مجلة الرسالة/العدد 302/من هنا ومن هناك
→ رسالة الفن | مجلة الرسالة - العدد 302 من هنا ومن هناك [[مؤلف:|]] |
البريد الأدبي ← |
بتاريخ: 17 - 04 - 1939 |
عصبة البنادق!!
للكاتب الفرنسي موريس برا
(ملخصة عن البتي باريزيان)
من في العالم يفكر الآن في مجلس عصبة الأمم المسكين وهو معلق من خناقه في جنيف؟
إن عصبة الأمم تضمحل ويتلاشى أثرها إن كان ثمة شيء يحمل هذا الاسم. ولقد تبتسم ونحن نفكر في تلك الشخصيات البارزة التي شغلت ردحاً من الزمن بالعمل المتواصل حول تلك المائدة الخضراء في جنيف!
أجل. يحق للإنسان أن يبتسم، بل يحق له أن يضحك ملء شدقيه لو كان في القلب مكان للضحك!
ما مصيرك بعد نورمبرج يا جنبف؟ إنها لفكاهة مريرة قاسية! ماذا تصنع عصبة الأمم الوديعة أمام أحاديث هتلر المتدفقة بالبلاغة وتصريحاته السياسية الملتهبة التي تدوي في أنحاء العالم؟ إن عصبة الأمم لا تملك غير المداد والكلمات في ميدان جرت فيه أبلغ الأحاديث وظهرت فيه احزم الأفكار وأدق الآراء
إن عصبة الأمم المسكينة قد فقدت اعتبارها - ويا للأسف - بعدِ أن افتقرت إلى الأمم وأعوزتها القوة والنفوذ. ولكننا في هذه الساعة الرهيبة الحالكة الظلام، يصح لنا أن نفكر ونتأمل
ألم يكن الحق مقره جنيف؟ ألم تقم دعامة للسلم في جنيف لمكافحة الحرب، لمكافحة القوة، لمكافحة التسليح الذي يهدد العالم بالخراب؟ أيوجد تدبير أحكم من اتحاد أمم العالم في مجلس قوى منظم لحفظ السلام؟
ألم يكن الخلاص في جنيف؟ ألا يمكن أن يكون الخلاص في جنيف؟!
إنهم يقولون حلم بعيد التحقيق ويضحكون ويقهقهون. ولكن هل من العقل أن نظل كذلك إلى الآن؟
هل من العبث أن نتباحث ومن العقل أن نتحارب؟ هل من العبث أن نبحث عن حلول سلمية عادلة لشئوننا المختلفة، ومن المنطق أن تحكم القنابل في كل ما نختلف فيه من الأمور؟
أمن العبث أن تقدر الضمير الإنساني، ومن العقل أن نقبل حكم المدافع والقنابل بغير تبصر أو تفكير؟
إنها ليست عصبة الأمم التي أفلست. وإنما هي المدنية التي أفلست. . . إنها الإنسانية قد أصبحت (عصبة بنادق). . . وعلى الدنيا السلام. . .
إيطاليا وقناة السويس
بقلم الكاتب الإيطالي ف. بارتو
يقول هيرودتس أبو التاريخ إن العواهل من الحكام الأقدمين كانوا يحملون بقطع تلك البقعة الصغيرة من الأرض التي تفصل خليج العرب الممتد من البحر الجنوبي (البحر الأحمر) عن الخليج الممتد من البحر الشمالي (البحر الأبيض المتوسط) وإلى الآن لم يختلف اثنان في أهمية وصل هذين البحرين
ولقد كان نابليون بونابرت في العصور الحديثة مأخوذاً بهذه الفكرة. . . ولم يكن نابليون بالرجل الذي يعدل عن فكرة اتجِه نظرة إليها، ولكنه عدل عنها تحت تأثير مهندسه (لابير) الذي أكد له أن بين مستوى الماء في البحرين اختلافا عظيما قدّره بتسعة أمتار، وان هذه الفكرة مستحيلة التنفيذ
وفي سنة 1820 حاول جيتانو جاديني الإيطالي أن يفند تلك الفكرة القائلة بوجود اختلاف بين مستوى سطح الماء. وجاء إيطالي آخر يدعى نجرللي فتقدم بأول اقتراح لشق تلك القناة، وبناء على اقتراحه تألفت جماعة الفرنسيين والإيطاليين للبدء في هذا المشروع الذي يعد اعظم مشروع حيوي في ذلك العهد
ولكن أصغ إلى ما قالته إنجلترا في هذا المشروع حين نمى إليها خبره: أعلن لورد بالمرستون في البرلمان الإنجليزي أن أقل ما يمكن أن يقال عن هذا الشروع البعيد التحقيق أنه خرافة لا مثيل لها وتغرير لا حد له بعقول السذج الذين لا عقول لهم. كان ذلك في أول يونية سنة 1859 وفي 6 من نوفمبر 1869 افتتحت القناة، أو الخرافة العظيمة، في موكب حافل مؤلف من ستين مركباً لمختلف الأمم، مقلعة من بورسعيد إلى السويس وهكذا أصبح الطريق ميسراً من أوربا إلى غرب أفريقية
ولقد تبرعت إنجلترا - على غير انتظار - بمبلغ عظيم من المال لتتقدم ذلك الموكب بسفينة عظيمة من سفنها
وقد كتبت التيمس قبل ذلك ببضع سنين تقول: إن هذا المشروع تعترضه مصاعب جمة، وإن إتمامه أمر لا يستطيع أن يتصوره العقل قبل حدوثه. وإذا افترضنا وتمت هذه المعجزة بحال من الأحوال وأصبح مشروع قناة السويس أمراً واقعاً فإننا لا نستطيع إلا أن نعلن أن هذا المشروع يجب أن يكون إنكليزياً قبل كل شيء.
وإذ كانت هذه نظرة الإنجليز للمشروع، وكان هذا مبلغ شكهم في إمكان تحقيقه فإن موقف الفرنسيين أدهى وأمر! فقد اختلسوا من إيطاليا فخر تنفيذه!
إننا نحن الذين أوجدوا المشروع وأذاعوا نبأه في العالم. ولقد كان لنا نصيب وافر في الأحوال التي بذلت في سبيل تنفيذه. وإننا نحن الذين قدموا العمال والصناع للعمل فيه وقمنا بنشر الدعاية اللازمة في الدوائر الاقتصادية المختلفة لمتابعة السير فيه
وكل ما للفرنسيين من الفضل في هذا المشروع هو تقديم المهندس الذي قام بتأسيس القناة وهو المسيو فرديناد دي لسبس الذي كان لحظه صديقاً لسعيد باشا حاكم مصر في ذلك الزمان.
وتظهر قيمة دي لسبس الحقيقية حين هم بإنشاء قناة في بنها مثل قناة السويس وهنا الفضيحة التي لا يجهلها إنسان!
وذلك أن دي لسبس لم يكن له مرشد حينما أراد أن يسير في ذلك الشروع، فلم يكن له سند ولا دليل من الإيطاليين
فقد كان جاتينو جديني الإيطالي هو الذي قام فأثبت خطأ النظرية القائلة بالتفاوت بين ارتفاع سطح المياه، وتجرللي الإيطالي هو الذي قدم تصميم بناء القناة بينما قام بترمو بلوكابا الإيطالي أيضاً بالعمل، وادوادو جوايا الإيطالي الذي قام بالقسط الأوفر في التأسيس، وتوسللي أخيراً الذي دافع عن الفكرة أمام خصومها وأعد حملة من الكتاب والصحفيين لنشر الدعاية لها. . .
ماذا يضايق الإنجليز؟
نشرت مجلة تصدر في برلين مقالاً تحت هذا العنوان نلخصه فيما يأتي:
للإنجليزي مقدرة عجيبة على التضجر ينفرد بها عن سائر الناس. فهو يتعمد أن يدوس على الأقدام عامداً متعمداً ليبدو أنه سيد العالم
فما يضجر الإنجليزي أن تأكل أمامه ونفسك مفتوحة للطعام، وحسبك أن تمضغ لقمة لتكون قد خرجت عن حدود اللياقة والعرف
لا بأس لدى الإنجليزي أن يراك ثملاً، مادمت تستطيع أن تسير في الطريق في هدوء واعتدال،
ويتضايق الإنجليزي إذا جلست معه إلى طعام وأدخلت ملعقة الحساء مثلاً في فمك، فإنه يعد ذلك من علائم الانحطاط وسوء التربية
ومما يضايق الإنجليز أن تدخن وأنت في لباس السهرة - وقد فعل ذلك سفير أمريكا - فقوبل عمله بنقد شديد. وعلى أن هذه العادة أخذت تزول منذ ظهر مستر بلدوين يدخن لأول مرة في لباس السهرة ومما لا يقبله العرف الإنجليزي أن تطلب فتاة أو زوجة حديثة السن للرقص قبل أن تقدم إليك إذا جمعكما منزل واحد
ولا يطيق الإنجليزي أن يراك تتكلم في الفلسفة أو الدين إلا إذا دعاك هو للكلام في هذه الشئون، لأن الإنجليزي يعتقد في نفسه العصمة من كل ما يسبب الضجر للآخرين. وهو يميز نفسه دائماً عن الأجنبي، لأن الأجنبي لا يعرف ما يضايق الإنجليز
وهذا المظهر من عادته أن يجعل الأجانب من رجال السياسة الذين يفدون إلى إنجلترا على حذر في كل ما يأتونه هناك إن لم يكن عندهم شيء من الرصانة والثقة بالنفس
فإذا عرف إنسان ما يضايق الإنجليز في بلادهم، فقد أصبح إنجليزيا في عرفهم مهما تكن جنسيته
وقد نقلت هذه النبذة مجلة إنجليزية تحت عنوان (ماذا يقولون عنا) وعلقت عليها بنبذة من كلام أمرسون عن الخلق الإنجليزي جاء فيها:
(إن الإنجليزي لا يقدم على عمل بنصف قواه، ولكنه يقدم عليه بكل قواه. أنه لا يطيق حياة الرخاوة والكسل بحال من الأحوال. والإنجليز على جانب عظيم من المقدرة في سياستهم وإن شك بعض الحمقى في ذلك
إنني اعتقد أن في الإنجليزي قدرة على تجديد قواه الكامنة في كيانه، وذلك يدل على أن هذه الأمة قادرة على التجديد دائما. وكل شيء يقدر عليه الإنجليزي يفعله بغير تردد)
ونحن نرجو أن تكون هذه المساجلات كل ما يقع بين الأمتين.