مجلة الرسالة/العدد 306/سوانح طائفة!
→ (النيل) نعسان. . . | مجلة الرسالة - العدد 306 سوانح طائفة! [[مؤلف:|]] |
أمنية ← |
بتاريخ: 15 - 05 - 1939 |
للأستاذ أحمد فتحي
قضيت بالشعر من دنياي أوطارى ... طوبَى لدنياي أو طوبى لأشعاري
هذا البيان، وعندي تبْر معْدِنه ... أدَّى إلى المجدِ معياراً، بمعيارِ
يا للرَّوائع، كم تجلو عوارِفُها ... ليلَ الحوادثِ عن صُبْح وأنوار
ودِدت أدرك من شعري وحكمته ... ما غابَ عن فِطنتي في غيب أستار
قَلّبْتُ فيه وجوهَ الرأي أجْمَعها ... وطالَ في البحثِ تَجوالي وتَسياري
ثم انثنَيت إلى نفسي أسائِلها ... هل يكسونَّ البيان الهيكل العاري
وما انتفاعُ أخي الأشعار عاليةً ... بصاغة الحمدِ، من حَشد وسُمَّار
وليس كالهاتِفِ المصغِي، وإن خَلقَتْ ... ديباجتاهُ، ولا كالكاتِبِ القاري!
ألست بالصائغ الشعر الذي هتفتْ ... به المواكبُ في ساحٍ ومِضمار
ماذا أفَدْت بأشعاري ورَوعتِها ... سوى عُلالةِ تخليدٍ لآثاري؟!
وما الخلود بميْسور لعارِيَة. . . ... غير الخسيسين من ترب وأحجار
ماذا أصابَ امرؤ القيسِ الذي عرفوا ... من عَبْقَرِيَّتِهِ مأثورَ أخبار؟!
غَنَّت بآياته الأجيال واسْتبقتْ ... تُزْجى له الحمدَ في مَوروث أسفار
ولاتَ حينَ ثناءٍ ليس يَسَمعُهُ ... إلا الذي صاغَهُ من جود مَكاّر!
فِيمَ الثناءُ على الموتَى، أتمْنحُهم ... دُرَّ المدائح، قنطاراً، بقنطار؟
وهل يَردُّ عليهمٍ طيب عيشِهمو ... طِيبُ الثناءِ، إذا وافَى بمقدار؟
يا ضيعةَ الشعر، إن لم تَمْتلئْ يَدُهُ ... بدرهمٍ، يكفُلُ الدنيا، ودينار
يا هاتِفَ الوحيِ أقْصِرْ زِدْتَنا شَجَناً ... وهْجِتَ بَرْحَ الجوَى، من بَرْح تَذْكار
ما حيلةُ الشعر في قوم إذا حشَدوا ... في أهلِهِ كلَّ طبَّال وزمَّار؟!
حِمَى البيانِ استباحوهُ، وكان له ... محض التجلة في قُدس وإكبار
قضُوا بذّلته في الأرض وانبعثوا ... يستأثرون بغاياتٍ وأوطار
إني لأبْصره هَيمان مَّطرَحاً. . ... يشكو الجنايةَ من إيذاءِ أغرار
مُرَوِّعاً تترامَى الكارثاتُ به. . ... وتَبْتَلِيهُ بزلزالٍ وإعصار بضاعةً تهبطُ الأسواق كاسدةً ... لا بائعٌ رابحٌ فيها، ولا شارِ
وكان بالأمس أغْلى ما يُعزُّ به ... مَجدُ القبائلِ، في بيدٍ وأمصار
يُعِلى ويُدِنى، كما شاَءت رغائبُه ... رفعاً وخَفضاً، لأقدارٍ، وأقدار
يَبني ويهدِم دنيا الخلق من عَجبٍ ... كأنه قُدْرة في كفِّ جبَّار!
ويرزُقُ الناسَ دنيا من فواضلِهِ ... فيحاَء، تُزَهى بجنَّات وأنْهار
إذا تَبسَّمَ فالأكوان باسِمةٌ ... كأنها الروضُ في إشراقِ آذار
وإن تَجَهَّمَ فالأيامُ عابِسةٌ ... نكراءُ تَرْمِى بأكدارٍ وأوضار
فما لِدولته دالَت، ومال بها ... إلى الحضيض ملام الشانئ الزاري
كأن قومي رأَوْا فضل الجحود على ... أصحابه، فأثابونا بإنْكارِ!
والشعرُ أوْلَى بإعلاءٍ وتكرمَة ... لكن جُزينا على فضلٍ بأصغار!
أم هذه شِرْعةُ الأيام، من سَفهٍ ... تختالُ ما بينَ إقبالٍ وإدبارِ
وقد تعزَّيت عن يومي بأمس، وفي ... غدي القريب رجاءٌ غير مُنُهار!
بني العروبةِ هذا صوتُ شاعركم ... كأنهُ نغمٌ من عزْفِ أوتار
تلمّسوا المثلَ الأعلى لديه، وكم ... يستلهم الحقُّ من آياتِ أشعار
ولا تضيقوا به إن يَرْم غادِيَكمُ ... بموجعٍ من شديدِ القولِ هَدَّار
قد يبلغُ الشعبُ بالآداب ساميةً ... ما ليس يبلغُه بالسيف والنار
دعوكمو من قديم المجدِ، وانتبذوا ... ذاكَ الفَخارَ، بتاريخ وآثار!
المجدُ يحظَى به الساعِي إليه وفي ... جنبيه قلبُ جَليدٍ غير خَوَّارا!
(القاهرة)
أحمد فتحي