مجلة الرسالة/العدد 301/رسالة الفن
→ أطفال الشمس | مجلة الرسالة - العدد 301 رسالة الفن [[مؤلف:|]] |
السيدة ملك. . . ← |
بتاريخ: 10 - 04 - 1939 |
دراسات في الفن
الموسيقى روح ومعان
للأستاذ عزيز احمد فهمي
- أهنئكِ فقد أتقنتِ القهوة اليوم. أين أخوك؟
- ألا تسمعه؟ هو هذا الذي يعزف على العود في الحجرة المجاورة. تعال. . . تعال اسمع تلميذك النابغة
- لعله الدرس الأول هذا الذي يراجعه
- لا. إنه قطع شوطاً بعيداً في دراسة الموسيقى. إنه يتردد على المعهد الملكي منذ سنتين. وهذا الذي يعزفه لحن صاغه هو
- أعوذ بالله!
- مم؟
- من هذا الخبط الذي يخبطه. أي معنى له؟ وأي إحساس فيه؟
- ليس هذا شأني، وإن كان هذا هو رأيي
- نِاديه!
- قيل لي إنك برمت بلحني يا أستاذ، فهل هذا حق أو هي الماكرة تريد أن توقع بيني وبينك الشر؟ على أني أريد أن أحذرك منها فقد ربتها أمها تربية غربية فهي لا تتذوق فننا الشرقي؛ فإذا كانت قد نقدت أمامك موسيقاي فإنما ذلك لأنها أعجمية الحس
- ما شاء الله! منذ متى وأنت تقسم الناس إلى عرب الحس وعجم الحس؟
- منذ دخلت معهد الموسيقى وعلمت أن للشرق موسيقى ينقسم المقام فيها إلى أربعة أرباع بينما لا ينقسم المقام في الموسيقى الغربية إلا إلى نصفين
- أعظم بهذا علماً. أفما كنت تدريه من قبل وأنت تعلم أن في حروفنا العربية (قافاً) و (عيناً) و (حاء) عدمها الغربيون وأن عندنا ستة عشر بحراً من بحور الشعر لها مجزوءات لا تصل إلى عددها أوزان الشعر الغربي. . .
- ولكن هذين الفرقين لا صلة لهما بالحس، فالشعر فيه من المعاني والأخيلة والأحاسيس ما يصلح للترجمة، فإذا ترجم إلى لغة غير العربية راع أهلها جماله وليس لهم بعد ذلك شأن بقافاته وحاءاته ولا أوزانه وضروبه. . .
- وهل تحسب الموسيقى أعصى على العقل والحس من الشعر؟ إنها أسلس منه قياداً لأنها تتجرد مما يغل الشعر من الألفاظ والكلمات، فهي لغة النفس التي يفهمها الناس على اختلاف ألسنتهم. . هي اللسان الذي لم يتبلبل. . والذي لا يحتاج إلى ترجمة
- إذن فلماذا لا يطرب الغربيون لموسيقانا؟
- أو لا تطرب أنت لموسيقاهم؟ أو لا يستسيغ المصريون والشرقيون هذه الألحان الغربية التي يدسها بعض الملحنين المصريين في ألحانهم؟
- بلى!
- أتعرف لماذا؟ لأن هذه الموسيقى الغربية موسيقى. . . وعليك بعد ذلك أن تسأل نفسك ومعهدك لماذا لا يستسيغ الغربيون موسيقانا. . . فإذا تعجلت الجواب فهو عندي.
- هاته
- لأن موسيقانا ليست موسيقى. . .
- كلها؟
- لا. أستغفر الله فإن عندنا موسيقى لن تعرفها أنت وأضرابك الصغار إلا يوم يكف المعهد عن الموسيقى.
- وما هي هذه الموسيقى. . . أظن أمك تناديك يا أختاه. . .
- لماذا كذبت عليها وأخرجتها. . .
- لأني بدأت أشعر أنك ستهاجمني هجوماً عنيفاً. وأنا لا أطيق أن أتردى فريسة بين مخالب منطقك أمام ابتسامتها الساخرة الشامتة. والآن هاهي ذي قد خرجت فماذا تريد أن تقول؟
- أريد الآن أن تجيب عما سأوجهه إليك من الأسئلة.
- سل ما شئت.
- ما هو التعريف الذي اتفقنا على أن نحدد به معنى الأدب؟ - لقد قلنا إن الأدب هو الفن الذي يتجه إلى الحياة بما فيها من مناظر تراها العين، وأصوات تسمعها الأذن. . . واحساسات تشعر بها النفس، وأفكار يدركها العقل
- حسن. وما الذي يجب أن يتوفر في الأديب تبعاً لهذا؟
- قلنا إن الأديب لا بد أن يعيش مفتوح العين ليرى ما يحيط به، مرهف الأذن ليسمع ما يتعالى حوله من أصوات وما يتخافت، مرقرق النفس ليشعر بما يرفرف حوله من البشائر والنذر وبما ينتاب غيره من انفعالات، متحفز العقل ليتلقط ما ينبت حوله من أفكار وليتخطف ما يتطاير في جوه من آراء، فيعبدها نهجاً، وينظمها مسلكا، ويزيد عليها إذا شاء، وينتقص منها إذا أراد، ويبدل منها ويغير ما يحب
- حسن. وما هي الأدوات التي تلزم للأديب في عمله؟
- القلم، والمداد، والورق. فهو ينقش بالقلم المسقي مداداً على الورق حروفاً وكلمات يراعي في كتابتها صحة الهجاء، وصحة التركيب، وجمال التعبير، ثم بلاغته آخر الأمر
- أو لا يمكنك أن تتصوره يعمل بغير هذه الأدوات؟
- أما القلم والمداد والورق فيستطيع الأديب أن يستغني عنها. فقد عرف التاريخ كثيرين من الشعراء الأميين الذين لا يقرءون ولا يكتبون. وأما صحة التركيب وجماله وبلاغته فكلها مما تهدي إليه الإنسان سليقته وفطرته
- فإذا لم يكن الإنسان مفطوراً على الأدب. . . أفما من سبيل لترويضه عليه؟
- قد تكون هناك سبيل، هي التربية. فكثرة القراءة تربي فيه الذوق، وإغراؤه بالنقد يمكنه من تبين المحاسن والكشف عن المساوئ، وإرشاده إلى ما في الحياة من موضوعات صالحة قد يحمله على معالجة بعضها. . . على أنه مهما تعلم ومهما تدرب فإنه لن يثمر كما يثمر الأديب الموهوب أدباً ناضجاً شهياً
- فإذا اكتفى (الأديب (بتعلم القراءة والكتابة، وتاريخ الحروف وتطور أشكالها فماذا يكون؟
- لن يكون أكثر من خطاط!
- يكفيني هذا منك. وعليك منذ اليوم أن تقلع عن الموسيقى فلست منها إلا كالخطاط من الأدب
- لا يا أستاذ. إني أدرس الموسيقى في المعهد الملكي منذ سنتين، وأنا أحفظ عشرين بشرفاً، وعشرة موشحات، وخمسة أدوار، وقد بدأت فلحنت هذه القطعة التي سمعتها اليوم
- ليتك لم تفعل. فأنت اليوم إذ لحنت هذه القطعة كنت كشيخ الكتاب الذي حفظ القرآن ولم يفهمه، والذي حفظ المعلقات السبع ولم يقرأ لها شرحاً ولا تفسيرا، والذي يكتب فلا يخطئ في الهجاء. . . ثم سولت له نفسه بعد ذلك أن يكون شاعراً فصنع كلاماً حسبه شعراً وما هو بالشعر. . . أسمع يا بني. . . إذا كنت تريد أن تلحن فاختبر نفسك أول الأمر وانظر: هل هيأك الله للتلحين؟ فإذا لم يكن قد هيأك له فاعدل عنه يا بني واكتف بالعزف
- ولكني أحب التلحين
- إذن لحن في السر، ولا تطلع أحداً على بليتك
- لا حول ولا قوة إلا بالله. . . ولكن كيف أستطيع أن أعزف إذا كان الله قد هيأني للتلحين أو أنه قد ضن علي بما يؤهلني له؟
- كم هي الحواس التي أنعم الله بها على الإنسان؟
- خمس. . .
- لنفرض هذا جدلاً
- وهل اختلفوا في عدد الحواس أيضاً؟
- وما أشده من خلاف. . . الدنيا تتقدم يا بني وأنتم في معهدكم لا تزالون آخذين بخناق ذلك اليوم الذي أغرى فيه مديركم بالعزف على القانون. . . هم يقولون اليوم يا بني إن للإنسان حاسة سادسة اسمها الحاسة العامة، ويقولون إن له حاسة سابعة هي الحاسة الدينية، ويقولون إن له حاسة ثامنة هي الحاسة الفنية؛ ولكني أقعد بك عند الحواس الخمس فلست أريد أن أتعب نفسي كثيراً معك. . . والآن لعلك تعرف أن كل حاسة من الحواس الخمس تشغل المخ بما يؤثر فيها إذ تنقل إليه ما انتابها من الأثر. . .
- أعلم هذا فقد درسته في علم النفس. . .
- في المدرسة لا في المعهد طبعاً. . . أريدك الآن أن تتخيل نفسك وقد وقفت في ميدان إبراهيم باشا خمس دقائق. . . فما الذي ترى أن نفسك أو (مخك) قد اشتغل به. . .؟
- تمثال إبراهيم باشا. المتاجر الكثيرة. المشارب العامة والجالسون فيها. المارون في الطريق وأخصهم الحسان. السيارات الرشيقة. الدواب المتعبة - كفى كفى. . . لو أنهم سألوك هذا السؤال حين أردت أن تدخل المعهد فأجبت هذه الإجابة، وكانوا يعلمون، إذن لوفروا عليك جهدك ولأنبأوك بأنك فاشل في الموسيقى، فاشل، فاشل. . .
- عجباً. . . وما دخل ميدان إبراهيم باشا وما فيه من مركبات ومتاجر. . . في المعهد والموسيقى. . .
- أسمع يا بني. . . لو أنك راجعت ما سردته على مما يشغلك وأنت في ميدان إبراهيم باشا لرأيت أنك لم تحص غير منظورات تراها العين، وأنك حتى حين أحصيت السيارات وصفتها بأنها رشيقة وهو وصف فيما أظن ينصب على شكلها وحركتها ولا ينتبه إلى صوتها ولا يلتفت إليه. . . وهذا يدل على أن نفسك تطل على الحياة من عينيك لا من أذنيك. . . والموسيقى يا بني يستطيع أن يعمى وأن ينتج، ولكنه لا يقوى على الإنتاج إذا صمت أذناه
- وما رأيك في بتهوفن الذي كان يلحن وهو أصم؟
- إن الصمم لم يدركه إلا على كبر بعد أن اختزن في نفسه من صور الأصوات وخيالاتها ما جعله بعد صممه مادة لفنه؛ ولو أنه ولد وهو أصم لما استطاع أن يتكلم فما بالك بالموسيقى والتلحين. . . هل سمعت أبكم يغني. . . أو هل رأيت أعمى يرسم؟ الفنون يا بني ليست شيئاً غير تركيب (الخامات) التي تحصل عليها النفس وتأليفها تأليفاً منسقاً
- وما هي هذه (الخامات) التي تحصل عليها النفس؟
- هي الأحاسيس والانفعالات التي توصلها الحواس إلى المخ. هذه هي المنظورات، والمسموعات، والمشمومات، والمذوقات، والملموسات، والمدركات. . . تستقر في النفس مختلف عددها، وصاحب الفن يؤلف منها فنه. . . فإذا كانت نفسه تتلقى بطبعها منظورات أكثر من المسموعات فهو أصلح للرسم منه للموسيقى؛ وإذا كانت نفسه ترحب بالمدركات المعنوية المجردة أكثر مما ترحب بغيرها فهو أصلح للفلسفة والأدب العقلي؛ وإذا كان الله قد منحه قوة في أنفه فهو يشم ويميز الروائح أكثر من غيره كان أصلح الناس لإنتاج الروائح العطرية وتأليفها، وأظنك لا تنكر على أصحاب الروائح الجميلة أنهم كأصحاب الألحان الجميلة، فهم الذين يلهمهم ذوقهم إضافة البنفسج بنسبة خاصة، إلى الليمون بنسبة خاصة، إلى الورد بنسبة خاصة فيخرجون بعد ذلك رائحة تطيب للغواني وعشاقهن
- ما هذا؟ لقد فتحت ليّ باباً لم أكن أحسب أنه مسلك إلى الفن. . .
- ولا مسلك غيره يا بني. . . ولا يمكنك أن تخطو في سبيل الفن خطوة واحدة حتى تعبر هذا المدخل. . .
- فإذا عبرناه وأردنا أن نخطو في سبيل الموسيقى الخطوة الأولى فكيف نخطوها؟
- كما خطونا في دراسة الأدب الخطوة الأولى. فكل صوت في الموسيقى يشبه الحرف في الكلام، والنغمة تعادل الكلمة، ومجموعة النغمات تعادل العبارة أو الجملة وهي التي تسمونها في معهدكم (فرازا) وهي كلمة إيطالية معناها (عبارة) ولكنكم قد لا تعلمون هذا. . . ومجموعة العبارات الموسيقية هذه يتألف منها اللحن الذي نسمي ضريبه في الأدب موضوعاً، وفي الرسم صورة. وموضوع الأدب تقرأه فتخرج منه إما بفكرة وإما بعاطفة وإما بشيء من هذه الأشياء التي اتفقنا على أن الأدب يعالجها. واللحن، أو الموضوع الموسيقي، إذا لم يؤد ما يؤديه الموضوع الأدبي لم يكن شيئاً. وأنت إذا لم تستطع أن تعبر بلحنك عن عاطفة أو فكرة أو صورة صوتية لم تكن موسيقياً، وكان من الخير لك - كما كررت عليك - أن تقلع عن الموسيقى
- لم أفهم شيئاً
- لأنك من تلاميذ معهد الموسيقى. اسمع مرة أخرى. في الطبيعة موضوعات تصلح مادة للأدب، وفيها موضوعات تصلح مادة للرقص (وهي الموضوعات الحركية) وفيها موضوعات تصلح مادة للموسيقى. . وهكذا. . . أما الموضوعات التي تصلح للأدب فقد تعرفناها، وأما الموضوعات التي تصلح للرسم فلعلك تعرف أنها هذه الأشكال وهذه الألوان التي تراها العيون فينقلها الرسام الجامد نقلاً أميناً، ويلفقها الرسام المهندس تلفيقاً جديداً، ويؤلف منها الرسام ذو الروح، والفكرة، والعاطفة موضوعاً ذا أشكال وألوان يعبر بها عن فكرته وعاطفته. . . والأمر في الموسيقى لا يختلف عن هذا. . . فأصلها مأخوذ من أصوات الطبيعة، فأهون الموسيقيين هو من يقلد صوت البلبل، وحفيف الشجر، واصطخاب الموج، وقصف الرعد، وهزيم الريح. . . كل صوت على حدة. وأشد منه تمكناً من الفن هو الذي يجمع هذه الأصوات في موضوع صوتي أو في لحن كما تسميه.
وهناك من الموسيقيين ملحنون اجتماعيون يصفون بألحانهم بيئات الناس المختلفة وطوائفهم المتباينة، ومن الموسيقيين مزخرفون نقاشون يرصون الأنغام بعضها إلى بعض في أسلوب هندسي يلذ للأذن فيطرب النفس ولكنه لا يحمل إليها معنى من المعاني، وليس يشبه هؤلاء أحد في الأدباء إلا إذا كان هناك أدباء يرصون الألفاظ رصاً جميلاً لا يهمهم بعده ما يحملون هذه الألفاظ والجمل من المعاني والاهتزازات النفسية. . . وإنما لهؤلاء أشباه في الرسامين الذين ينظمون الخطوط مربعات ومخمسات ومسدسات ودوائر وقطاعات في نظام جميل ترتاح له العين ومن ورائها ترتاح النفس وإن لم يكن لرسومهم معنى. فأي واحد من هؤلاء أنت؟
- أنا لم أسمع بهذا من قبل. . . وأرجو أن توضحه لي بأمثلة
- لا بأس. هل سمعت في معهد الموسيقى بسيد درويش؟
- نعم وأحفظ له دور (أنا هويت)
- ولا شيء غير (أنا هويت). إنهم يخفون عنكم سيد درويش لأنهم لو أظهروكم عليه لنفرتم منهم. . . ولكني لا أظن ذلك أيضاً. . . فأغلب الظن أنهم لا يعرفونه. . . كما أنك لا تعرفه إلا كما قد تعرف محمد عثمان. فأدوار سيد درويش على ما تحررت من قيود الصناعة فإنها لا تزال مقيدة بنهج (الدور)؛ فإذا أردت أن تعرف ذلك الرجل الذي هو المثل الكامل للموسيقي المصري فعليك أن تسمع مسرحياته. ففي هذه المسرحيات ترى أغلب هذه الألوان الموسيقية التي حدثتك عنها، ففيها ألحان عرض فيها سيد درويش العواطف والنزعات النفسية المختلفة فكانت هذه العواطف موضوعات ألحانه؛ وفيها ألحان كانت موضوعاتها الطبيعية الجامدة فصور فيها الرياض والجنان، والصحاري والبحار؛ وفيها أيضاً ألحان كانت موضوعاتها البيئات الاجتماعية المختلفة للمصريين وغير المصريين. وأما زخارفه الموسيقية فتلمسها في موشحاته وأدواره على الرغم من أنه لم يستطع أن يكبت إذ صاغها روحه فخرج بها عن تقاليدها القديمة ونفث فيها من الحياة ما قربها من الموسيقى التمثيلية وإن استبقى لها اتجاهها الزخرفي الهندسي. وذلك لأنه كان موسيقياً له وراء الأذن الحساسة المرهفة نفسٌ حساسة مرهفة، وعقل ذكي حاد
- إذن فما الذي تريدني أن اصنعه حتى أكون موسيقياً خالقاً ما دمت أشعر في نفسي الميل إلى الموسيقى؟
- أما أنت فإني يائس منك. ولكن الذي يريد أن يكون موسيقياً مبتدعاً فعليه أول الأمر أن يسمع الدنيا، ثم عليه أن يشعر بها، ثم عليه بعد ذلك أن يحاول التعبير عن شعوره بالموسيقى؛ فإذا اهتم بنقد غيره ممن سبقوه إلى التعبير عن أنفسهم بها فإنه قد يبدأ إنتاجه الفني مقلداً ثم لا يلبث حتى يتميز بطابع خاص به في موسيقاه
- وهل للملحن أيضاً طابع خاص كالأديب؟
- وهل في الدنيا صاحب فن خلاق وليس له طابع خاص به إلا في مصر حيث يباح السطو والترقيع؟!
- الآن كأني بأهل المعهد لا يعلموننا شيئاً. . . فهم لا ينهجون في تربيتنا الموسيقية هذا النهج. . .
- أستغفر الله. إنكم تتعلمون العزف فيما أظن كما يتعلمون الكتابة والقراءة في الكتاتيب. . . ويكفي معهدكم فخراً أن به آلات كثيرة مختلفة الأشكال متباينة الأصوات. . . وهو في فخره بهذا كمدرسة الفنون الجميلة العليا عندما تفخر بأن فيها مجموعة كبيرة من ألوان الماء، وألوان الزيت، وألوان الرصاص. . . دعنا الآن من هذا واتل عليّ موضوع الإنشاء الذي اتفقنا على أن نكتبه
- أرجو أن تسمح لي بسؤال قبل أن أقرأ الموضوع
- سل ما شئت
- هب أنك مدرس في معهد الموسيقى وأنك أردت أن تضع أسئلة امتحان الدبلوم للطلبة فكيف كنت تضعها. .؟
- كما أضع لك أسئلة الأدب كل عام. فليست الموسيقى إلا أدب الأذن. . .
- أرجو أن تملي عليّ بعض هذه الأسئلة لأحاول الإجابة عنها. . .
- لا بأس. . . أكتب:
1 - صف باللحن قرية مصرية عند الفجر، أو حبيبين التقيا بعد غيبة طويلة
2 - صف باللحن جماعة من الفلاحين في الحقل
3 - ضع لحناً يصور أسرة تودع فتاها الذاهب إلى الحرب 4 - أنقد موشحة (منيتي عز اصطباري) لسيد درويش ووازن بينها وبين موشحة (طاف محبوبي) لكامل الخلعي
5 - أذكر تاريخ حياة موسيقي مصري، واذكر العوامل الاجتماعية والطبيعية والدراسية والاقتصادية والعاطفية التي أثرت في موسيقاه، موضحاً إجابتك مع الشرح بالأمثلة
6 - ما الفرق بين الموسيقى التمثيلية والموسيقى الزخرفية، ومن من الموسيقيين المصريين الأحياء تراه ينهج النهج الأول ومن منهم تراه ينهج النهج الثاني؟
7 - سمعت لأول مرة دور (إمتي الهوى ييجي سوا) وسمعت لأول مرة مونولوج (يا غائباً عن عيوني) فأدركت أن الأول من تلحين زكريا أحمد، وأن الثاني من تلحين محمد القصبجي فكيف استطعت الوصول إلى هذا الحكم؟
8 - ما هي العيوب التي تلاحظها في موسيقى عبد الوهاب أنقد أغنيته المعروفة (بلبل حيران) مع الإشارة إلى أصولها في الموسيقى الشرقية والغربية
9 - وازن بين عصري عبده الحامولي وسيد درويش مبيناً أثر كل عصر من هذين العصرين في موسيقى كل من هذين الملحنين
10 - ما هي الميزات التي كان يمتاز بها سلامة حجازي من حيث الصوت ومن حيث الفن، وما هي الميزات التي يمتاز بها محمود صبح من حيث الفن فقط؟
. . . وأخيراً فإنك تستطيع يا بني أن تضع بعد هذه الأسئلة وأشباهها أسئلة مما يدور حول الصناعة والآلات. . . وأنا أجهل هذا ولكنهم يعرفونه عندكم في المعهد. . .
- وهم في المعهد لا يعرفون شيئاً مما تقول. . .
- الله وحده يعلم أينا أدرى بالموسيقى!
عزيز أحمد فهمي
خريج كلية الآداب ومعهد التربية العالي