الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 293/المسرَح وَالسِينما

مجلة الرسالة/العدد 293/المسرَح وَالسِينما

مجلة الرسالة - العدد 293
المسرَح وَالسِينما
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 13 - 02 - 1939


الفرقة القومية

هل هي في تقدم أم في تأخر أم في ركود؟

لقد ساير الأستاذ توفيق الحكيم الفرقة القومية منذ نشأتها وكانت أولى

مسرحياته، أهل الكهف (حسن طالع) لها، افتتحت بها عملها الفني، وقد

غذى المسرح بروايته الثانية (سر المنتحرة) وله مجالات في فن

القصة تدل على روحه القوي واندفاعاته الجريئة في ارتياد آفاقها

ليتعرف أسرار الحياة وليشرك قارئه معه في الفرح بالحياة أو الاكتئاب

منها.

قلت للأستاذ الحكيم: لقد سايرتَ الفرقة القومية منذ افتتاحها وغذيتها بمسرحياتك، وعاونت مديرها وسندته في مهمته، وها قد مضى على ذلك أربعة أعوام، فهل في وسعك أن تقول هل الفرقة في تقدم أو في تأخر أو في ركود؟ فأجاب:

من يطلع على التقرير الذي وضعه سعادة الدكتور عفيفي باشا وفيه بيان الغرض من إنشاء الفرقة القومية ير أن المقصود من وجود هذه الفرقة ورصد مبلغ كبير من مال الأمة، هو إنشاء دار تحدث نهضة عظيمة تشعر البلاد والجمهور المثقف بها، يكون من شأنها ترقية الفن والأدب المسرحي وحركة الترجمة أيضاً مما يجعل هذه الدار عنواناً تفخر به مصر. لذلك كان المفهوم أن خطة الفرقة سائرة في هذا السبيل، ولكن اتضح مما قدمته في مواسمها العديدة أنها لم تؤد أكثر مما أدته الفرق الأهلية من قبل، بل إن البلاد شعرت بنهضة مسرحية في أول عهد ظهور مسارح جورج أبيض، ورمسيس، وفاطمة رشدي. حيث أخرجت للناس بعد روائع الأدب الغربي المعروفة أمثال عطيل ومكبث وسيرانو دي برجراك وغادة الكاميليا وغيرها، كما أن مسرح الأزبكية كان قد نهض إلى حد ما بالرواية المسرحية الغنائية. وكان المنظور بمجرد ظهور الفرقة القومية بما لها من وفرة المال والممثلين؛ وتعضيد الحكومة أن تتجه بالفن اتجاهاً جديداً، ولكنها خيبت ظن الجمهور، فرواياتها المترجمة هي من سقط متاع الغرب ومن أقلام شبه مجهولة، وكذلك التأليف. كما أن الإخراج والتمثيل ليس لهما قاعدة ثابتة لعدم إسنادهما إلى أيد مختصة مسؤولة عن الإدارة الفنية كما هو الحال في جميع المسارح والسينما المحترمة، وقد وضحت جميع هذه النقط في التقرير الذي كلفت بتقديمه إلى وزارة المعارف.

إذن يمكنني أن أقول إن الفرقة القومية ليست في تقدم كما تدعي هي، بل هي في جمود سيؤدي إلى التأخر ولا شك.

- هل علة هذا الجمود هي الإدارة العامة، أم لجنة القراءة، أم المؤلفون الذين لا يغذون المسرح؟

أعتقد أن المسؤول الوحيد عن سير الفرقة هي الإدارة العامة، وأن لجنة القراءة والمؤلفين ليسو غير وسيلة يتوسل بها المدير للانتفاع بهم في الوصول إلى الغرض الأسمى للفرقة، فلجنة القراءة ليست هي المدير، والمقصود من وجودها إعانة المدير على اختيار الروايات من بين الأكوام التي تقدم إليه. أما المؤلفون فهم على نوعين: مجهول ومشهور، فظهور الأول رهين بالظروف والمصادفات، والمباراة في التأليف هي إحدى الوسائل التي تعجل اكتشافه وتيسر إبراز مواهبه. أما الثاني أي ذلك المؤلف الذي لا تشغله ميادين نشاط أخرى فهو في الغالب لا يمكن أن يقحم نفسه في الفرقة بغير دعوة منها، وفي العالم كله نجد المسارح وشركات السينما هي التي ترسل في طلب المؤلفين المشهورين وتتعاقد معهم. أما قول بعضهم إن كبار المؤلفين يتهيبون الوقوف مع الكتاب الناشئين فغير صحيح، لأن الكاتب المشهور مهما أسفّ فإنه يخرج عملاً له قيمته الفكرية على كل حال، مطبوعاً بطابع شخصيته الأدبية التي عرفها الجمهور ورضى عنها واشتهر من أجلها في مناحي الأدب الأخرى.

- أراك أزحت عن عاتق لجنة القراءة أسباب تأخر الفرقة في حين أن مديرها يقول إنه ينفذ قراراتها، وإن الفرقة لا تمثل إلا الروايات التي تقرها اللجنة.

قلت: إن مهمة لجنة القراءة تصفية المتراكم من الروايات المقدمة للمدير، وليس من شأنها إحداث النشاط الأدبي والفكري اللازمين لحياة الفرقة ورقيها. فليس مثلاً من شأنها البحث عن أمهات الآثار الغربية التي تلائم المزاج المصري فتدفع بها إلى المترجمين، والمقتبسين؛ وليس من شأنها أيضاً أن تتعاقد مع المؤلفين الذين ترى أن مصلحة الفرقة في أن يكتبوا لها؛ وليست هي التي تبحث عن وسائل إخراج هذه الروايات التي يسترعي إخراجها انتباه الجمهور، فكل هذه المسائل من اختصاص مدير الفرقة وحده، وهو إما لكسله أو لعدم تحمسه لإحداث النشاط الفكري والفني المطلوب يحاول أن يلقي تبعة هذا الجمود على لجنة القراءة أو على كبار المؤلفين، وهي في حقيقة الأمر حجة يستتر خلفها تبريراً لما يشعر به من خيبة الأمل التي كانت معقودة على الفرقة.

قلت: أعرف مدى نفوذ أعضاء لجنة القراءة على مدير الفرقة، كما نعرف جميعاً مبلغ تسامح المدير في كل شيء، وحبه للسلام، وبعده عن النضال والجدل الأدبي فهل لك أن تقول بصراحة هل يمكن لأعضاء لجنة القراءة أن يكونوا رجال حكم صحيح في الفن المسرحي والرواية المسرحية، وهل ما جاء في أحاديثهم يدل على أنهم أهل لمساعدة المدير في تحقيق رسالة الفن المسرحي.

فقال: أعتقد أن أسباب نفوذ لجنة القراءة مستمدة من ضعف مدير الفرقة، وأن أسباب ضعف المدير آتية من استئثاره بالعمل والضن على نفسه بمساعدة يستمدها من صاحب دراية ومعرفة، وهو الكسول كما عرفنا، فلو أنه كان يشفع الرواية التي يقدمها إلى اللجنة برأي فني قاطع، ويترك للجنة النظر إلى الرواية من الناحيتين: اللغوية والخلقية، لكانت اللجنة لزمت حدها. ولو أنه ألف لجنة فنية من المخرجين وكبار الممثلين مسؤولة عن نجاح الرواية وعن سقوطها، لكانت الفرقة مشت في طريقها الطبيعي، وقامت كل هيئة بما هو موكول إليها من أعمال. ولو أن الأمور كانت تسير في هذا الطريق وهو الطريق القويم المتبع في فرق التمثيل في العالم، لما كان يضير الفرقة أن تكون لجنة القراءة فيها مؤلفة من شيوخ أو غير شيوخ. وفي الختام أقول لك ولقرائك: سامح الله مدير الفرقة، فقد أبطأ جد الإبطاء في تيسير الأدب المسرحي في سبيله الممهد.

ابن عساكر