الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 311/العالم يتطلع إلى حدودنا المصرية

مجلة الرسالة/العدد 311/العالم يتطلع إلى حدودنا المصرية

مجلة الرسالة - العدد 311
العالم يتطلع إلى حدودنا المصرية
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 19 - 06 - 1939


أربعون يوماً في الصحراء الغربية

للأستاذ عبد الله حبيب

- 5 -

تحدث المحرر في مقالاته السابقة عن طريف مشاهداته في الصحراء الغربية ووصف بعض صفات الأعراب وأخلاقهم وطرق معيشتهم. وهو في هذا المقال يتحدث إلى القراء عن (مرسى مطروح) عاصمة الصحراء الغربية حديثاً طريفاً

مرسى مطروح

هي ميناء صغيرة تحمي مدخلها من أمواج البحر الأبيض صخور طبيعية في وسها مدخل صغير يسمح بمرور البواخر العادية الحجم. ومن الصعب على البواخر دخول الميناء في أوقات العواصف والأنواء. وحول الميناء عدد من البحيرات يفصل بينها حاجز رملي بسيط لا يلبث أن يطغي عليه البحر فيملأ هذه البحيرات بمياهه. وهناك على رابية مرتفعة شرقي الميناء تقع طابية أثرية قديمة يغلب أنها من العهد الروماني. ثم حولها الأتراك إلى طابية تركية وجعلت أخيراً حصناً منيعاً للدفاع عن الميناء، وكان ذلك في سنة 1926

ومرسى مطروح بلدة قديمة كان للتجارة فيها شأن عظيم وازدهرت في عهد الرومان وكانت تشتهر بتصدير الشعير والإسفنج والبلح والأغنام، وقد شيدت الملكة كليوبطرة قصراً فخماً بها. وكانت تقيم فيه مع القيصر أنطونيوس. ومنه كانت تدبر حركة جيوشها في مصلحة الأخير ضد أغسطس الذي أقام بها بعد موقعة أكتيوم.

كذلك كانت لمرسى مطروح شهرة ذائعة في عهد اليونان أيام حكم اسكندر الأكبر المقدوني؛ وكانت تسمى في ذلك الحين (برننيوم) كما كان بعض القدماء يسمونها (أمونية) ويغلب أنهم أطلقوا عليها هذا الاسم نظراً إلى أنها كانت بداية الطريق الموصلة إلى سيوة حيث يوجد معبد الإله أمون ويسمي (جوبتره أمون) ويقال إن الإسكندر حين قام برحلته الشهيرة لزيارة هذا المعبد في سيوة والتبرك به ابتدأ من هذه المدينة

وفي الأيام الأخيرة قرر الإمبراطور (جوستنيان) تحصينها وجعلها نقطة أمامية في خ الدفاع عن القطر المصري إذا هوجم من الجهة الغربية. على أنه يغلب أن يكون الحصن المقام بها والسابق ذكره يرجع إلى عهد هذا الإمبراطور. ويظهر أن التاريخ يعيد نفسه، فقد كانت أيضاً نقطة دفاع مهمة في السنة الماضية وفي هذه السنة ضد الهجوم الإيطالي المتوقع من الجهة الغربية

وليست هناك في الواقع آثار يمكن الاستدلال منها على مركز مرسى مطروح قديماً وما كان لها من الأهمية في العصور السابقة. والظاهر أن البحيرة الممتدة غرب الميناء الحالي هي التي كانت مستعملة قديماً للرومان واليونان وهي بحيرة منيعة. ولا تزال بها آثار رصيف حجري يقع على مقربة من طرفها الشرقي

وبالقرب من موقع جامع البلدة الجديدة توجد آثار بناء قديم به بعض النقوش. ولهذا البناء ممر (نفق) تحت الأرض يصل إلى شاطئ البحر، ويسمى هذا البناء (فيلا كليوبطرة) وأحياناً (حمام كيلوبطرة)

أما البحيرات الشرقية من الميناء فيوجد بها بعض درجات صخرية قديمة توصل من الشاطئ إلى شرفة من الصخور المطلة على البحيرة، ولا يعرف تاريخها بالضبط، وفي نهاية هذه البحيرة من الجهة الشرقية أقام بنك مصر ملاحة كبيرة معطلة للآن عن العمل. وفي جنوب البلدة سلسلة من التلال المرتفعة بها عدد من الكهوف الصخرية يظهر أنها كانت مستعملة كمقابر وعلى مقربة منها برج مرتفع يشرف على البلدة جميعها وبجواره سلسلة مواقع حربية حصينة.

البلدة الحديثة

أما البلدة الحديثة فمشيدة بنظام هندسي بديع على أرض مستوية يقع أمامها البحر، وسلسلة صخور. وإلى الخلف سلسلة من المرتفعات الحصينة الصخرية وبها محافظة الصحراء الغربية، وهي مركز تجاري عظيم للقوافل بينها وبين سيوة، وبها سنترال عام للمواصلات الخارجية، وهي آخر محطة في الخط الحديدي الواصل من الإسكندرية. وبها فنادق حديثة. ويعتبر فندق (الليدو) من فنادق الدرجة الأولى إذ أن كل غرفة فيه مجهزة بحمام للمياه الساخنة والباردة. وأما شاطئ البحر الرملي اللامع فيعد من أحسن شواطئ العالم جمالاً وهدوءاً، بل إنه يضارع شاطئ الريفيرا نفسه. وقد أصبحت البلدة الآن محطة عظيمة للطائرات المحلية والأجنبية، وهي من أحسن الأمكنة لقضاء صيف هادئ جميل

وسكانها من العرب والمهاجرين من الطرابلسيين واليونان، ومنازلها مبنية كلها بالحجر على نظام حديث

المياه العذبة

ومشكلة المياه العذبة في مرسى مطروح من المشاكل الدقيقة. وكان الرومان يحفرون خزانات صخرية عند منحدرات التلال تملأ بمياه الأمطار في وقت الشتاء. وتوجد بالبلدة عدة آبار، ولكنها غير عذبة تماماً؛ ويشرب منها الأهلون والحيوانات. على أنه يمكن الحصول على المياه العذبة إذا حفر الإنسان قليلاً بالقرب من الشاطئ. ويزرع الأهلون بعض الحدائق من مياه هذه الآبار وترسل المياه النيلية من الإسكندرية على بواخر مصلحة السواحل

أما الآبار الرومانية الشهيرة فتقع على بعد 12 كيلومتراً تقريباً من البلدة، وهي آبار عجيبة جداً، إذ هي عبارة عن نفق صخري طويل تسير فيه المياه وطوله عظيم ويمكن للإنسان أن يسير فيه مسافات طويلة تحت الأرض، وله فتحات محفورة في الصخور لإدخال النور وتسهيل تنظيفه. والمياه فيه وفيرة، وقد استغلها الجيش البريطاني في الحركة الأخيرة عام 1926 فركب عليها آلات خاصة ومواسير تصل بها المياه إلى مرسى مطروح، ولا تزال بها حتى الآن، ومنها تمد البلدة بالمياه بسهولة جداً

صيد الإسفنج

صناعة صيد الإسفنج في مرسى مطروح قديمة يرجع تاريخها إلى عدة قرون ويعتبر إسفنجها من أحسن الأنواع في العالم. ويبدأ فصل الصيد من شهر مايو إلى أكتوبر سنوياً حيث تزدحم مياه البحيرات في الميناء بأسطول عظيم من مراكب الصيد كلها من اليونان. أما طريقة الصيد هناك فغريبة وخطرة إذ يغطس الصياد بثقل من الأحجار ويذهب كثيرون منهم في بعض الأحيان ضحية لهجوم وحوش البحر. ويقدر محصول الإسفنج سنوياً بآلاف الجنيهات. أما الصيادون أنفسهم فأكثرهم من سكان الجزائر اليونانية، وهم قوم أتقياء جداً وقد بنوا كنيسة بالبلدة، ولهم قساوسة. وأظن أن هذه الكنيسة هي الوحيدة في الصحراء الغربية.

عبد الله حبيب

-