا، فهو عربي بقطع النظر عن الدم والعنصر. . .
ثم إنه ليس في العالم أمة لم تختلط أصولها. فإنكلترا مؤلفة من النورسيين، والأنجلو، والسكسونيين، والنورمنديين. ومثلها فرنسا. وناهيك بأمريكا. . .
ونحن مثل هؤلاء لا فرق عندنا بين السوري والعراقي والمصري واللبناني والفلسطيني والنجدي
لا جدال في أن شعوباً كثيرة مرت بسورية والعراق ومصر، وتركت في هذه الأقطار آثارها العنصرية. ولكن جميع هذه البقايا البشرية صهرت في بوتقة العروبة، وذابت في الأمة العربية الحديثة. . .
فالأمة العربية - ككل أمة سواها على وجه الغبراء - أصابها الامتزاج، ولكن هذا المزيج عربي، لأن لسانه عربي، وثقافته عربية، وعنصره الغالب السائد عربي. . .
وجميع أجزاء الأمة العربية مترابطة المصالح والفوائد اقتصادياً وسياسياً، وثقافياً، ودفاعياً: -
فاقتصادياً، ليس كاتحاد هذه الدول ما يوفر لها التبادل الحر، وإزالة الفواصل الجمركية، ومنع الإنتاج الصناعي المستغني عنه والحماية السياسية الكافية التي هي شرط جوهري للفلاح والرخاء
وسياسياً، فالاتحاد وحده هو الذي يمنع الاحتكاك بينها، ويغنيها عن الإكثار من المصالح والنفقات التي لا لزوم لها. . .
ودفاعياً، نحن في غنى عن القول بأن الاتحاد العربي، على غرار الاتحاد الأمريكي، هو وحده يحمي ويضمن بقاء الأجزاء التي تؤلفه، والوحدات التي تكونه، ونظرة واحدة إلى حوادث السنين - بل الشهور - الأخيرة تدلنا دلالة كافية على أنه لا أمان للأمم الصغيرة. فنعمة وجودنا أمة مؤلفة من سبعين مليوناً يجب أن تستقر في أذهاننا. . .
إن كثيرين منا لم يتح لهم الإلمام بتاريخ العرب المجيد. ألا إنه لولا ثقافة العرب العالية وتراثهم العلمي لكان وجود الحضارة الحاضرة مستحيلاً. . .
إنه لشرف أن ننتمي إلى العنصر العربي
ويبدأ عمل الحركة العربية في القلوب والأرواح، فمتى تم اتحاد القلوب والأرواح، أصبح الاتحاد السياسي والجغرافي نتيجة طبيعية. . .
فالعروبة حركة قومية فيها الأمن والرخاء والفلاح لجميع العرب وبواسطتهم للإنسانية جمعاء!