مجلة الرسالة/العدد 290/القصص
→ رسالة الفن | مجلة الرسالة - العدد 290 القصص [[مؤلف:|]] |
البَريدُ الأدبيّ ← |
بتاريخ: 23 - 01 - 1939 |
قصة سورية
الضَّرَّتان
للسيدة وداد سكاكيني
قالت أَمُّونة لصديقتها هدى: أرأيت حسد الناس لصداقتنا، ولغطهم في تأويلها وإحاطتها بالأقاويل؟ إنهم لا يودون أن يرونا كالأختين فيغيظهم أن يشهدوا صديقتين ألفت بينهما براءة المودة وطول المصاحبة وتقارب السن وحسن الجوار، وإن شاؤا فبيننا وشائج القربى تحكم الصلة وتهون اللقاء. أليس زوجك ابن خالتي؟ أمي اليوم مكان أمه، ولئن غاب عنه وجه الوالدة فإنه يراه في الخالة
لقد بت البارحة قلقة عليك متألمة لألمك، إذ تركتك تشكين صداعاً أليماً فأصبحت أسأل الله لك الشفاء.
كان الصداع الذي ألم بهدى نذير حمى طرحتها في السرير شهراً، وكانت أمونة لرفيقتها خلال المرض مواسية وممرضة، فلازمتها برضى أمها وبقيت عندها حتى دخلت دور النقاهة فعظمت يدها عند هدى وأكبرت صداقتها ومروءتها، وخلطت حياتها بحياة أًمُّونة حتى كانتا لا تأكلان أكلة شهية إلا معاً ولا تفترقان إلا غراراً. كل هذا والزوج يسبغ النعمة على زوجته هدى، ويغمرها بالخير إذ مده الله بتجارة رابحة وبركة راجحة. وقد أكرم أمونة ابنة خالته وقدم لها بعض الهدايا جزاء معروفها وإخلاصها
كان طاهر زوج هدى كهلاً وقوراً، أعز شيء لديه في حياته الدين، وألذ عمل عنده القيام بواجباته وتوفير السعادة لبيته. وقد عرف فيه الناس التعفف والاستقامة والبعد عن الغبن والغش فعجبوا كلهم من اسمه الصادق، فكانوا يقولون عنه: طاهر الاسم، وطاهر الذمة والضمير؛ ولكن الله لم يتم نعمته على الزوجين، فقد مر على قرانهما خمس سنوات ولم يرزقا ولداً، يوثق ما بينهما برباط أكيد، ويملأ منزلهما أنساً ومرحاً، فكانت هدى تحس الأمومة صارخة في غريزتها، فتشم عبقها من أطفال الناس حتى تهتاج طبيعتها وتشتد حيرتها. بيد أنها ترتد إلى عقلها بعد قليل فتكبت شعورها وتكفكف حدتها خشية أن يلحظه زوجها إذ تحسب في سرها أنها عقيم. وكثيراً ما أفضت بدخيلتها لصديقتها أمونة، وشكت إليها لهفتها على الولد وأنها تتمنى أن تشتريه بعينيها، وتفتديه بروحها، فكانت تجيبها: لا تيئسي يا صديقتي. إن الله هو الرزاق الكريم. ولما رأتها ملحفةً في طلبها غدت بها على الأولياء تستجير بهم وتعدهم بالنذور إذا رزقت ولداً. وقد استغاثت بالمشايخ الصالحين فقرءوا لها العزائم والتعاويذ، وحرقوا أمامها البخور، وحملوها الحُجُب والآيات فما أجدت عليها شيئاً لأن الله لم يشأ أن يجعلها ولوداً
كل هذا جرى دون أن يدري زوجها به، فلقد كان متزمتاً متديناً لا يسمح لها بمغادرة البيت إلا قليلاً أو مع ابنة خالته التي ألفها واطمأن إلى أخلاقها من طول مقامها عنده وغشيانها داره وصحبتها لزوجه. وقد حلف بأن تكون طالقاً إن ذهبت تطب للنسل. فما خالفت له أمراً لأنها كانت تطيعه وتحبه برغم تفاوت السن بينهما، فأحست الأمان على حياتها الزوجية منذ صدف بها عن المعالجة واستسلمت للقدر لعل الله يرزقها ولداً
كان طاهر تاجراً غنياً جمع ثروته بعد الحرب الكبرى، واستطاع بما له الضئيل يومئذ وبماله من معاذير أن ينجو من الجندية؛ فلما توفر على تجارته وربحت أرادته أمه على الزواج، فقد كاد ينهد للكهولة ولم تفرح بزواجه. فأطاع وفرحت، ثم ماتت أمه فبقي وحيداً مع زوجته الحسناء. ومن ذلك الحين توثقت عرى الصداقة بينها وبين ابنه خالته أمونة التي كانت مخطوبة لموظف كبير، ولكنها مترددة بين قبوله ورفضه
مضى على زواج طاهر خمس سنين، بدأ في آخرها يمل حياته الرتيبة مع هدى ويميل إلى تركها يوماً بعد يوم مع ابنة خالته أمونة، إذ دب في نفسه الخوف من الفناء قبل أن تظهر فيه عواطف الأبوة وطمع في خلود الذكر من بعد موته بالولد الذي يدل عليه وضنت به هدى، فصار يرى بيته صامتاً جامداً لا يُهز فيه سرير ولا يناغم طفل، ولا تردد في حجراته لفظة (بابا) فضاق عليه البيت بما رحب وكره الحياة من أجل ذلك، فأخذ يشنأ زوجته ويحتويها ويتبرم بحديثها ويتلكأ في طلباتها. وقد خيل إليه الوهم والهم أنها عاقر وأن حياته معها جديبة، مع أنه يعرف في نفسه وفي ضميره أنه هو العقيم، فتذكر شبابه الطائش وتعرضه باستهتاره لمرض شائن، تاب بعد شفائه منه توبة نصوحاً ولكنه أورثه داء عقاماً حرمه النسل كان يثور على زوجه هدى في سره لعقمها الموهوم، ثم يعود في نفسه إلى الهمود والجمود حين يرى هذه النفس الباغية هدفاً لتلك الثورة
وبينا هو مطرق ليلة تلقاء الموقد اللاهب والوقت شتاء، تعصف فيه الرياح العاتية التي صدته عن السمر في دار صديقه مرت أمامه قطته (فلة) التي يعطف عليها ويختصها بطيب الآكال، فلما حاذته تمطت ونفشت شعرها، فأخذ يعبث به ويربت بكفه على ظهرها، فلمعت إذ ذاك في خاطره صور وأفكار، ورأى القطة في نظره الحانق خيراً من زوجته العقيم، هذه شجرة بلا ثمر، وتلك ولود تملأ البيت كل عام بأولادها. وفيما كان يقلب الخواطر في ذهنه تلفت إلى بيته فرآه ساكتاً ساكناً إلا من صوت زوجته هدى وابنة خالته أُمُّونه وهما في فورة اللعب بالبرجيس وغمرة الحماسة للغلاب، ومن مواء القطة بين الفترة والفترة، فطغت عليه الهواجس وشعر بكرهٍ لامرأته، ونفرة منها، فأخذ يميل بوجهه عنها ويوجهه إلى أمونة فيقارن بينها وبين زوجته التي غاض منها معين الجمال في تلك الليلة في نظره فتتخالس عيناه نظرات الإعجاب بابنة خالته، ثم جال طرفه الرغيب في جسمها الريان ووجهها الأبيض الجاذب وشعرها الفاحم المتدلي على كتفيها اللتين انحدرت منهما يدان كأنهما ركبتا في دمية من المرمر، فانشرح صدره وتمدد على أريكة بإزاء المدفأة ثم لوى ذراعه تحت رأسه فأسند فوده عليه وأخذ يتأمل في ساقي أمونة الممدودتين إلى الأرض وقد امتلأتا صقالاً وانسجاماً وأحيطتا بظلال من النعومة والجمال. ولما أطال التحديق فيها وهي جالسة تجاه زوجه لاهية بلعبة البرجيس رأى نفسه وجهاً لوجه أمام المرأة التي يتمناها له زوجه ثانية، فارتد ببصره عنه بعد فترة من اللعب لكيلا تلمح نظراته الخاطفة الماكرة؛ أما قلبه فبقي يرنو ويشتهي فقال في ضميره: تُرى أي بأس على إن تزوجت أمونة، وقد رفضت خطيبها السكير المقامر فيكون لي زوجان وأكون كجاري أبي عادل الذي تزوج اثنتين وهو معتزم هذه الأيام أن يبني بالثالثة. وكثيراً ما حدثني من باب دكانه عن حياته الزوجية فقال: ما أحلى الزوجتين يا طاهر! هما ريحانتان للشميم، لكل ليلة ريحانة
فكر في هذا طاهر. ولعب ذلك الريحان على انفه في وهمه كأنه يد الشيطان، ورده في نفسه صوت أمونة، وهي تضحك وتصفق بيديها، وتضع حجراً من حجارة البرجيس على الآخر وترفع صوتها قائلة لهدى:
- خذي فنجان القهوة. مغلوبة. مغلوبة. . .
فتنبه طاهر فور انتهاء (الدست) بين اللاعبتين وجمع أشتات فكره من دكانه، وهو يحاور جاره، ومن ملاحة أمونة، ومن الأولاد الذين كان يحلم في خياله أن يأتوه منها فقال:
- يا هُدُو! وكان يناديها بهذا اللفظ الموجز كلما أراد العبث والدعابة - ماذا ترين وأنا كهل غني ولا وارث لي منك؟ فهل عليك من حرج إذا تزوجت امرأة ولوداً وأنت تبقين سيدة البيت كلنا نأتمر بأمرك ونهتدي بهداك؟
فما سمعت هدى كلامه حتى فغرت فاها وانتفضت كأنها صعقت، فامتقع لونها وطغى عليها دمع غزير صور على خديها معاني كثيرة من الذلة والخيبة والبغتة والفشل. وكان بعض الدمع يساقط على خدها وبعضه تتلقاه بمنديل في كفها أو تمسحه بكمها دون وعي حتى نشجت أعصابها وكاد يصيبها الغشيان فارتمت بوجهها على صدر صديقتها أمونة التي وجمت وبهتت. وانتابها عي وجمود فلم تنطق بذات شفة وإنما غلب عليها التأثر والبكاء مشاركة لرفيقتها
لقد كانت أمونة ذات قلب سليم حيال ابن خالتها فلم تعلم أنها ستكون الضرة المرة، وما عرفت أنها ستنزل على صديقتها كالنقمة والبلوى، بل لم تشعر في يوم من الأيام أن فلكها يدور هذه الدورة فيبدل الصداقة عداوة والمرفقة الرفيقة إلى مفارقة قاهرة.
لقد حمل طاهر إلى ابنة خالته مهراً غالياً، وهدايا كثيرة ثمينة، وحمل خالته على قبوله صهراً فما صدت ولا ردت، وإنما وجدت في إقدامه على الزواج مرة ثانية عقلاً وحكمة وصوناً لثروته من الضياع، وعرفت ن ابنتها أمونة ستكون ولوداً مثلها فلقد أنجبت هي ثلاثة من البنين والبنات وهي جدة لأولاد أحدهم. فأبت بنتها هذا الزواج وحاولت التمرد والعصيان إذ استحمقت نفسها واحتقرت أن تكون ضرة لرفيقتها فماذا يقال عنها؟ أية سمعة ستكون لها؟ وأية مضغة ستكون في أفواه الناس؟ ولكنها برغم كل مقاومة ومعاندة أفلحت أمها في إكراهها على الزواج فقد سوست في عقلها كالشيطان، وزينت لها حياة الثراء والرخاء عند ابن خالتها. وأنذرتها بالبوار والكساد إن أصرت على رفضه وآثرت العناس. فتنازعها عاملان: نزوعها إلى الزواج كيف اتفق شأنه بعد إخفاقها في خطبتها للموظف، وحرصها على مودة صديقتها والوفاء لها. فغلبها على أمرها ما خلقت له وهو الزواج وفي النفس ما فيها من خوف وعذاب، فأطاعت أمها على مضض وعقد لها على ابن خالتها وزفت إليه.
ومضى زمن قصير فإذا هدى تنقلب إلى امرأة شرسة طاغية. كلما لسعتها الغيرة ثارت بأوعية البيت وآنية الطعام فهشمتها وداستها بقدميها، ولعنت الرجال، ونقمت على الصداقة التي طعنتها في الصميم. وإذا جاء طاهر ليبيت عندها ليلتها الخاصة تنكرت له وتجهَّمت وانكفأت إلى عزلتها الأليمة، ولا زال قطعاً من الليل يتملقها ويترضاها وهي تتميز من الغيظ، وتتمزق من القهر، حتى تنفجر باكية فيتركها ريثما تهدأ ثم ينام، وبقي على هذه الحال بضعة أشهر حتى قطع عنها ليلتها وجعلها كل أسبوع مرة. وبعد سنة صار لا يزورها إلا لماماً. وكم كانت الغيرة تنغص عيشها كلما فكرت في ضرتها وخيانتها وزهادة زوجها فيها وعزوفه عنها
تصرمت خمسة أعوام على زواجه الجديد، فلم تلد له أمونة ولداً، فثار عليها في نفسه ثورته على هدى. ثم فكر كثيراً، وتذكر ملياً فرد إلى نفسه وأدرك إخفاقه في النسل، فاستقر في ظنه أنه هو العقيم، لا هاتان المرأتان المظلومتان. غير أن خوفه على اتهام نفسه وامتهانها جعل في فكره منطقاً فاسداً صور له براءتها فأحدث له شكا خرج منه إلى أن زوجته الثانية عاقر كالأولى، فقص هذا على جاره الأدنى في السوق وكان يستخلصه لنفسه، ويستشيره في شؤونه. فقال له: لقد تزوجت الثانية حسبما أشرت فلم تلد، وأنا رجل غني، كما تعلم، فماذا أفعل؟ فأشار عليه بالزوجة الثالثة وتطليق الأولى
في مساء ذلك اليوم عاد إلى بيته الثاني، وقال لابنة خالته فيما قال من حديث السمر أمام المدفأ في الشتاء: أترين يا أمُو - وصار يخاطبها بهذا اللفظ المقتضب كما كان ينادي زوجه الأولى - كيف أنك لم تحملي بولد يرثني، وقد صرت إلى حال من القنوط تمنيت معها الموت. وقد أشاروا عليّ بالزواج لعل حظي من الولد يوافيني من الثالثة، على أن أطلق لك الضرة الكريهة التي تبغضك وتطعن فيك وتدعو عليك بالموت.
فما سمعت أمونة هذا الكلام حتى مرت في طور صديقتها تلك الليلة الماطرة قبل خمس سنين، فاصفرت وبكت وانقضت على ابن خالتها كالمجنونة وصاحت به: - ياخائن، ياعبد الشهوات! أنت العاقر الذي كنت في شبابك فاسقاً فأصبت بالعقم ولم تنسل فما ذنبنا نحن؟ وهمت بضربه بقطعة من الحطب كانت في جانب الموقد
جُنَّ جنون طاهر من هول الفضيحة، وفحش الشتيمة، واجتراء زوجته وابنة خالته على إهانته وضربه فقال لها بمكر وخبث:
- لا تصدقي يا أَمُّونة إنن أمزح لأرى إن كنت تحبينني أم لا؟
أما أمونة فقد شعرت بنيته السيئة، وأدركت ما يضمر في طويته لها فهاترته وقامت عليه ناقمة ثائرة، والله يعلم كيف مضت عليها تلك الليلة المشئومة. فلما طلع النهار دلفت أمونة إلى بيت صديقتها القديمة وضرتها المهجورة، وهي على استحياء من نفسها تتقدم رجلاً وتؤخر أخرى حتى كادت تتراجع القهقري وتتردد في مواجه رفيقتها بالأمس، لولا أن عادت إليها بجرأة، وثارت فيها الغيرة الجديدة والنقمة على زوجها، فتنهدت وتشجعت وطرقت باب هدى طرقات خفيفة فردت عليها بفتحه. وما إن كشفت أمونة عن وجهها المحجوب حتى وقفت الأولى جامدةً كالصنم، وشررت ضرتها بعينين كالحربتين، فارتمت أمونة على قدمي هدى وحاولت تقبيلها، ثم قامت إليها بالعناق والتقبيل وبالبكاء والنحيب، فلم يكن من هدى إلا أن أبدت عجبها من مظهر ضرتها الكئيب، وسألتها على كره منها:
- هل من بلية حلت بطاهر؟
- لعنة الله عليه! إنه يجني علىَّ وعليك. ليت عزرائيل ينقذنا منه قبل أن ينفذ إرادته الجديدة.
- وماذا يريد؟
- فاهتزت أمونة وارتجفت يداها وتلعثمت وكاد يغمى عليها لولا أن تداركتها هدى واستدرجتها إلى الجواب. فعلمت منها أن طاهراً يريد الزواج، وشاعت حينئذ الشماتة على وجهها ووضحت السخرية في لفتاتها وحركاتها، فسلقت أمونة بلسان حاد أصاب منها مقتلاً كأنه الرصاص. وضحكت أمامها لتزيد في نكايتها وإهانتها فشعرت أمونة بكبريائها المحطمة، وضعضعتها الشماتة ولكنها صمدت للنهاية وتجالدت فبلعت ريقها وبلت حلقها الجاف من طول الكلام والبكاء، ثم أخذت تستعطف هدى بصوت ذليل خفيض والتمست صفحها. فلما رقت ولانت أفضت إليها بنيات زوجهما، وطفقت تستعديها عليه وتستفزها للثأر منه بحرارة الموتور، وجلستا تفكران مطرقتين كأنهما في بُحران، وتقدران ما ينبغي لهما من الحيطة والحذر من وقوع الكارثة. وسرعان ما زال من هدى حقدها على أمونة، فتصافتا وحلفتا بالله جهد الإيمان لتعودان كما كانتا أختين صديقتين. وافترقتا على أمر واحد، وهو السعي لدى المشايخ والسحرة لعلهما تجدان الدريئة والدواء، وقادهما البحث إلى مغربي ساحر أعطاهما شيئاً كالملح الناعم يذر على الأكل فيحدث لذائقه الخبل والشرود فاقتسمتا الثمن الباهظ ودفعتاه راضيتين
ولما جلس طاهر إلى الطعام ذرًّت له التي هو عندها ذرور الساحر، فلما أكل انقلب كالذي خامره امتعاض، وظل أياماً كلما أكل عند واحدة منهما ذرت له قليلاً من الذرور فلم يمض شهران حتى غدا كالمخبول الممرور لا يدري ما يفعل. فقال الناس: قد أصابته عتاهة وبلاهة. وقالت نساء من أهله: لعل زوجتيه سحرتاه فصار إلى حاله الوجيع. ومرًّ به زمن أغلق معه دكانه وباع ما فيها بثمن بخس، ولزم بيته لا يبرحه إلا للصلاة في الجامع. فلما ازداد به الخبال والذهول أقامت عليه زوجتاه الحجر وتسلمتا الإنفاق عليه وعادتا أختين محبتين كما كانتا، تسكنا في بيت واحد، وتسخران من ذلك الزوج الذي تراخت أوصاله، ووهنت عظامه، ودب فيه المرض والهرم، فأمنتا جانبه، واكتسبتا ثروته. ثم عاودتهما بعد حين التوبة والندامة، فأدركتهما الرحمة له والشفقة عليه واستغفرتا الله من ذنبهما. ولما قضى الزوج نحبه أدت الضرتان أو الصديقتان فريضة الحج معاً وابتهلتا إلى الله في أشرف بقعة أن يعفو عن إساءتهما وهو العفو الغفور.
وداد سكاكيني