مجلة الرسالة/العدد 309/الرَّجع البعيد
→ نقل الأديب | مجلة الرسالة - العدد 309 الرَّجع البعيد [[مؤلف:|]] |
ترانيم وتسابيح ← |
بتاريخ: 05 - 06 - 1939 |
للأستاذ محمود الخفيف
إيه قَيْثارتي تَغِّني. . . أعيدي ... لحْن ماضِيَّ واشتَكي من جديدِ
جَدَّدَتِ جدَّةُ الزَّمانُ هيامِي ... وأثارَ الرَّبيعُ ذِكرَى عُهودي
رَدِّدي في الغنَاءِ أحلامَ أمسِي ... عَلَّ في الذكرَياتِ رَوحاً لنفسي
جدَّدي اللحن كم خدعتُ فُؤادي ... بِسَرَابٍ من المُنى والتَّأسِّي
هَدْهدِي مُوجعاً صحافي الضلوع ... وهفا اليوم بعدَ طولِ الهجوعِ
راح يَسْتافُ في الرُّبوعِ نَسيماً ... في شَذاهُ عهود تلك الرُّبوعِ!
أتَسَلَّى يَا وَيْلَتَا بِغِنائِي ... ومن الدَّاءِ أسْتمِدُّ دَوَائِي!
لُذْتُ بالوَهمِ والتَّجمُّلِ حيناً ... لمْ أُصِبْ فيهِما أَقَلَّ شِفَاءِ
ما لهَذي الملاعبِ الخُضر تُوحِي ... خطَرات أغرَقْن في الوهم روحي
كُنَّ بالأمس والمُنى نَضِرات ... مبعث السحر والهوى والطموحِ
ضقت بالروض أنقل الخطو وحدي ... بين زَهْرٍ به وَضَاحِكِ وَرْدِ
صوَرٌ في الضُّحى يَزِدْنَ عذابي ... وَمعانٍ يُثِرْن كامن وَجدِي!
خَيَّلَتْ جنَّتي لقلْبِي الشريد ... وَحْشة البِيدِ في القَفار المَديدِ
وغَدَا لَحْنِيَ المُرَدَّدُ فِيها ... بعد موْت المُنى كرَجْعٍ بَعيدِ!
يا بناتِ الهَدِيل رَدِّدْنَ لحْنِي ... وخُذِي الشوْق والتفجُّع عِّني
أنا أشْجى بُكاً وأصدَق وَجْداً ... وأَفُوقُ الهَدِيلَ زَوْعةَ فنِّ
يا صِحابِي لا تُنكروا اليوم سَجعي ... أتَمَّنى لو كان قَلْبِيَ طَوْعِي
سأُسَرِّي عن مُهجتِي يا رِفاقي ... ساعةَ الشوْق ثمَّ أحبِسُ دَمعي
ساعة الشوق؟ فيم يا نفس شوْقي؟ ... تَعِب القلب بين يَأسٍ وَخفقِِ
حسبك اليوم من زمانك ذِكرَى قَبضةُ الدَّهر غيرَها ليس تُبقِي
أينَ من كنتُ لا أرى لوُجودِي ... أملاً دونَها وأيْنَ عُهُودِي؟
أينَ أيَّامِيَ التي ذُقْتُ فِيها ... فوق هذا الثَّرَى نَعيمَ الخُلودِ؟
هَجَرَت أيْكها الحَمامَة عَجْلَى ... فذَوَى الأيْكُ والرَّبيعُ تَولّى أَوحش الروض واستحالت قتادا ... زَهراتٌ عدِ مْن في الهجر طَلاّ
زَهَراتٌ نجيعُ قلبي كَساها ... رَوْعةَ السحر والوَفاءُ سَقاها
نَبَتَت وَهْيَ طفلة فَرَعتْها ... وَشبَبْنا فأَوْدَعَتْها شذاها
صرَّحت وهْي غَضَّة زَهراتي ... قبل أن ينطوي رَبيعُ الحياةِ
كم يَغيظُ الفؤادَ قَوْلٌ مُعادٌ ... كلّ حُسْنٍ مصيره للِممات!
الصباحُ النَّدِيّ يُوحِي البُكاَء ... والأصيلُ الرَّخِيُّ يَحكِي الفَناَء
ولريحِ المَساءِ حَوْلِيَ نَوْحٌ ... لم يُطِقْ مِسْمَعِي له إصغاَء!
الربيعُ الضحوكِ عيدٌ لغيْرِي ... أبطَلت فيه وحْشتي كلِ سحرِ!
لا الأغانِي به أغانِي رَبِيعِي ... لا ولا العِطر فيه سالف عطرِي
كل حُسنٍ به يُلذِّعُ قلبِي ... وهْوَ بالأمس كان فِتنةَ لُبِّي
أرأيتَ اليتيمَ في يومِ عِيدٍ ... حائرَ الدمّع بين حبس وسكبِ؟
فَرحةُ العيدِ في وجوه الصحابِ ... حوله كم تُذيقُهُ من عَذابِ
يَتأَذَّى، فإن تَغَابَى لَدْيهم ... لَبِسَ الذّل كله في التَّغابي!
عرَف اليُتمُ وَهْو غِرٌّ جفاني ... ودهاني من يُتمهِ ما دَهانِي
وتغابَى، يا لَيْتَهُ ما تغابَى ... ثُمَّ نادَاهُ أمسُهُ فَعصانِي!
الخفيف