مجلة الرسالة/العدد 286/التاريخ في سير أبطاله
→ رد على باحث فاضل | مجلة الرسالة - العدد 286 التاريخ في سير أبطاله [[مؤلف:|]] |
يوم مطير ← |
بتاريخ: 26 - 12 - 1938 |
إبراهام لنكولن
هدية الأحراج إلى عالم المدنية
للأستاذ محمود الخفيف
يا شباب الوادي! خذوا معاني العظمة في نسقها الأعلى من
سيرة هذا العصامي العظيم. . . . . .
(تتمة)
برز جرانت إلى الميدان وفي نفسه من العزم بقدر ما في فؤاده من الأمل، وكأنما سرت عزمته إلى قواده وجنوده فما منهم إلا من وطد النفس على أن يخوض أهوال القتال إلى النصر، ونبغ من هؤلاء البواسل قائدان صار لهما في تلك الحرب خطر عظيم هما شيرمان وشريدان
وزحف جرانت بجيشه في مايو عام 1864 وكانت خطته أن يواصل الزحف ما وسعه القتال حتى يأتي رتشمند عاصمة الجنوبيين فيحصرها. ولقد لازمه النصر في هذا الهجوم على الرغم من مقاومة أعدائه، ومازال يدفعهم أمامه حتى أصبح على مقربة من عاصمتهم؛ وكانت تصل أنباء انتصاره إلى العاصمة فتهزها هزاً وكان الناس يجتمعون حول البيت الأبيض فيطل الرئيس عليهم ويخطبهم وقد سره أن ذهب عنهم الروع
وكذلك سار شيرمان مبتدئاً من الغرب، وراح يدفع أعداءه أمامه، وإنهم لينازعونه الأرض شبراً شبراً ويعركون جيشه عركاً شديداً حتى واتاه النصر عليهم في اليوم الثاني والعشرين من شهر يوليو، فسقطت في يده مدينة أتلنتا بعد أيام، وهي موقع حصين ومركز حربي خطير، وكان على رأس الجنوبيين في تلك الجهة قائدهم هود، وهو من ذوي البأس ولقد لم شمل جيشه وخاض الحرب مرة أخرى ولكنه ما لبث أن عاودته الهزيمة، وسر الرئيس وأصحابه بانهزام هود وجنوده فلقد كانوا يوجسون منه شراً
ونشط الشماليون في البحر وضيقوا الخناق على أعدائهم فأذاقوهم لباس الجوع والخوف، وكانت سيطرة فراجت على البحر وثيقة، فكان بذلك موقفه عاملاً من أكبر عوامل النصر
وراح جرانت يبذل كل ما في وسعه ليحيط بالقائد الكبير (لي) قائد الجنوبيين، فإنه يدرك أن تطويقه خير وسيلة لهزيمته وإجباره على التسليم؛ وكان جرانت يدرك أن عدته وجنده أوفر مما هو لدى عدوه منها، ولذلك عول أن يشد عليه الوثاق
وكان لنكولن وأصحابه يتلقون هاتيك الأنباء الطيبة فتطمئن نفوسهم، ولكن الرئيس كان لا يفتأ مهموماً ضائق الصدر؛ وكيف يطبق قلبه الكبير أن يعلم نبأ هاتيك الضحايا دون أن يتحرك؟ لقد كان يجزع أشد الجزع لمرأى الأمهات والزوجات يقفن في طريقه أو يجتمعن حول البيت الأبيض متسائلات وإنه ليسأل الله أن يجعل للناس من هذا البلاء مخرجاً. . .
وبينما كان جرانت وشيرمان يروعان بجيشيهما أهل الجنوب على هذه الصورة، زحف أحد قواد الجنوب ويدعى إيرلي زحفاً باغت به وشنجطون إذ صار منها على سبعة أميال. . . ولقد كان عمله هذا من أسوأ ما لاقته تلك المدينة في هذه الحرب، فما أقبح الخوف بعد الأمن وما أوجع الكربة بعد الفرح. ولكن جرانت لم يلبث أن أرسل شريدان فأقصى هذا العدو ورماه بالهزيمة وكان ذلك في أوائل سبتمبر عقب سقوط أتلنتا بيوم واحد. . .
وكان انتصار الجيوش على هذا النحو مما قضى على كيد الكائدين من خصوم الرئيس إذ كانت البلاد تتأهب للانتخاب؛ وكان الديمقراطيون يذيعون في الناس إن من مصالحهم أن يختاروا رئيساً غير هذا الرئيس، وراحوا تارة يقولون إن الحكومة من الوجهة الحربية قد منيت بالفشل منذ قامت الحرب ولا محيص من أن تتبع في الحرب سياسة أقوى وأسرع من سياستها، وتارة أخذوا يطالبون بمصالحة أهل الجنوب ووضع حد لهذا البلاء، وهم في ذلك يرشحون ما كليلان للرياسة ضد إبراهام، ولقد اختاره لذلك مؤتمرهم الذي انعقد في شيكاغو في أغسطس من ذلك العام
وكان بعض الجمهوريين من حزب لنكولن يدعون إلى انتخاب غيره إذ كانوا ينقمون عليه كما يزعمون ابتعاده عن مبادئ الحزب وروحه، فهم يخالفونه فيما أعلن غداة تحرير العبيد من أن ذلك كان من أجل ضرورة حربية وهم يعيبون عليه مسلكه تجاه الولايات الوسطى وتجاه أهل الجنوب، كما أنهم يقولون إن الحرب لا تسير على خير ما يرجى
وكان هؤلاء الجمهوريون يرشحون جرانت تارة، وفريمونت تارة، ولكن معظمهم كان يميل إلى تشيس وزير المالية، وكان تشيس هذا من أكفأ الرجال، وكان الرئيس يحترم آراءه ويحرص على أن ينتفع بها كما كان يشهد له بالذكاء ويقر بفضله. . . ولكنه كان دائم الشكاوى من الرئيس وكثيراً ما ضايقه بتقديم استقالته من الحكم، وكانت أخرى تلك الاستقالات في صيف هذا العام، ولشد ما أدهش الوزير أن قبلها الرئيس في غير تردد. وكان تشيس ينفس الرئيس مركزه ويعتقد أنه أحق به منه وأجدر
وما كان الرئيس كما أسلفنا يحرص على الحكم إلا أن يكون وسيلة لتحقيق غرضه، قال ذات مرة يرد على الداعين إلى ترشيح جرانت: (إذا كان الناس يعتقدون أن القائد جرانت يكون أسرع في القضاء على الثورة إذا كان في مركزي فإني أتخلى عنه له)
وعلى الرغم من ذلك كان خصومه يدعون أنه حريص على الحكم مولع بالرياسة، وكان من أقدر هؤلاء الخصوم وأنشطهم الصحفي جريلي، ذلك الذي طالما حرص الرئيس على مودته وعمل على إرضائه. . . على أن الرئيس كان على علم بهذا كله فلم يعبأ به وذلك لأنه كان يجعل اعتماده على عامة الناس، وهل اعتمد على غيرهم منذ كان يلوح بين الإحراج؟ وجاءت بعد ذلك أنباء انتصار جنده فكان ذلك أبلغ رد على ما يزعم المخالفون والخوارج
ولقد كان مؤيدو الرئيس من الجمهوريين أعز نفراً وأعلى في البلاد صوتاً، وهؤلاء أجمعوا أمرهم على ترشيحه في مؤتمرهم الذي عقدوه في الثامن من يونيو عام 1864، وكانت حماستهم له جديرة به شديدة على خصومه وكارهيه. . . وحمل إليه نبأ ذلك فتلقاه على عادته في دعة، قال: (إنهم رشحوني لا لأنهم رأوني اعظم وأفضل رجل في أمريكا، وإنما كان ذلك لأنهم لم يروا من الحكمة أن يستبدلوا الخيل أثناء عبورهم الماء، ولأنهم رأوا بعد ذلك أني لست فرساً بلغ من السوء مبلغاً لا يمكن معه استخدامه ولو في مشقة أثناء محاولة ذلك العبور). . .
وكان المؤتمر قد عبر عن رغبته في تعديل الدستور بحيث لا يكون من مواده ما يتضمن الاعتراف بنظام العبيد حتى لا يتعارض قرار التحرير مع نصوص الدستور. ولقد وافق الرئيس على ذلك قائلا: (إن مثل هذا التعديل المقترح يجيء خاتمة مناسبة ضرورية للنجاح النهائي لقضية الاتحاد، وهذا وحده يقف رداً على كل تجن. . . وإن الذين يوافقون على الوحدة بلا شرط من الشماليين والجنوبيين يدركون خطورته ويتعللون به، فباسم الحرية والوحدة مجتمعين دعونا نعمل على أن نكسبه صفة شرعية وأثراً عملياً). وسمع أن ولاية ماريلند قد عدلت دستورها على هذا الأساس فعلاً فاغتبط قائلاً (إن ذلك عندي يساوي انتصارات كثيرة في الميدان)
وحسب جريلي أنه واجد غميزة أخرى في سياسة الحرب فراح يندد بها وبتطاولها ويدعوا إلى الصلح قائلاً إن البلاد قد باتت على شفا جرف هار وإن السلم على شروط معقولة خير من هذه الحرب التي ضجت البلاد منها ورزحت تحت أعبائها. ومما ساقه في هذا المجال انه على صلة بقوم من الجنوب يقبلون الصلح على أساس الوحدة والقضاء على العبودية، وهنا لم يتردد الرئيس أن يرسل إليه يقول إنه على استعداد أن يلقى أي رجل أو جماعة من الجنوب يفاوضونه على هذا الأساس على شرط أن يكونوا مسؤولين وليكن جريلي شاهداً على ذلك؛ وعاد جريلي مستخذياً وقد رأى أن الذين دعوه إلى السلم من الجنوبيين قوم لا أهمية لهم. . .
وتطلبت الحرب عدداً جديداً من الرجال وأشفق أنصار لنكولن أن يدعوا البلاد إلى رجال في مثل هاتيك الظروف، ولكن هل كان مثله يحجم عن أمر يعتقد صوابه وعلى الأخص إذا كان هذا الأمر يتعلق بالحرب بله الحرب تحت قيادة جرانت؟. لم يحجم الرئيس ولم يتردد وأصدر أمره في ثبات وجرأة. . .
وجاء يوم الانتخاب فكان فوز الرئيس عظيماً كما كان تواضعه غداة فوزه عظيماً. قال وما أجمل ما قال: (إني أعرف قلبي وأرى غبطتي لا يشوبها شائبة من الفوز الشخصي، وإني لا أعترض على بواعث أيشخص ضدي. وليس مما يسرني أن أظفر على أحد ولكني أشكر الله على هذا البرهان الشاهد على اعتزام الناس أن يؤيدوا الحكومة الحرة وحقوق الإنسانية)
وكان الداعون إلى السلم ينشرون مبدأهم في العاصمة الشمالية ولم يكفوا عن ذلك منذ الصيف. وفي الشتاء وجدت دعوتهم قبولاً لدى الكثيرين في العاصمة الشمالية حتى لقد أخذوا على الرئيس أنه يصم إذنه عن هذه الدعوة. . . وحدث أن أرسل جفرسون دافز رسولاً إلى لنكولن يدعوه إلى السلم ويقترح عقد مؤتمر لتقرير ذلك. وكتب الرئيس لنكولن رداً حمله ذلك الرسول إلى جفرسون وفيه يوافق الرئيس على عقد المؤتمر؛ واجتمع في مركز قيادة القائد جرانت ثلاثة من قبل أهل الجنوب وناب عن الشماليين سيوارد ثم لحق به الرئيس، وعرض الشماليون شروطهم فلم تحز قبولاً لدى خصومهم. ورأى الرئيس أن في الأمر خداعاً وأنهم لا يريدون سوى أن يكسبوا الوقت بالمفاوضة ريثما يعدون ما يستطيعون من قوة. . . ولذلك نراه ينصح إلى جرانت ألا يتهاون أو يخفف من وطأته وانفض المؤتمر ولم يصل إلى رأي. . .
وأوضح الرئيس سياسته في خطابه الرسمي الذي ألقاه غداة تسلمه أزمة الأمور للمرة الثانية. وإنك لتجدها واضحة في تلك العبارة الجميلة التي اختتم بها ذلك الخطاب قال: (والآن فمن غير موجدة على أحد، بل مع الإحسان للجميع، والثبات على الحق كما يطلب الله أن نرى الحق، دعونا نجهد لنفرغ من هذا العمل الذي نحن بصدده، وأن نضمد جراحات الأمة، وأن نعنى بهؤلاء الذين قاموا بالجهاد وبأراملهم وأيتامهم. وأن نبذل كل ما في وسعنا لنصل إلى السلام الدائم ونعزه بين أنفسنا وبين جميع الأمم)
وجعل الرئيس ينتظر أخبار الميادين، وكثيراً ما كان يقضي وقتاً طويلاً في غرف البرق يترقب ويتوقع. . . وكثيراً ما كان الرئيس يشخص بنفسه إلى مراكز الجنود فيزورها واحداً بعد الآخر! وجاءت البشائر بالنصر يتلو النصر. ففي الحادي والعشرين من ديسمبر أخذ شيرمان مدينة سفانا عنوة فأبرق إلى الرئيس يقول: (أرجو أن تسمح لي أن أقدم إليك مدينة سفانا كهدية في عيد الميلاد) واستمر شيرمان في زحفه فاستولى على كولومبيا وشارلستون، وما زال حتى دخل ولاية كارولينا الشمالية وأصبح على اتصال بجنود جرانت وبذلك أوشكت جنودهما أن تحيط بجيش الشماليين
وكان جرانت يثخن في أرض الجنوبيين لا يألوهم نزالا كأهول ما يكون النزال، وكانت ضحاياه كثيرة يدمي لها قلب الرئيس، ولكنه كان لا يلين وما لبث هو وأعوانه أن يهزموا الجنوبيين في كل مكان حتى لم يبق في الميدان غير لي. . .
وحاصر جرانت مدينة رتشمند ودام حصاره لها طوال أشهر الصيف من عام 1864 واشهر الشتاء من عام 1865، وفي السابع والعشرين من مارس التقى لنكولن وجرانت وشيرمان على ظهر زورق تجاري في نهر جيمس بالقرب من مركز القيادة وتداول ثلاثتهم في الأمر. ولشد ما تألم الرئيس أن علم أنه لا يزال دون النصر معركة حامية، وراح يتساءل في جزع: (ألا يمكن تجنب تلك المعركة؟ ألا يمكن تجنب تلك المعركة؟)
وأمكن تجنب تلك المعركة الحامية فلقد تمكن شيريدان وكان إلى يسار جرانت أن يقطع على (لي) آخر منفذ للهرب فتم لهما تطويقه، وأصبح تسليمه أمراً لابد منه. وفي اليوم الثالث من أبريل سقطت رتشمند التي كانت طروادة هذا الصراع العنيف
وأنى للكلام أن يصف مبلغ ما كان بالعاصمة من شعور الفرح والحبور. . . لقد بات الناس وأفاقوا على مثل مظاهر العيد. وأي عيد أجمل من هذا الذي يبشر الناس فيه بانفراج الغمة واتحاد الأمة؟
وكان الرئيس في المعسكر منذ شهر مارس يبيت مع الجند ويستطلع الأنباء كل يوم ولقد نال الجهد والإعياء من جسده حتى ليبدو كالمريض وهو الرجل الذي عرف فيما سلف بقوة بدنه ووفرة حيويته. . . ولما بلغه سقوط رتشمند وصل إليها في بساطة وهدوء، وليس معه إلا بحارة قارب حربي كان يرسو على مقربة منها فلا خيل من حوله ولا جند يفسحون له الطريق. ودخل الرئيس العظيم المدينة يمسك بيده يد ابنه الصغير تاد وهو يمشي على الأرض هوناً وليس في وجهه زهو ولا تطاول
وهرع الناس من كل فج يشهدون الرجل الذي دوت البلاد باسمه، فلما رأوه شعروا جميعاً نحوه بمثل ما يشعر الأبناء نحو أبيهم، وهو بين الجموع رابط الجأش يظهر قوامه الطويل للأعين. وتلفت الرئيس فإذا جموع السود تتقاطر من كل صوب وهم يملئون الجو بهتافاتهم باسم مخلصهم ومحطم أغلالهم، وكانوا من حوله يرقصون ويقفزون في الهواء لا يدرون ماذا يفعلون للتعبير عما في نفوسهم نحو هذا المحرر الأعظم. . . ثم تقدموا متزاحمين فتلاقوا على الأرض أمامه يقبلون قدميه وهو يرفعهم بيديه ويمسح بهما على جباههم وأكتافهم والدموع تتسايل كبيرة ساخنة من عينيه الواسعتين فتجري على محياه الكريم
وحار الرئيس برهة ماذا يقول وهو الذي لم يعرف قبل عياً ولا حصراً، ثم ناداهم قائلاً (أي أصدقائي المساكين أنتم أحرار، أحرار كالهواء. إنكم تستطيعون أن تطرحوا اسم العبودية وتطأوه بأقدامكم؛ فأنكم لن تسمعوه بعد اليوم. . . إن الحرية حقكم الذي منحكم الله كما منح غيركم) وتألم الرئيس من أن يخروا سجداً على قدميه فقال: (لا تسجدوا لي، هذا ليس بالصواب، يجب أن تسجدوا لله وحده وأن تشكروه على الحرية التي سوف تتمتعون بها منذ اليوم. . .)
وعاد الرئيس إلى وشنجطون وفي وجهه مثل ما يكون في وجوه الأبرار الصالحين، والناس حول ركابه يهتفون باسم (أبيهم أبراهام) بطل الحرية ومحطم الأصفاد ومعيد الوحدة إلى البلاد وحامي دستورها ورسول حاضرها إلى غدها. . .
وفي اليوم التاسع من هذا الشهر المشهود سلم لي جيشه للقائد جرانت وتلقت العاصمة النبأ وتلقاه الرئيس، وتنفس الناس الصعداء. وأحس ابن الإحراج بعد هذا الكفاح الطويل الشاق أن قد آن له أن يستريح ولو بضعة أيام. . . وتزاحم الناس حول البيت الأبيض وهم من فرط سرورهم يبدون كأنما طاف بهم طائف من الجنون، وأطل الرئيس عليهم وهم يتصايحون ويتواثبون ويقذفون بقبعاتهم في الهواء، فلم يدر ماذا يقول. ثم مسح بيده الدموع المنحدرة من عينيه وطلب إليهم أن يهتفوا ثلاثاً بحياة القائد جرانت ورجاله، وحياة القواد البحريين ورجالهم، وعاد إلى داخل حجرته. . .
وفي اليوم الرابع عشر كان على مجلس الوزراء أن يجتمع ظهراً، وكان جرانت ممن سوف يشهدون الاجتماع. وكان يبدو على محيا الرئيس قبل الاجتماع شيء من الهم، قال لبعض أصحابه: إني رأيت حلماً كريهاً لا أرى مثله إلا قبيل حادث عظيم. . واجتمع المجلس ليرى ماذا تفعل الحكومة لإصلاح ما أفسدته الحرب. وفي هذا الاجتماع عارض الرئيس القائلين بالانتقام من أهل الجنوب وصاح بهم (كفانا ما ضحينا من الأنفس. يجب أن نطفئ في قلوبنا السخائم إذا أردنا أن نقيم الوحدة والوفاق) ألا ليت أعداءه سمعوه وهو يقول ذلك، ألا ليتهم سمعوه. . .
وركب الرئيس وزوجه في نزهة عصر ذلك اليوم. وفي المساء ذهب ليشهد رواية تمثيلية في المسرح، وكانت الصحف قد نشرت اعتزامه الحضور ومعه القائد جرانت، وتخلف القائد لأمر ما، وذهب الرئيس وجلس في مقصورة هو وزوجه وقائد من القواد. وفي الساعة العاشرة والنصف تسلل إلى باب مقصورته رجل فاقتحمه وفي يده مسدس أطلقه على رأس الرئيس. . . وكانت في يده الأخرى مدية طعن بها القائد، وقفز إلى خارج المسرح وكان هو وشركاؤه قد أعدوا حصاناً ليهرب به عدوا. . .
وروعت العاصمة بالنبأ الفاجع، وتلاقت أمة تحمل شهيدها الأكبر ومحررها العظيم إلى مقره ليستريح الراحة الأبدية، وذهبوا بجثمان البطل إلى سبرنجفيلد في نفس الطريق الذي جاء منه إلى العاصمة قبل ذلك بأربع سنوات، والناس على جانبيه يشهقون اليوم ويجهشون ولا يملكون غير الدمع في هذا الخطب الفادح. ودفن الرئيس إلى جانب ابنه الصغير. . . ألا ليتهم حملوه إلى الغابة ليدفن حيث نشأ وحيث شب
(تم)
الخفيف