مجلة الرسالة/العدد 290/كهربائية باستعمال العين الكهربائية؛ وقد أمكنني أن
→ استطعت في سنة 1931 لأسباب خاصة بدراسة | مجلة الرسالة - العدد 290 كهربائية باستعمال العين الكهربائية؛ وقد أمكنني أن [[مؤلف:|]] |
رسالة الفن ← |
بتاريخ: 23 - 01 - 1939 |
أسجل فعلاً هذه الحوادث وأمثالها على ورق حساس
وفي العام الماضي توصلت لوضع طريقة لمعرفة وتسجيل منسوب النيل وعمق النيل وكمية الطمي المحمولة بمياهه مهما كان بعد المنطقة المراد دراستها عن مكتب رئيسي بالقاهرة مثلاً، وقد اشترك معي في هذا البحث العام الماضي روبير بيروه مخترع البالون المتقدم الذكر
هذه أمثلة مما بلغه اليوم العلم التجريبي وما أصبح عليه من قوة
ولا يقتصر العلم التجريبي اليوم على دراسة المظاهر الطبيعية أو على اختراع الأجهزة. بل يضع هذه المظاهر تحت عوامل وظروف جديدة. مثلاً نسلط على الماء تياراً كهربائياً فنحلله إلى عنصريه الأوكسجين والأيدروجين فنخلع عن الماء برقعه، وبعد أن كان يظهر للعين كأنه مادة واحدة يتضح أنه مركب من غازين، ونستقصي طبيعة الكهرباء وحقيقتها بأن نجعلها تخترق أنبوبة مفرغة من الهواء، ونضع سماداً في الأرض أو طبقة جديدة من طمي النيل ونرى أي العاملين أكبر أثراً على نبات الموسم القادم. ونُغير ري الأرض، وكمية الماء ونرى تأثر ذلك على محصول الفاكهة
وهكذا بتعديل متعمد للظروف الطبيعية وتغيير في العوامل المؤثرة على الظاهرة التي يراد دراستها تزيد معرفتنا لحقائق الأشياء بدرجة عظيمة ونتعلم نتائج جديدة لا سبيل لمعرفتها بانتظار الأيام والظروف. وهذا ما نسميه في العلم التجريبي الدراسة النوعية على أن أهم ما في العلم التجريبي هو الدراسة المقياسية كلنا يعلم أنه لتقليل حجم غاز مثلاً يجب أن نضغطه ولكن الباحث يريد أن يعرف القانون الكمي الخاص بهذا التغيير وتراه عندما ينتهي من وضع هذا القانون الذي يربط الحجم بالضغط يعتبر الحرارة كعامل ثالث فيضع قانوناً أعمم للثلاثة عوامل الحجم والضغط والحرارة - كذلك يدرسون عدديا العلاقة بين التيار الكهربائي والضغط الكهربائي في الأنابيب المضخمة في محطات الاستقبال المستعملة في الراديو وهكذا أمث وإنما نذكر ذلك لما للدراسة الكمية والعددية من أثر في الاكتشاف فإنها لا تؤدي في بعض الأحيان لدراسة الظاهرة التي يراد دراستها فقط بل تؤدي إلى اكتشاف ظواهر جديدة كان لا يقصد الباحث اكتشافها. وطبيعي أني سألجأ في كتاباتي لسرد أمثلة من هذه الاكتشافات التي كان بعضها وليد الصدفة والتي قدمت معارفنا لحد كبير
أما المنبع الرابع للعلماء المشتغلين فهو التعمق العقلي في حقائق الأشياء تعمقا زاد لدرجة قصوى في العلوم الحديثة، وقد أصبحنا لا نكتفي اليوم بأن نكتشف القوانين وندعها منفردة بل نجمعها في قوانين قليلة بحيث أنه بأقل الفروض نحاول أن نفهم عددا كبيرا من الحقائق. ولعل القانون النيوتني للجاذبية خير مثل أقدمه، فهو قانون يجمع في معادلة واحدة قوانين كوبرنيك وجاليليو وكبلير وهو الذي تناوله أخيراً إينشتناين باعتبارات جديدة وجديرة أن نتحدث عنها في المقالات القادمة.
ومن السهل أن ندرك الآن أنه بمثل هذه المنابع الأربعة يصل العلماء إلى نتائج تختلف عن النتائج التي نصل لها بتجاربنا اليومية ومن هنا اختلفت صورة العالم عن الصورة التي رسمتها لنا حياتنا العادية.
فإذا ذكرنا الحركة البرونية ذكرنا بران ونجد اسم أنيشتاين بجانب النسبية والكتلة، ولا يمكن أن نذكر الإلكترون دون أن نقرنه بأسماء ولسون والدوق موريس دي بروي ومليكان واستون دمبلر وأخيراً شيخ العلماء تومسون وإذا ذكرنا البلورات ذكرنا دباي وبراج وشيرر ولوي وإذا وصلنا للنشاط الإشعاعي وجهنا التحية لبكارل ومدام كيري ورثرفورد، جيجر وسودي، وفي الأثوم يذكرنا دواماً وثرفورد وبوهر وسمرفيلد الكبير وستارك وزيمان وبولي، وفي الحرارة النوعية نكرر أسماء إينشتاين ودباي ولندمان، وفي التبادل الضوئي الكهربائي نحيي مرة أخرى العالم إينشتاين ومليكان وموريس دي يروي وهنت
وفي علاقة المغناطيس ونظرية الكم تكاتف الكثيرون مما لا يسع المجال ذكر أسمائهم جميعا، وأخيراً تم بناء آخر مرحلة نعرفها للهيكل الطبيعي بل تم آخر طلاء للصورة الجديدة بعملين كبيرين.
الأول الميكانيكا الموجبة وما توحي به من فكرة جديدة لمؤسسها لويس بروي ثم شرودنجر وهايزنبرج وبورن وجاردان وديراك. الثاني الإحصاء الجديد لواضعيه بوز وفرمي، والأخير حاز جائزة نوبل في ديسمبر الماضي
هؤلاء هم بناؤا الهيكل الجديد للعالم الذي سأستعرضه للقارئ ما استطعت بالرجوع لأصول الاكتشافات نفسها وتبسيط الموضوع ما أمكن، وسأبذل كل ما أستطيعه من مجهود لنتجول معا في العالم الجديد ولنفهم الصورة الجديدة، وكل رجائي أن يكون فيما أذكره فائدة لعدد كبير من قراء العربية.
محمد محمود غالي
دكتواره الدولة في العلوم الطبيعية من السوربون