الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 304/العالم يتطلع إلى حدودنا المصرية

مجلة الرسالة/العدد 304/العالم يتطلع إلى حدودنا المصرية

مجلة الرسالة - العدد 304
العالم يتطلع إلى حدودنا المصرية
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 01 - 05 - 1939


أربعون يوماً في الصحراء الغربية

للأستاذ عبد الله حبيب

- 1 -

في هذه الأيام يتجاوب البرق في أنحاء العالم بذكر حدود مصر الغربية وتتطلع الدول إلى ما يجري في هذه الحدود من التحصين والاستعداد وتحرك الجيوش من الجانبين: المصري والإيطالي. وقد ارتحل المحرر إلى هذه الأنحاء النائية فقضى بها أربعين يوما، وهو في المقالات يصف الطريقة ويتحدث إلى القراء بأنفع المعلومات في أسلوب سهل موجز

سحر الصحراء

في مثل هذه الأيام من العام الماضي كان الربيع قد أطل على الوجود بوجهه المزدهر الباسم - وفي الربيع تتجاوب الذكريات - فذكرت فيما ذكرت رحلتي الأولى إلى الصحراء الشرقية، وتمثل في خاطري سحر الصحراء وما يلقى المرتحل إليها من عناء هو أحب إلى النفس من الراحة والدعة والاطمئنان

ذكرت رحلتي تلك إلى صحراء سيناء فتطلعت نفسي إلى رحلة ثانية أرتحلها إلى الصحراء الغربية

ومحافظ الصحراء الغربية صديق قديم، وهو من رجال السيف والقلم يمجد الأدب ويحب الأدباء. . . فلتكن رحلتي الثانية إليه. وفي رحابه ومعونته سأجوب الصحراء وأرتاد نجوعها وأنزل على قبائلها، واشرف على هضابها، وأهبط إلى وديانها، وأقطع شعابها ومفاوزها

هتف بي سحر الصحراء ودعاني فلبيت. . .

ولقد كان للعرب من قبل - كالمقريزي والمسعودي واليعقوبي وأبي الفداء وغيرهم - شرف السبق في ارتياد الصحارى واجتياز مجاهلها مستهدفين لأخطارها في وقت لم يعرف عنها غيرهم إلا النذر اليسير؛ وكانت هذه الصحارى - ولا تزال - سراً مجهولاً مهما قال عنها العارفون.

وفي رمال الصحراء المنبسطة، وهدوئها الشامل، وعظمة جبالها الشامخة، وفي صفاء سمائها، وجلال نورها، وفي لياليها الساحرة؛ في هذا، وفي أروع من هذا ما يخلب لب روادها، ويجذبهم إلى ارتيادها، وفيه ما يغري النفس بالتغلب على وعورة طبيعتها ليشعر بعد ذلك بلذة الانتصار والغلبة.

أما ساكنو هذه الصحارى من البدو، وما فطروا عليه من بساطة العيش فإنك حين تخالطهم سر عظمتهم وبعد نظرهم وبساطة حكمهم، وسلامة شرائعهم ومعرفتهم للنجوم، واتجاهاتهم وهبوب الرياح وعلاماتهم وأوقاتها، وتدرك على الجملة سر سيادتهم على هذه الصحارى وجملهم أدلتها.

وفي هذا المقال سأتحدث إلى القراء في كلمات وجيزة عن المعلومات التي على كل مصري معرفتها في وقت يهتم العالم فيه بهذه البقاع التي تقع في داخل حدودنا المصرية

لغة البدو وديانتهم ومعارفهم

يتكلم البدو بلهجة عربية تختلف عن اللهجة الفصيحة اختلافا بسيطاً، ومن السهل أن يتفهمها سكان المدن. وهم يكثرون في كلامهم من ضرب الأمثال. أما ديانتهم فهي الإسلام. لكن القليل منهم من يعرف قواعده. وأكثرهم أميون لا يقرءون ولا يكتبون، ولكنهم يعبرون عن العدد بأصابع اليد، ويعرفون فصول السنة والجهات الأربع، ويجعلون مواعيدهم طلعة الهلال أو طلعة القمر.

لهم رشاقة القد، وخفة الحركة، وجمال العيون، وذكاء النظرة، وسمرة اللون، وقلة شعر العارضين، ودقة الأنف، ولنسائهم ولع شديد بوشم الشفاه، وهو عندهن آية الجمال

تقوم زراعتهم على الأمطار إلا في بعض الواحات وحول الينابيع والآبار، وهم يزرعون الشعير والاذرة والبطيخ والقمح أحياناً، ويصنعون البيوت من شعر الإبل والغنم وكذلك يصنعون منها ملابسهم وخيامهم، ويعتنون بتربية الإبل والخيل والغنم ويستدلونها ويتجرون بها كما يتجرون بالبلح والعجوة وهو محصول النخيل

يسكن البدو خياماً من الشعر يحيكها نساؤهم ويقيمونها على شكل ظهر الثور جاعلين أبوابها نحو الشرق. ويلبس البدوي قميصاً قصيراً فوقه آخر أطول ثم يلبسون فوق ذلك عباءة، وذلك لباس متوسطي الحال منهم، أما الطعام فالشعير والأذرة والقمح والأرز والبلح وما يمزج من الحليب والسمن والدقيق، وهم يحبون أكل اللحم حباً مفرطاً، وقلما يأكلون الأسماك

اشتهر البدو بحب الفضيلة والضيافة والكرم والغزو والنجدة والأخذ بالثأر والشجاعة وعزة النفس والشورى، لكن فقرهم يفقدهم كثيراً من هذه الأخلاق، ويحمل أكثرهم السيوف وهي محدبة وتتحلى أغمادها بالفضة، ويحمل بعضهم البنادق من الطراز القديم، ويحمل رعاة الإبل (الدبوس) وهو عصا قصيرة في رأسها كتلة، أما حليهم فهي العقود من الخرز والفضة ويلبسون خواتم ضخمة من الفضة والقصدير

أما خرافاتهم فكثيرة، وهم يعتقدون في الإصابة بالعين ويعلقون الخرز في رقابهم ورقاب حيواناتهم منعاً للحسد. وليس عندهم من آلات الموسيقى غير الربابة والصفارة والمقرون (الزمارة)؛ وهم يغنون الشعر، وغناء الرقص عندهم يقال له (الدحية) والسامر، أما الدحية فهي أن يقف المغنون صفاً واحداً وبينهم شاعر يرتجل الغناء وأمامهم غادة ترقص بالسيف وهم يرقصون ويرددون ويهزون رؤوسهم يميناً وشمالاً بشكل منتظم. وأما السامر فهو تقريباً مثل الدحية فلا يختلف إلا في أن يقف الرجال على صفين متقابلين وأما كل صف حسناء ومعها سيف للرقص به.

أما القضاء عندهم فموكول إلى قضاة من خواص رجالهم يحكمون بينهم بالعرف والعادة على أوضاع عديدة، وأما محاكمهم فعلى درجات ثلاث، وأحكامهم وشرائعهم لا يمكن حصرها في هذه السطور، فلكل جريمة شريعة خاصة، وتسمى هذه الشرائع بروابط القبائل ومنها شريعة القتل وشريعة الجروح وشريعة النساء وشريعة الإبل

(يتبع)

عبد الله