مجلة الرسالة/العدد 291/على الشاطئ الحبيب
→ دراسات في الأدب | مجلة الرسالة - العدد 291 على الشاطئ الحبيب [[مؤلف:|]] |
أعلام الأدب ← |
بتاريخ: 30 - 01 - 1939 |
(مهداة إلى الصديق الدكتور أحمد موسى)
للأستاذ محمود الخفيف
كَمْ تَوَقَّفْتُ عِنْدَ شَطِّكَ حِينا
فَمَلأَتَ الفُؤادَ شِعرْاً وَسَحْراً
تَتَمَلّى العُيونُ مِنْكَ جبيناً
من جبين الصباح أَسْطَعُ فَجْرَا
أنتَ أَشَهى طَلاَقَةً وسُكوُناً
وانهلالاً وأنتَ أَجْمَلُ بِشرا
إنّ هذا السكونَ يَغْمُرُ نَفْسي
من لِقْلبِي بِرُقْيةٍ من سُكَونِكْ
من لروحي بِحُسْوَةِ المُتَحَسَّي
مَنْ صَفَاءٍ تذيعُهُ في فُتُونِكْ
ما لهذا الصَّفاءِ يُغْرِقُ حِسَّي
ما أراه إلا أرَقَّ لحُوِنكْ!
ياَ شِرَاعاً لا تَنثْنَيِ عَنْهُ عَيْنِي
كيف يَسْهُو عن سِحْرِهِ مَنْ بَرَاهْ؟
نَامَتْ الفُلْكُ في سَلاَمٍ وَأَمْن
وسَبَى النِّيلَ حُسْنُهاَ وَازدَهَاهْ
فَجَلاَهَا لْلِعِيْنِ فيِ صُورَتَيْنِ
يا لَحُسْن تَهَزُّنِي صُورَنَاْه!
رَاَعنِي ظِلّلهُ وَياَ رُبَّ لَحْنٍ
عَبْقَرِيّ يَرِقُّ عّنْهُ صَدَاْه!
دَقَّ في حُسْنِهِ فَقَصَّرَ فَنِّي
وَبَيَانيِ وَفَاتَ جُهْدِي مَدَاهْ مَنْظَرٌ تَرْكَنُ النْفُوسُ إِلَيْهِ
يَغْرِقُ الَهْمُّ فِي سَنَي رَيْعَانِهْ
يَهْتِفُ القَلْبُ بِاَلجَمَالِ لَدَيْهِ
وَيَفِيضُ الشَّجِيُّ مِنْ تَحْناَنِهْ ... لَمَحَاتُ اَلجمَالِ فيِ إِبَّانِهْ
تَسْكُرُ الرُّوحُ إذ تَرِفُّ عَلَيْهِ ... فَتَوَلّي، فَرَاقَ فيِ نَاظِرَيْهِ
بالسُّلاَفِ الشَّهيِّ مِنْ لَمَعَانِهْ ... مَا جَلاَهُ الَخْيَالُ بَعْدَ أوَانهْ!
يَا لَعَانٍ تَنَازَعتْ أصْغَرَيْهِ ... كُلُّ حُسْنٍ يَرِفُّ فيِ مُقْلَتَيْهِ
فَهْوَ مَا عَاشَ فيِ قَرَارِ جَنَانِهْ
هَكَذَا وَشْيُهُ وَسِحْرُ يديه
خَلَجَاتُ الَجَمَالِ من وجْدَانه
قِفْ عَلَى الشَّطِّ ساَعَةً وَتَأَمَّلْ
منظرَ النيلِ في سكونِ المسَاءِ
اجْتَلِ الحُسْنَ مِلْءَ عينيك وانْهَلْ
من صَفَاءٍ يُنسِيكَ كُلَّ صَفَاءِ
إيه يا نيلُ كَمْ يطوف بِقَلْبِي
عِنْدَ مرآكَ من بَهِيِّ المَعَانيِ
إن كبا الشِّعْرُ دونَهُنَّ فَحَسْبِي
أن أَرانيِ مُسَبِّحاً من بَياني
إيه يا نيلُ كَمْ بَنَيْتَ حَيَاةً
وَصَحِبْتَ الزَّمَانَ فيِ خَطَرَاتك
قَدْ نَبَتنْاَ على ثَرَاكَ نباتا
وطَعِمْناَ اْلجَنِيَّ مِنْ ثمراتِكْ
لا تري الأرضُ ما حَللْتَ مواتا
إذ تسير الحياةُ في خُطُوَاتك
أنْتَ أجْرَيْتَهُ شَهيِّاً فُرَاتاً كُلُّ حَيٍّ أَنفْاَسُهُ مِنْ فُرَاتِك!
يا أَخا الدَّهْرِ كَمْ وَلَدْتَ بُنَاةً
مَن عَلَى الأَرْضِ سَابِقٌ لِبنُاَتِكْ؟
إِن تكن قَدْ عَدِمْتَ حيناً رواةً
إن هذا الترابَ خَيْرُ رُوَاتِكْ
بشرُ واديك يقظَةً وَسُباتاً
أي شَئ أحلى لهُ من سباتك؟
الخفيف