مجلة الرسالة/العدد 315/استطلاع صحفي
→ التاريخ في سبر أبطاله | مجلة الرسالة - العدد 315 استطلاع صحفي [[مؤلف:|]] |
رسالة الشعر ← |
بتاريخ: 17 - 07 - 1939 |
جولة في مصلحة الكيمياء
معمل للأمة وللحكومة
لمندوب الرسالة
انتقلت مصلحة الكيمياء من مبناها القديم الضيق في فناء وزارة الأشغال إلى عمارتها الجديدة بشارع الملكة نازلي وبذلك فتحت أبوابها لكل ما يطلبه منها الجمهور من اختبارات كيميائية تكشف عن صلاحية المواد والمنتجات للحياة العملية، وبهذه الخطوة يستطيع الصانع أن يختبر مواده هناك كما يستطيع أن يحصل لمنتجاته على شهادات حكومية بصلاحيتها ولن يكلفه ذلك المال الكثير فأن المصلحة تشجع على ذلك ولا تأخذ عنه إلا أجراً زهيداً؛ ولذلك رأينا بعد استئذان مراقبها الدكتور أحمد زكي بك أن نقدم لقراء الرسالة صورة مما يحدث في ذلك المعهد وإن تكن صورة مقتضبة لأن عمل المصلحة متشعب والصفحات محدودة
مهارة الصانع
قال الدكتور محمد سعيد سليم رئيس قسم تحليل مواد البناء في مصلحة الكيمياء:
(نقوم بتجاربنا هنا على مواد رخيصة القيمة ولكنها خطيرة المسئولية. فقد يكون ثمن مواد الأسمنت أو الجبس أو المصيص زهيداً، ولكن الخطأ في تقدير قوة مقاومتها يؤدي إلى ضياع كثير من الأنفس والأموال. فتصور عمارة تشيد بالأسمنت المسلح لم يراع في خلط مواده النسب القانونية أو زادت على المخلوط كميات الماء حتى ذاب الأسمنت وسال وبقى الرمل وحده ليسند البناء. فلما تمت العمارة أتى الناس من كل جهات القاهرة ليجدوا فيها السكن الموافق؛ فلما نقلوا أثاثهم ونظموا غرفهم ثقل وزنهم على قوة مقاومة تماسك الرمل وقليل الأسمنت فسقطت السقوف وقتلت البنين والبنات، وترملت الأزواج والزوجات)
ثم وضع الدكتور قالباً مصنوعاً من الأسمنت المسلح بين فكي آلة ليختبر قوة الشد الذي تتحمله البوصة المكعبة منه؛ ثم فتح صنبوراً تساقطت منه كرات من الرصاص في وعاء يقع ضغطه على ذراع يجذب أحد أطراف قالب الأسمنت إلى أعلى بينما الطرف الأ ثابت. وبعد برهة انكسر قالب الأسمنت وفي الوقت نفسه هبط ثقل الرصاص على يد معدنية وقفت تساقط كرات الرصاص في الوعاء. فلما وزن الوعاء ومحتوياته قال: (البوصة المكعبة من هذا المخلوط تتحمل شداً قدره 620 رطلاً)
وأثبت في جدول أمامه رقم القالب وقوة مقاومته فلاحظت أنه القالب السادس فأوضح ذلك قائلاً: إننا نتبع في اختباراتنا عدة تجارب من نفس النوع وعلى نفس المادة ثم نأخذ متوسط النتائج، فلا يخفى عليك ما ليد الصانع من تأثير على متانة البناء. بل يمكنك أن تلاحظ اختلاف الصناعة من هذه العينات الست التي قام بها عامل واحد وهي مخلوطة من مادة واحدة، فأنت ترى أنها تختلف بين 530 رطلاً و620 رطلاً. ويرجع هذا الاختلاف إلى عنايته ببعض النماذج ثم قلة هذه العناية في غيرها بسبب تعب يده أو سرعته. ولكن في البلاد التي تقوم بعملية صب العينات آلات حركاتها منتظمة تظهر النتائج للعينات المتماثلة ثابتة
معمل الأمة والحكومة
ومصلحة الكيمياء في مقرها الجديد بشارع الملكة نازلي معمل أبحاث يختبر كل المواد من حيث مدى صلاحيتها للعمل، كما يقرر المواصفات التي يجب توفرها في تلك المواد حتى تكون متينة التركيب فتتحمل الاستعمال مدة طويلة. وكذلك يجب أن تكون رخيصة حرصاً على أموال الحكومة. ففي معمل القاهرة (للمصلحة معامل أخرى في الإسكندرية) تختبر جميع مواد المناقصات ويوضع الحد الأدنى لقبول متانة المواد. فإذا أرادت إحدى المصالح أن تعلن عن مناقصة وضعت المبادئ المطلوبة ثم تركت لمصلحة الكيمياء مهمة بحثها وقبول العطاءات التي يتوافر فيها الرخص والمتانة معاً. فهذه المصلحة هي في الواقع معمل الدولة وقريباً تصبح معمل الأمة أيضاً. إذ أن التوسع الحديث في مبانيها أتاح لموظفيها أن يزيدوا ميدان عملهم فسمح للجمهور أن يطلب إلى المصلحة اختبار المواد التي يريدها بأجر زهيد
والعمل الأساسي لهذا المعمل هو اختبار المواد والمنتجات في أي شكل من أشكالها وتعيين مدى صلاحيتها وتركيبها الكيميائي. وهي بهذا تراقب بطريق غير مباشر تنفيذ عقود الحكومة مع مقاوليها في بناء عماراتها أو مورديها عندما يبيعون للحكومة أو لإحدى مصالحها بعض المنتجات الصناعية أو الزراعية أو الكيميائية من أي صنف كانت؛ فعندما تطرح مناقصة في السوق يتقدم التجار بعينات وبأثمان الوحدات التي تتخذها الحكومة قاعدة لمعاملاتها فتتولى المصلحة اختبار تلك المواد وتحديد نوعها ثم تشير بقبول أحد العطاءات
فإذا بدأت العملية الثانية وورد المتعهد منتجاته فعلى المصلحة أن تختبر تلك المواد الموردة لترى إذا كانت مطابقة للعينات الأولى أم أدخل عليها تعديل أو غش. فإن الغش في المسائل الصناعية كثير وخطير ويعرض أموال الدولة وأرواح أفرادها للضياع
ثمانية معامل
ومصلحة الكيمياء ليست مجموعة من المكاتب يجلس خلفها عدد من الموظفين بل هي عدة معامل يقوم فيها الأخصائيون بمختلف التجارب العلمية اللازمة لاختبار المواد التي نستعملها في حياتنا العامة. وتتكون المصلحة من ثمانية معامل أولها لاختبار مواد البناء من أحجار وملاط؛ والثاني خاص بالمنسوجات على اختلاف أنواعها وبه فرع لفحص متانة الورق؛ وقسم ثالث لفحص الأصباغ بأنواعها؛ واختص قسم رابع بفحص الزيوت النباتية والمواد التي تدخل فيه كصناعة الصابون والشمع والجليسرين. ويمتاز معمل المعادن بما يحتويه من أفران ترتفع حرارتها إلى درجة عالية تكفي لصهر أي معدن. وهذه الأفران مصنوعة من مواد تمنع نفوذ الحرارة إلى باقي أجزاء الحجرة. ففي استطاعتك أن تجلس إلى جوار الفرن دون أن تشعر بأن حرارته 500 أو 600 درجة مئوية. واختبار المعادن مسألة دقيقة فمنها الثمين ومنها الرخيص ووسائل الغش فيها كثيرة
ولمواد الوقود قسمان: أحدهما خاص باختبار المواد السائلة كالنفط والبنزين، والثاني خاص بالمواد الصلبة كالفحم. وقد انضم إلى معمل القاهرة أخيراً معمل الدخان الذي كان في الإسكندرية ويقوم بعمل الأبحاث اللازمة لفحص المنتجات، سواء أكان لمعرفة جودتها وصلاحيتها أم لإجابة مصلحة الجمارك إلى طلباتها.
بين المخبار والمجهر
ويمكن تلخيص عمليات الفحص التي تتبع في هذا المعمل بتقسيمها إلى ثلاثة أنواع وهي التحليل الكيميائي والميكروسكوبي والاختبار الطبيعي. ويكاد النوع الأول يسود جميع غرف المعمل فلم أدخل غرفة واحدة إلا شاهدت فيها أنابيب الاختبار وزجاجات المواد الكيميائية. فإن الفحص الكيميائي يبين تركيب المواد فينكشف ما فيها من مواد غريبة ضارة. فإذا قدم لنا البائع قطعة قماش وقال إنها صوف نقي يمكننا أن نعرف مقدار صحة كلامه بأن نضع قطعة من هذا القماش في صودا بدرجة 5 % ثم نغليها على النار فيذوب كل الصوف. فإذا كان القماش يحتوي أي مادة غريبة كالقطن مثلاً فإنها تبقى، وبعملية حسابية بسيطة يمكننا أن نعرف كمية القطن الموجودة في القماش.
ويستعمل التحليل الميكروسكوبي غالباً في قسمي المنسوجات والزيوت النباتية. فالفحص تحت المجهر يمكننا أن نعرف عدد الخيوط في البوصة المربعة فيحدد الفاحص طول البوصة على القماش ثم يضعه تحت المجهر الذي أعد لتسهيل هذه العملية الدقيقة ويقدر أخصائيو المصلحة عدد خيوط القماش الجيد بخمسين فتلة في البوصة سواء أكان ذلك في اللحمة أم في السدى.
وبالمجهر أيضاً يمكننا أن نعرف نوع النسيج إذا كان قطنيَّاً أو صوفيَّاً أو تيليَّاً فلكل فتلة مميزاتها، ففتلة القطن معتدلة بينما فتلة التيل ملتوية إلى غير ذلك من الصفات التي درسها الأخصائيون وشاهدوها في اختباراتهم وتجاربهم
وإذا مر الضوء في سائل فإنه ينكسر بزاوية خاصة تسمى معامل الانكسار ولذلك تختبر الزيوت بمراقبة معامل انكسار الضوء فيها داخل مجهر خاص قسمت زواياه بطرقة خاصة تبين معامل انكساره وبالتالي توضح جودة الزيت أو رداءته
شد وضغط وتماسك
وللتحليل الطبيعي عدة طرق يختبر بواسطتها قوة مقاومة المادة للطبيعة، ويكاد هذا النوع يسيطر على كل الاختبارات في معامل مصلحة الكيمياء. فمواد البناء مثلاً تتعرض في الطبيعة للشد والضغط والتماسك، ولذلك يجب أن تختبر من هذه النواحي الثلاث. وقوة التماسك من العوامل المهمة في تقدير صلاحية مواد البناء. فالأسمنت تبعاً للمبادئ المعمول بها في المصلحة يجب أن يبدأ تماسكه بعد نصف ساعة من بنائه، وأن يتم بعد عشرة ساعات. ويقول الفنيون إن كمية الماء التي تخلط بالأسمنت لا يجوز أن تزيد على 8 % من حجم المخلوط وإلا ضعفت قوة مقاومة الأسمنت وسالت مواده فتركت المخلوط رملاً وزلطاً فقط
وتتأثر الملابس بأشعة الشمس، ولذلك تختبر المصلحة تأثير هذه الأشعة على القماش فتعرض جزءاً منه مدة 5 إلى 7 أيام تبعاً لحالة الجو ثم تلاحظ ما يبدو عليها من تغيير. وتؤثر الرطوبة على المنسوجات فتقوى القماش وتزيد ثقله، ولذلك يحتفظ قسم المنسوجات بغرفة لها درجة رطوبة ثابتة. فلاختبار عينات من القماش تبيت العينة ليلة في تلك الغرفة لتأخذ درجة رطوبتها. ووزن القماش من الاختبارات المهمة فقد يكون عدد الفتل كبيراً ولكنها رفيعة ضعيفة. وتعتبر البفتة السمراء جيدة إذا كان وزن الياردة المربعة منها 160 جراماً وقوة الشد على طولها أو عرضها 350 رطلاً
ويعتبر زيت النفط (البترول) من أحسن أنواع الوقود ويكفي جرام واحد منه لإنتاج 10 آلاف كالورى وهو الوحدة المستعملة لرفع درجة حرارة جرام واحد درجة واحدة سنتيجراد. ويمكن غش النفط بإضافة المازوت أو النفط الوسخ إليه. ويمتاز البترول عن الفحم الحجري بأن الأخير يترك رماداً. ولذلك يضع قسم الوقود أكبر كمية يمكن قبولها للرماد في الفحم وهي 5 % وهو يتأثر أيضاً بالرطوبة ولذلك يجب ألا تزيد درجة رطوبته على 5 % وتختبر مواد الوقود بمعرفة القيم الحرارية الناتجة من المادة
ثلاث أنابيب
ويلاحظ الزائر لهذه المعامل ثلاث أنابيب ملونة تسير في جميع الغرف تقريباً. فأما الأنبوبة البيضاء فهي خاصة بتوصيل الهواء المضغوط إلى أجهزة خاصة تحضر فيها الغازات. فإذا أريد تنقية المكان من هذا الغاز فتحت هذه الأنبوبة فطردت الغازات الغريبة وتستطيع هذه الأنبوبة أيضاً أن تقدم لمن يشاء هواء نقياً
الأنبوبة الحمراء خاصة بغاز الاستصباح الذي يشعل في التجارب المختلفة وقد صنع من اللون الأحمر ليكون إنذاراً للعمال على أنها أنبوبة خطرة. والأنبوبة الثالثة خضراء وهي خاصة بالماء. ويسيطر على هذه الأنابيب عدة محابس كما أن استعمال أنبوبتي الهواء أو الغاز يضاء له مصباح أحمر إلى جوارهما
وللمصلحة مكتبة كبيرة فخمة على أحدث طراز يتبع أمينها أسهل الوسائل لتبسيط إجراءات البحث عن المراجع المطلوبة وصرفها. وقد استعمل لذلك تنظيم الكتب على أحدث طريقة أمريكية، فرتب فهارس الكتب في لوحات طويلة من الحديد مما يسهل على الباحث العثور على كتابه بسرعة. والمجلات هي أكثر المجلدات الموجودة في المكتبة. فإن العلم سريع التجدد والتغير. ولذلك كان الاطلاع على المجلات العلمية الدورية خير من الكتب للباحث المطلع
فوزي جبر الشتوي