مجلة الرسالة/العدد 296/استطلاع صحفي
→ الأدب المصري وكيف ننظر إليه | مجلة الرسالة - العدد 296 استطلاع صحفي [[مؤلف:|]] |
رسالة الشعر ← |
بتاريخ: 06 - 03 - 1939 |
في خدمة الفلاح
جولة في المعمل البيطري
(لمندوب الرسالة)
في مصر كثير من أمراض الحيوانات المعدية والوبائية التي تحرم الفلاح كثيراً من ثروته. فأن طبيعة مصر حيث تبدأ حدودها شمالاً في المنطقة المعتدلة وتنتهي جنوباً في المنطقة الحارة، يساعد على نمو الحشرات والميكروبات، بأنواعها وخصوصاً أن نظام الري الحديث يزيد الجو رطوبة.
ويقاوم المعمل أمراض الحيوانات تبعاً للمثل العربي السائر (وداوها بالتي كانت هي الداء) فهو يقضي على المرض باستعمال ميكروبه في الأمصال أو اللقاحات التي ثبت عملياً صلاحيتها أكثر من الأمصال واللقاحات الواردة من الخارج.
مصنع الميكروبات
(التهبت أحشاء هذا الأرنب فمات نتيجة حقنه بدم حصان أردنا أن نتحقق من أنه مات بمرض التسمم الدموي). . . هكذا قال الدكتور زكي محمد وكيل المعمل الباثولوجي للأبحاث الفنية وهو يكشف أمعاء الأرنب ليبين ما أصابها من التهابات. ثم تناول ماصة وغرسها في قلب الأرنب وامتص فيها قليلاً من الدم وزرعه في أنبوبتي اختبار كانتا مغلقتين بسداد من القطن المعقم وتحتوي إحداهما على حساء لحم وتحتوي الأخرى على مادة جيلاتينية تصنع من نبات ياباني اسمه آجاراجار، وبعد أن أعاد السدادتين أحرق سطحهما الخارجي بالنار ليقتل ما قد يكون علق بهما من ميكروبات خارجية
ثم تناول شريحتين من الزجاج نشر عليهما نموذجاً من دم الأرنب، ثم ثبتهما بالكحول استعداداً لصبغهما وفحص النماذج تحت المجهر. وبهذه العملية احتفظ الدكتور بميكروبات المرض حية وميتة. فإن الغرض من وضع نماذج الدم في أنبوبتي الاختبار اللتين تحتويان على أنسب الأوساط الغذائية التي ينمو فيها الميكروب أن ينمو ويتكاثر. وبذلك يسهل الحصول على لقاح واق ضد هذا المرض. والغرض من نشر الدم على شريحتي الزجاج وصبغهما معرفة شكل الميكروب وما طرأ على الدم من تغير
مهمة المعمل
ويقوم المعمل الباثولوجي البيطري بتحضير عدد كبير من المستحضرات البيولوجية المختلفة من أمصال ولقاحات ومواد للتشخيص يمكن باستعمالها علاج بعض أمراض الحيوانات ومكافحتها وتشخيصها. وعلاوة على ذلك فإن المعمل يفحص النماذج المأخوذة من حيوانات مريضة أو نافعة لمعرفة نوع المرض المصابة به ودراسة الميكروبات المختلفة التي ينشأ بسببها كثير من الأمراض الوبائية وبذلك أمكنه أن يحفظ الثروة الحيوانية في القطر المصري من أخطار الأوبئة
والميكروبات هي شغل المعمل الأكبر، وهي مخلوقات دقيقة تكبر ألفاً أو ألفي مرة ليمكن رؤيتها وبعضها لم تره العين ولكن أحست بفعلها الأجسام. وهي تهاجم الحيوان والنبات بأعداد يعجز عن إدراكها الخيال. وأخطر الأمراض المنتشرة في مصر الحمى الفحمية والسل والسفاوة والتتنوس والتسمم الدموي وخناق الخيول والكوليرا. ولذلك فإن مخازن المعمل تحتوي على مقادير كبيرة من مواد المصل والكفاح لإرسالها إلى الجهات التي تطلبها. وقد تمكن المعمل بمساعدة معمل السيرم من إيقاف الطاعون البقري الذي فتك بكثير من الماشية فسبب كثيراً من الخسائر للفلاحين
المصل واللقاح
وقد تمكن المعمل من تحضير أغلب أنواع الأمصال واللقاحات ويتجه التفكير الآن إلى تحضير مصل ولقاح الحمى الفحمية الذي يستورد من الخارج لخطورته، ولأن تجهيزه يحتاج إلى مكان منعزل واحتياطات شديدة. وبتحضير هذه الأمصال واللقاحات فإن المعمل البيطري يوفر على الحكومة كثيراً من المال
ويتعرض المشتغلون بتجهيز هذه المستحضرات للعدوى بتلك الميكروبات، فإن بعض أمراض الحيوانات كالسفاوة والسل والحمى الفحمية يصيب الإنسان أيضاً. وبعضها شديد الخطر فلا ينجو من يصاب به إلا بمعجزة.
ويخطئ كثير من الناس إذ يظنون أن المصل واللقاح شئ واحد. فإن الأول يتكون من أجسام مضادة للميكروبات والغرض من إعطائه للحيوانات إيقاف المرض وعلاجه. وهو يعطي للحيوانات السليمة والمريضة إلا أن جرعته تتضاعف في حالة الحيوانات المريضة. أما اللقاح فيتكون من ميكروب المرض أو سمه مقتولاً أو ضعيفاً والغرض منه وقاية الحيوان مدة طويلة إذ يكون في الجسم مناعة ضد المرض لمدد مختلفة
تحضير المصل واللقاح
ويحضر اللقاح بعزل الميكروب ثم زرعه على أوساط غذائية يضاف إليها بعض الفيتامينات لتكون أكثر مناسبة لحياته وتكاثره. واللقاح عبارة عن الميكروب نفسه أو ما يفرزه من السموم بعد قتلها أو إضعافها بالحرارة أو بالمواد الكيميائية تبعاً لطريقة التحضير
أما الأمصال فتجهز من حقن الخيول أو الأبقار بكميات من الميكروبات أو من سمومها، وتزاد الجرعات بالتدريج حتى يبلغ الحيوان أقصى درجة من المناعة فيفصد جزء من دمه ويفصل منه المصل.
احتياطات شديدة
ولا تتم هذه العمليات بسهولة، ففي كل خطوة يعملها الأخصائي في إعداد هذه المستحضرات، يقوم بعدة عمليات يطهر بها أدواته وأوانيه بحيث يتأكد أن الميكروبات الغريبة لم تصل إلى مستحضره لا بالنقل بالأيدي ولا بالهواء. ولذلك فإن الأواني الزجاجية الفارغة التي يزرع فيها الميكروب تحفظ في أفران تكفي درجة حرارتها لقتل جميع الميكروبات. فإذا أراد الأخصائي في علم الميكروبات أن ينقل الميكروب من أنبوبة إلى أخرى أحرق أداة النقل بالنار قبل أن يضعها في الأنبوبة ثم ينقل الميكروب
عملية دقيقة
وليكون البحث العلمي كاملاً فإن الأعضاء المصابة من الحيوان تؤخذ ويعمل منها قطاعات تثبت على شرائح زجاجية لفحص حالة أنسجة العضو وخلاياه بالمجهر (الميكرسكوب) فبعد أن يفصل العضو من جسم الحيوان تقطع منه أجزاء صغيرة تمرر في محلول فورمالين ثم في كحول لتتخلص مما قد يعلق بها من ماء. ثم توضع في (زيلول) ليطرد ما فيها من كحول وليسهل اتحادها بالشمع إذ توضع في أفران درجة حرارتها 56ْ فيتخلل الشمع الناعم الخلايا وتصبح فراغات العضو ممتلئة بالشمع وعندئذ تصب الكتلة الناتجة في قوالب من الشمع الجاف وتقطع إلى قطاعات صغيرة سمكها أربعة من ألف من الملليمتر
وتؤدي عملية التقطيع بهذا السمك آلة خاصة دقيقة الصنع تحتاج إدارتها إلى مهارة ودراية فإذا تم تحضير القطاعات ثبتت على شرائح زجاجية بالحرارة ثم تصبغ بالصبغات المختلفة ليظهر ما فيها من أنسجة وخلايا وميكروبات وما طرأ عليها من تغييرات يكشفها المجهر
ويحتفظ المعمل في فنائه الخارجي بعدد كبير من الحيوانات كالأرانب والحمام والدجاج والكلاب فيجري عليها تجاربه كحقن الميكروبات فيها أو اختبار فعل المرض في أعضائها أو للتأكد من معرفة الأمراض التي نفق بها أحد الحيوانات الأخرى.
(الشتوي)