الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 290/رسالة المرأة

مجلة الرسالة/العدد 290/رسالة المرأة

بتاريخ: 23 - 01 - 1939


بين المرأة والرجل

هل الشرق شرق والغرب غرب في كل شيء؟

للآنسة زينب الحكيم

كان من بين البلاد التي زرتها أثناء رحلتي الطويلة بلاد كردستان. ولقد كانت من أعظم المخاطرات وأكثرها فائدة، ذلك لأني اكتشفت عالماً مجهولاً للكثيرين. أما ما قمت به من مخاطرات، وما وصلت إليه من دراسات متنوعة فسأكتب عنه في غير هذه المناسبة. وأخص هذه الرسالة بشيء من الأدب الكردي الذي حُببَّت إلى دراسته وتقصيه، لأثبت أنه على قدر ما وجدت تبايناً كثيراً بين الشرق والغرب في كثير من الموازنات التي عملتها، وجدت تشابهاً عظيما بينهما بحيث نستطيع معه تحديد تباين الشرق عن الغرب، أو توافقهما في وجهات لا تحتمل الجدل مثل النواحي العاطفية، والروحانيات، وتصرف المرأة هنا وهناك وإني لذاكرة فيما يلي قصة أدبية، وهي عبارة عن قطعة تمثيلية غنائية عنوانها (الوردة الدامية) من نظم الشاعر الكردي الشاب عبد الله سليمان (كوران) من أهالي السليمانية عاصمة كردستان وقد ترجمتها نثراً إلى اللغة العربية

الوردة الدامية

حوار بين فتى وفتاة:

الفتى - هناك يا فتاتي في ذلك البيت حفلة زفاف ورقص وفرح

ألا تسمعين أنغام الناي، ودقات الطبول المرقصة؟

إلا ترين الزحام الباهر من الرجال والنساء يغنون ويرقصون؟

كم أود أن أسمع هناك رنَّات حليتك الفضية وأنت ترقصين!

هيا. . . بربك، هيّا. . . نلحق بهم إذن

ونرقص ونرقص إلى أن يشبع فؤادي. . .

الفتاة - كلا أيها الفتى، لن أذهب ولن أرقص معك

ما دامت لا تزين رأسي وردة حمراء ووردة صفراء الفتى - يا فتاتي أستحلفك بجمالك ودلالك ولحاظك الساحرة في طريقك إلى عين الماء

انظري إلى الأوراق المتساقطة. انظري إلى الأغصان العارية. إننا في فصل الخريف. . .

أين نحن من الورود؟ ثم لماذا الورود؟

أليست شفتاك المتفتحتان بالبسمة الجميلة أجمل من كل شيء. . . ومن الورود؟

الفتاة - لا يا فتى، لن أذهب ولن أرقص معك،

ما دامت لا تزين رأسي وردة حمراء، ووردة صفراء!

لو كنتَ مانحاً قلبك لي بكليته حقيقة

لاستطعت إحضارهما من حديقة الأمير

وكل ما أطلب وردتان فقط!

يذهب فتى ويغني متمتماً

الفتى - حديقة الأمير. . . بيني وبينها نهر يفيض ويثور، وتحيط به قبائل معادية لا ترحم

إذا ذهبتُ: فالطريق وعر ولا أمل لي بالرجوع

وإذا لم أذهب:

آه!! لن ترقص معي فتاتي، ذات العيون الساحرة

(يبتعد عن القرية شيئاً فشيئاً)

- 2 -

الفتى - توغلت في حديقة الأمير، من أقصاها إلى أقصاها

أما الوردة الصفراء فهاكها. أما الحمراء فلم أجدها وا أسفاه.

لست أدري أترضين الآن أن تراقصيني؟

الفتاة - لا. . . لن أراقصك. . لن أراقصك. . . من غير الوردة الحمراء الجميلة

الفتى - (يفك ياقة قميصه مشيراً إلى الصدر في محل القلب) ألا تقبلين هذا الجرح الدامي، بدلاً عن وردتك يا فتاتي؟

الفتاة - والهفي. . . أأصابك رصاص العدو؟

أتسقط هكذا من شدة الألم؟

إذن ضع رأسك على صدري وأنت تحتضر، ولأبك على قلب افتقدته من أجل وردة

هذه القصة التي تعبر بروعة خيالها عن حقيقة عقلية الرجل الكردي، إنما تعبر ضمناً عن ناحية من نواحي نفسية المرأة الكردية المعروفة بقوة الإرادة والشجاعة والحسن الفائق، والنفسية المرحة السامية، والعقلية الخصبة على جدب معينها العلمي، وقسوة بيئتها وإن عوضها جمال مناظر جبالها، وجودة هوائها، وكثرة ثمارها كثيراً مما تفقده من أسباب الحياة الرغيدة، ونور العلم وميزات المدينة. والمرأة الكردية على غمرة عواطفها أمينة في الحب، قاسية فيه، مضحية إلى الموت، ولكنها صلبة الرأي إلى درجة شاذة انتصاراً لمبدأ أو إخلاصاً لحبيب أو صديق، كما أنها على لطافة خلقها شرسة منتقمة إذا أرادت

هذه القصة من الأدب الكردي أذكرتني بحادثتين وقعتا لرجلين من مشاهير الرجال أذكرهما فيما يلي، حتى نرى أن ليس الشرق شرقاً والغرب غرباً في كل شيء

(1) قفاز

سمعت قصة هذا القفاز زمناً طويلاً من الجدات والكهول، عن سيدة كان مغرماً بها دي لورج الضابط النابه الذي كان في صغره من أشجع وأشهر قواد اللواء المشاة في أيام فرنسوا الأول ملك فرنسا (1515 - 1547).

وكان الملك فرنسوا هذا مغرماً باقتناء الوحوش الضارية ومشاهدة صراعها في حديقة الوحوش التي أقامها لها خاصة.

ففي ذات مرة، بينما الملك يشاهد الشجار مع حاشية من عظماء مملكته، ومن بينهم سيدات يجلسن في مقاصير أنيقة، إذا بواحدة منهم تلقي بقفازها بين الأسود، وهي في أشد حالات الغضب والشراسة، وتوجهت إلى عاشقها دي لورج الفارس النبيل طالبة إليه باستخفاف أن يعيد إليها قفازها ليؤكد أن حبه لها عظيم كما يقول، ولكي تحقق من ناحية أخرى صدق شهرته أمام الجمهور الذي طالما تحدث عن شجاعته.

فانبرى الفارس مسرعاً دون أن تبدو عليه دهشة أو تردد، وأخذ عباءته في إحدى يديه، وسيفه في اليد الأخرى، ثم دخل بجسارة نادرة في ساحة مساجلة الأسود، وحالفه الحظ في التقاط القفاز من بينها، وعاد به إلى سيدته بين إعجاب الحضور وهتافهم. وتبسمت له الحسناء ابتسامة الرضى والسرور ولكن الضابط الهمام لم يأبه لإعجابها، واعتبر سلوكها معه ضغينة مبيتة، ولهذا رمى القفاز في وجهها معرضاً عن أي شكر ومتحرراً من غرامه. وبذلك أقصاها إلى الأبد

(منديل)

كان للقائد العظيم دي جينليز الذي مات في ألمانيا وهو يقود فرق الهوجينوت في الحرب الدينية الثالثة حسناء أغرم بها جداً فمرة كان يعبر وإياها النهر من أمام اللوفر، فأسقطت منديلها الفاخر في الماء عمداً، وطلبت إليه أن يغوص في النهر ليعيد إليها منديلها. ولكنه لجهله بالسباحة اتخذ من ذلك مبرراً حسناً للاعتذار إليها

ولكنها لم تقنع - ولامته - بل اتهمته بأنه عاشق خائن جبان. فما كان من القائد الشجاع إلا أن ألقى بنفسه في النهر دون أن ينبس ببنت شفة، وحاول البحث عن المنديل عبثاً، مضحياً بحياته لو لم يدركه قارب النجاة على الفور

نختتم بقصة شرقية مشابهة فيما يلي:

قصة إيرانية

الشاعر نظامي الإيراني أشهر من نار على علم، يرى في مخطوط من كتابه (هفت بيكر) المحفوظ في نيويورك، صورة ترجع إلى القرن الخامس عشر الميلادي، توضح أيضاً تشابه تصرف المرأة الشرقية وتصرف الغربية في نفس الحقبة من الزمن

ذلك أن الصورة تمثل (بهرام جور) ملك إيران يثبت لحبيبته فروسيته ومهارته في الرماية، بإجابتها إلى ما طلبته منه وهو أن يلصق السهم وحافر حمار الوحش بأذنه. وقد توصل إلى ذلك بأن ضرب حمار الوحش في أذنه بقطعة من الطين الجاف، فلما رفع الحمار حافره ليحك أذنه من أثر الضربة، رماه بهرام جور بسهم ثّبت به حافره بأذنه

هذه قصص أربع أود لو تتفضل القارئات ومن يرغب من حضرات القراء بإبداء رأي فيها، نصل من ورائه إلى مبدأ نؤسس عليه معاملة المرأة للرجل وبالعكس، ولا سيما في طور الخطبة

زينب الحكيم