الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 299/المسرح والسينما

مجلة الرسالة/العدد 299/المسرح والسينما

مجلة الرسالة - العدد 299
المسرح والسينما
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 27 - 03 - 1939


على هامش الفنون

المسارح القومية في النرويج

نقرأ في الصحف التي تعنى بالدراسات المسرحية العالية أنباء شتى عن المسارح المعروفة كما نقبل مشغوفين على دراسة آدابها؛ ولذلك ليس بالعجيب أن نسمع أن جمهرة قراء الصحف المصرية ونقاد المسرح ودعاة هذا الفن وهم كثيرون يعرفون - إن لم يكن عن دراسة - حركات التطور الفكري في المسرح الإنجليزي وحب الفرنسيين للمسرحيات الاستعراضية الراقصة في الوقت الذي يفضل فيه الألمان (الأوبرات الكلاسيكية) وهكذا

ولكن هؤلاء جميعاً لا يعرقون - وقد زحمتهم الصحف بعدد محصور من الأنباء عن مسارح خاصة - أن في العالم مسارح أخرى وآداباً مسرحية عريقة غير تلك التي يعلمون. بل مَنْ من هؤلاء جميعاً يفكر في ترك دراسة المسرحين الإنجليزي والفرنسي - ولو إلى حين - ويعرج على دراسات أخرى أكثر تعمقاً وأنقى فكرة وأرقى فلسفة ثم يأتي بعد ذلك ليطالعنا بدراسة مقارنة؟!

إن الفكرة التي قدمت من أجلها العجالة السابقة لن تجد الأذن السميعة، ولذا أجد نفسي مضطراً لطرق الباب وفق طريقة سبقني إليها غيري في تقدمة المسارح المعروفة إلى جمهرة القراء وجموع المتأدبين آملاً أن يجد دعاة النقد المسرحي في مصر مادة جديدة لهم عند ما يتحدثون عن مسرح جديد بالنسبة إليهم وهو المسرح النرويجي

والنرويج بلاد في طبيعتها ما يساعد على خلق أدب مسرحي يعبر عن البيئة والأفكار التي تجول في رؤوس هذا الشعب الذي يعيش في شبه عزلة عن العالم. بل إن النرويجيين قوم خياليو النزعات ميالون إلى الابتكار الخرافي، ولذا كان لهم مسرح وكانت لهم آداب مسرحية، وفي بلادهم مسرحان قوميان أسسا في أواخر القرن الماضي أحدهم في العاصمة (أوسلو) والثاني في مدينة (برجن)

وقد ظل هذان المسرحان القوميان في عملهما دون أية حاجة إلى مساعدة الحكومة حتى عام 1927 عندما فكر أولو الأمر في مساعدتهما مادياً فأجدت المساعدة وشجعت على إيجاد مؤسسة فنية أخرى هي (المسرح النرويجي) وقبل ظهور الكاتبين النرويجيين هنريك أبسن وبيورنسون لم تكن للمسرح النرويجي أهمية تذكر، وكان محصوراً داخل دائرة خاصة لا صلة تربطها بالحياة الأدبية؛ ولكن ما حل عام 1851 وعين الشاب هنريك أبسن في وظيفة فنية بمسرح (برجن) حتى بدأ المسرح النرويجي عهداً جديداً. فهناك كتب المؤلف الشاب مسرحيته الأولى وما بعدها مفرغا في كل ما كتب تجاريبه الفنية ومعلوماته التي استفادها من عمله، والتي صارت دستوراً لمن أتى بعده لا من كتاب النرويح بل لجميع الكتاب في كل أصقاع العالم

ولعل الظروف التي قيضت هنريك إبسن لخلق مسرح نرويجي جديد لم ترد أن تتركه يناضل وحده فشدت أزره بمؤلف مسرحي آخر ظهر في نفس الوقت هو بيورنسترن بيورنشون. وكان أن ظهر على خشبة المسرح عدد كبير من نوابغ الممثلين والممثلات الذين ساروا جميعاً وفق طريقة تقليدية ظلوا يتوارثونها حتى شهدها الجميع أخيراً عندما احتفلت كبيرة ممثلات النرويج جوهان دايبواد البالغة من العمر سبعين عاماً بيوبيلها الذهبي ونجحت هذه الطريقة نجاحاً كان مثار حسد الشباب الذي قام ينادي مطالباً بالتجديد

ولقد اقترن ظهور ابسن وبيورنسون بنهضة فكرية كانت مؤلفاتهما المسرحية مثارها. وبدأ الشعب يقبل على التمثيل وآدابه كفن ضروري جميل مثل الموسيقى والنحت والتصوير والدراسات الأدبية. . . كما أثبت ظهور هذين الكاتبين أيضاً أن (الدراما) تستطيع أن تحتل مكانة أرفع وتصل إلى مستوى عظيم، ومن هنا نشأت النهضة المسرحية وأقبل الناس على المسرح فظهر نوابغ الممثلين وعظيمات الممثلات، واستحالت بلاد النرويج في العصر الحديث إلى ما يمكننا أن نشبهه بأثينا في عصورها الذهبية القديمة، فلم يكن عسيراً وقد ارتقى كتاب المسرح بإفهام الناس أن تنشأ المسارح القومية وأن تعمل فيها الفرق الأهلية وأن يقبل عليها الشعب مشجعاً مما حفز بعض المهيمنين على المرافق من ذوي المكانة على إغراء الدولة لتضع هذه المسارح تحت رعايتها وتقدم لها المساعدات اللازمة

ولرب سائل يسأل وقد عرف أن للفرقة القومية المصرية برنامجاً تعمل على تنفيذه وإليه يرجع السبب في إنشائها وإن لم تكن قد حققت منه أي شيء. . . وبدوري أسارع فأقول إن للمسارح القومية في بلاد النرويج أغراضاً ترمي إليها، وبرامج من اللازم أن تنفذ ما جاء فيها، وإلا تعرض القائمون بالأمر فيها للمسئوليات الجسام من مادية وأدبية. ولعل أهم ما أنشئت من أجله هذه المسارح هو تمهيد الحقل الفكري لإنتاج أدب الدراما المحلية. ولا بأس في نفس الوقت من إعطاء فكرة عن تطور الأدبيان المسرحية في أمم العالم وعرض صور منها بين قديم وحديث، إلا أن التجاريب دلت على أن البرامج ذات المسرحيات (الكلاسيكية) التي يتكلف إخراجها الشيء الكثير من المال لا تحدث تغييراً محسوساً في الإيرادات ولا ترتفع بالميزانية إلى درجات خطيرة، ومن هنا ظهرت قيمة الشعب الروحية وبرهن جمهور النظارة على أن له رغبة يجب أن تطاع، وأثبت للقائمين بالأمر المسرحي أن بيده توجيه الحركة الفكرية والإنتاج الفني إذ أقبل بكثرة على المسرحية العصرية (والأوبريت) وفضل على الـ (كلاسيك)

وقد أثرت السينما في المسرح النرويجي كما أثرت في نفس الوقت على جميع مسارح العالم؛ وهذا شيء ملموس بطبيعته. ولعل أهم ما فيه هو رخص أسعار دور السينما وتكرار المشاهد فيها وسرعة تغيرها. . . ولكن الأثر الذي أحدثته السينما في العالم المسرحي شيء وما أحدثته في بلاد النرويج شيء آخر، أحدثت ما يمكن أن نسميه بالموقف الغريب إذ لم يسبق أن وفقت الحكومة في أي من دولة من دول العالم مثل الموقف الذي وقفته حكومة النرويج من أزمة المسارح وكسادها بسبب منافسة السينما لها، إذ راحت البلديات النرويجية تساعد بالمال كل مسرح قومي، ولكن هذه المساعدات المتكررة لم تستطع موازنة المالية كما أنها لم تؤثر في الإيراد ولم تصلح الميزانية العامة، الأمر الذي أجبر الحكومة على التنازل للمسارح هناك عن جزء كبير من إيرادات اليانصيب الحكومي، وقد حدث هذا في مستهل عام 1927

والأدب المسرحي النرويجي يكاد يكون الأدب الوحيد الذي يقوم على دعائم قوية معززة، فنراه يطرق السياسة ويحلل أساليبها، ويتحدث عن الاجتماع والإصلاح وينقده، ويطلع الشعب على آراء جديدة في الفلسفة واللاهوت دون أن ينسى السخرية من بعض النظم والرغبة في هدم القديم ليقوم على أنقاضه جديد مدعم البنيان. والنهضة الأدبية المسرحية هناك تقوم على أكتاف الشباب الذين أذكر منهم الكاتب المسرحي الراديكالي: (نورداهل جريج) الذي يحبه الشعب ويعرف فيه ميله إلى السلم وكثرة دعوته إليه في كل كتاباتة، وزميله هلج كروج الذي تشبع بروح الكاتب الايرلندي الساخر برناردشو وحاكاه في كتاباته ونقده اللاذع في الوقت الذي لم يفته فيه أن يخرج للناس مسرحيات قوامها علم النفس الحديث وبعض مشاكل المجتمع

وحدث في عام 1935 أن أرادت الحكومة دراسة حالة المسرح في النرويج فصدر أمر إداري بتعيين لجنة فنية لكتابة تقرير واف عن المسرح ومدى تقدمه وما ينتظر له في مستقبله وأوجه النقص فيه وكيفية إصلاحها. . . وباشرت اللجنة عملها ودرست المسرح النرويجي دراسة وافية، ثم وضعت، ثم وضعت تقريراً لست في حاجة إلى نقله، بل أفضل تلخيصه ليستوعبه أفراد الهيئات الفنية في مصر:

(يجب على الحكومة والمجالس البلدية أن تضاعف قيمة الإعانات التي تقدمها للمسرح القومي كي يستطيع أن ينهض بأعباء الرسالة المقدسة التي اضطلع بها، وكي يشرف الاسم الذي يحمله كما يجب على الحكومة أن تسرع في سن قانون يحدد مركز المسارح ويضمن تغطية نفقاتها. . .)

ورأى هؤلاء الخبراء أن يعمدوا إلى طرق منطقية لترقية المسرح وكان أن اقترحوا ضرورة تعميم الإذاعات الأثيرية من مسرح المملكة كي يسمعها سكان القرى البعيدة فيأخذوا من المسرح فكرة أولية تنمو مع الأيام فتستحيل حباً وإعجاباً.

وبلاد النرويج تكاد تكون الوحيدة بين بلدان العالم التي تعنى بتربية الناشئة تربية ثقافية فنية، فتراهم يلقنون الطفل في المدرسة حب المسرح وذلك الخلق جيل جديد يتفهم الرسالة المسرحية، ويعمل مخلصاً على رفعة المسرح القومي فأنشئوا للأطفال (الجماعات التمثيلية المدرسة) وشجعوا الطفل على ارتياد المسارح بأجور زهيدة حتى إذا شب علق بهذا الفن وأصبح يرى في إحدى ضروريات الحياة.

والممثل في النرويج يعيش في بحبوحة من الرزق لأنه يتبع النظم ويسير وفق القانون وينفذ بنود العقد المرتبط به، ولا يخل بشرط منها مهما كانت الأسباب قوية واضحة. إنهم هناك يحترمون العقود ويقدسون إمضاءاتهم على العكس من السادة ممثلينا من فطاحل المسرح المصري الذي نسمع بالواحد منهم وقد موضع إمضاءه على أكثر من عقد وفي أكثر من فرقة

أما أصحاب المسارح هناك فيحبون ممثليهم ويعملون على نصرتهم وجمع شملهم، وتوحيد صفوفهم، وذلك بمساعدتهم على إنشاء النقابات الفنية وإعطاءهم المعاش عند بلوغهم سنا معينة

هذا هو نموذج من المسرح القومي، وتلك لعمري الطرق الفعالة لرفعة هذا الفن الجميل الذي بحت أصوات الكثيرين في مصر من جراء تكرار المناداة بإصلاحه حتى هبت الحكومة من غفوتها ولبت النداء بأن وكلت أمر أهل الفن إلى من لا علاقة لهم بالفن فمات التمثيل، واللجنة العليا لترقيته تعقد الاجتماعات للنهضة به ورفع مستواه!

إبراهيم حسين العقاد

حول مجنون ليلى

كتب محرر الصفحة السينمائية عن مجنون ليلى ما كتب بأسلوب كالسب موجهاً إلي والى الأخوين إبراهيم وبدر لاما قائلاً فيما يخصني من هجومه أنني أحد الذين يؤلفون لصالات الدرجة الثالثة في شارع عماد الدين

وأي ضرر على الكاتب أن يكتب للصحافة أو للمسارح بالأسلوب التجاري الذي يقوم بأود حياته ما دامت كتابته لا تمس جوهر الفن في نفسه.

إني لم أكتب كلمتي هذه متبرماً بنقد ناقد فإني ممن يؤمنون بفائدة النقد وجدواه ولكن على أن يكون نقداً لمجرد النقد لا أن يكون هجوماً لمجرد الهجوم، فحضرة الكاتب لم ير شيئاً حتى يحكم عليه؛ وما يدريه لعلني وأنا لست بذي الاسم الرنان أن أكون قد وفقت في كتابة حوار القصة وأشعارها توفيقاً قد يعجب ويرضي، وكان عليه أن ينتظر حتى يرى الثمرة بعد أن تخرج للناس ثم يحكم عليها بعد ذلك حكمه

السيد زيادة