الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 31/من الصميم

مجلة الرسالة/العدد 31/من الصميم

بتاريخ: 05 - 02 - 1934


يا أختاه. . .

إلى الفتاة المصرية:

صحراء الحياة موحشة يا أختاه، تشيع في شعابها المخاوف وتتحفز على هضابها الوحوش، وتكمن في كهوفها الحتوف، وتحوم في سمائها العقبان. . .

ومرحلة الجهاد طويلة. . .

ونحن المدلجين في صحراء الجهاد ينقصها رفاق يحملون عنا بعض ما ننوء به حتى لا يأخذ منا الياس، ويحملون أمامنا المشاعل حتى لا نأخذ على غير الطريق.

نحن بحمد الله أقوياء ما سلبنا الألم الأمل وان طال وغلا، وما غلبنا اليأس على بعد الشقة واتصال المشقة. . . ولكن:

إذا الحمل الثقيل توازعته ... أكف القوم هان على الرقاب

في عنقك الجميل دين يا أختاه، وعلى عطفك الرقيق تبعة هائلة؛

إن كنت تؤمنين بحق الوطن فاستعدي لتعدي لمصر جيلا جديدا أمينا على الميثاق، متينا بالأخلاق قويا لا يهاب في سبيل مصر الموت، مؤمنا لا يرتاب في حق بلاده وصدق جهاده.

إن كنت أما: فعلمي طفلك الدين أولا، ثم حدثيه عن مصر، اقرئي له صحف المجد الأولى، صحف أجداده من سادة الزمان، وقادة العالم وشادة الهرم، لقنيه تاريخ الأبطال فربما نفعت الذكرى، حديثه عن (مصطفى كامل) المجاهد المؤمن الشاب كيف جاهد ولما يتخط العشرين فتداولته الوان العسف وتناولته ضروب الإرهاق، فلم يصرفه ذلك عن السبيل ولم يصدفه عن الغاية، حدثيه عن (محمد فريد) كيف ضحى في سبيل مصر بالمنصب والراحة والصحة والمال وكيف مات غريبا واهتفي معه: لتحيى الضحية!

فإذا فرغت من تاريخ إشراق النهضة فحدثيه عن انبثاق الثورة ففيها من روائع آيات التضحية وبدائع صفحات الوطنية ما يهز نفوس المخلصين فخرا، ويحفز نفوس الناكصين في طريق المجد. . هناك (سعد زغلول) حمل الراية في أعصب الظروف وقد تساقط من حولها المجاهدون وكان له في مناهضة الاحتلال ومعارضة أهله جولات لا يزال يذكره الذاكرون.

وشيء آخر أحب أن تلفتي نظر بنيك إليه:

في الألزاس واللورين نوعان من (الشيكولات) أحدهما مر والآخر حلو، والوالدة تبدأ فتعطي لطفلها المر منهما، فإذا بكى أفهمته أن هذه ألمانيا. . . سبب هذه المرارة ثم أعقبت فأعطته القطعة، الحلوة فيصفو ويبسم فتفهمه أن هذه فرنسا. . حلوة كهذه القطعة، هنا قياس طرفه الثاني محذوف للظروف فاستخلصي منه النتيجة والحكمة والموعظة إن كنت مدرسة.

فرسالتك مهمة، ومجالك متسع، وأثرك بعيد، وخطرك شديد، ودورك يبتدئ. حيث ينتهي دور الأم: لقد أعدت لك التربة، ومهدت لك منها ما جفا فاغرسي فيها الأصول الطيبة بالموعظة الحسنة والقدوة الحسنة، علمي تلميذتك كيف تفني في الحق وتغضب للكرامة وتثور للوطن وتستشهد في العقيدة والواجب في أسماء بنت أبي بكر يوم ساقت ابنها عبد الله إلى الموت، وفي الخنساء يوم فقدت بنيها الأربعة، وفي المرأة الإسبرطية يوم صرخت في ولدها الجندي (عد بترسك أو محمولا عليه) في كل أولئك صور من الفناء في الحق والواجب. . وأخيرا: ملاحظة لست أرفع القلم دون أن أثبتها.

قابلت في قطار الصعيد فتاة مدرسة في القاهرة ومعها طالبات لا تقل صغراهن عن ست عشرة سنة فاتصلت بيننا أسباب الحديث وتشققت نواحيه، فكان من رأيهن جميعا أن المرأة لا تقع في الذكاء والعقل دون الرجل، وزادت المدرسة أنه يجب أن يباح للمرأة من الحريات والأعمال ما يتاح للرجل، وكنت أعتقد أن هذا لا يخرج عن كونه نقاشا ومكابرة! وراعني ان تخرج المدرسة (علبة سجائرها) أمام طالباتها وتقدم لي سيجارا!! أفي هذه الوجوه وحدها تطلبين المساواة؟ أنا مسلم يا أختاه أن رسالة المرأة في الحياة لا تقل أهمية عن رسالة الرجل، ولكن كل ميسر لما خلق له، ولو شاء ربك لجعل الناس جنسا واحدا رجالا أو نساء، ولكنه خلق المرأة لتكون كالظل يسكن إليها المجهود، فيجد في أحضانها مقيلا ينسى فيه لفحات الشقاء وسفعات الحياة. . . لتكون كالشاطئ يعود إليه الملاح بعد اضطراب الموج وثورة الزوابع. لم يخلقها لتحترف التنس والجولف. خلقها لتزين العش لا لتوزع وقتها بين الحدائق والزيارات والسينما. خلقها لتشارك الرجل في السراء والضراء لا لترهقه من أمره عسرا. خلقها لتعد بنفسها أبناءها، لا لتتركهم لعناية الخدم والمربيات. . . تلك يا أختاه رسالة المرأة، أما ما عدا ذلك فباطل.

محمود البكري القلنصاوي