مجلة الرسالة/العدد 284/المسرح والسينما
→ البريد الأدبي | مجلة الرسالة - العدد 284 المسرح والسينما [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 12 - 12 - 1938 |
الفرقة القومية
مديرها ولجنة القراءة
كلمة عن رواية طبيب المعجزات
أرجو ألا يداخل مدير الفرقة شك في تجنينا الشخصيات فيما نكتب، سواء أكان أصحابها من رجال الإدارة أو لجنة القراءة أو اللجنة العليا أو طائفة الممثلات والممثلين أو غيرهم، لأن لكل شخصية في نظرنا حرمة وكرامة، ولأننا جميعاً سنزول، أما الفرقة القومية للتمثيل فستبقى، لأنها في نظر الحكومة التي أنشأنها، وفي نظر النواب والشيوخ الذين يعتمدون ميزانيتها، وفي نظر الأدباء الذين يغارون عليها، مؤسسة أدبية لها خطرها في الثقافة العامة. فإذا كنا أهملنا اسم الأستاذ عضو لجنة القراءة الذي تحدث إلينا حديثه الشائق (؟) ونهمل أيضاً ذكر اسم حضرات الأساتذة الذين أدلوا إلينا بآرائهم؛ وإذا كنت تعمدت إخفاء أسمي الصريح عن القراء والاستعاضة عنه (بابن عساكر) فلكي أستبعد كل مظنة، وأنفي كل شبهة أو تأويل، ولأبرز قدر المستطاع رغبات الغيورين على الفرقة، الراغبين في حياتها حياة تتواءم ونهضتنا الأدبية، الوجلين أن يدب إليها سوس الهرم وهي في المهد، فتنالها الشيخوخة بعدوى من روح شيوخها القائمين عليها
هو ذا غرضنا بأوضح تعبير. فإذا طاب لمدير الفرقة - وهو وحده المسؤول عنها - ألا يحمل دعوتنا إياه رؤية خلايا الفساد تنتشر في جسم الفرقة، على محملها الصحيح، أو إذا أحب أن يغضب فيعمد إلى استدعاء محرر بإحدى المجلات كما فعل فيقول له في سياق الحديث: (لقد يصل بي الأمر إلى أن أعطل الفرقة وأقفل أبوابها وأقدم تقريراً إلى وزارة المعارف أقول فيه أن التجربة قد فشلت)
إذا طاب له ذلك فهو وشأنه، ولكننا نستبعد إقدامه على تنفيذ تلك الفكرة، فهي فضلاً عن أنها تثير الضحك، تهدم جميع ما بناه في سني حياته الأدبية. ثم هو يعلم جيداً أن وزارة المعارف لن توافقه على إلغاء الفرقة القومية بجرة قلم استرضاء لخاطر مديرها الموتور من تألب أدباء البلد وفنانيها عليه، وتفكههم في مجالسهم بتصرفاته الدالة على بُعده عن ف الرواية والمسرح، وأنه أقحم على هذا الفن إقحاماً لا مبرر له
نعود الآن إلى أحاديث أعضاء لجنة القراءة فأقول: لقد تفضل حضرة الأستاذ. . فأجاب على سؤالي بقوله: (مهمة لجنة القراءة هي قراءة الروايات التي تقدم إليها وفحصها من جميع النواحي، أعني النواحي الفنية، والخلقية، والاجتماعية، واللغوية؛ فإذا أجازتها فذاك وإلا رفضتها. على أنه قد يكون في بعض الروايات عيوب من ناحية من هذه النواحي ممكن علاجها. وحينئذ ترد إلى المؤلف أو المترجم ليعالجها طوعاً للملاحظات التي تبديها اللجنة، ثم ترد إليها لترى إذا كانت صالحة بالعلاج أم لا)
سألت: هل لرأي النقاد المسرحيين قيمة في نظر اللجنة؟ فأجاب (ليس للنقاد المسرحيين رأي في النواحي التي ذكرناها (كذا) وإنما لهم رأي من ناحية الإخراج، كمعدات الإخراج، وطول الروايات وقصرها عن الوقت المناسب، ونحو ذلك مما يتعلق بعملهم الفني البحت (؟؟!!) أما أن الروايات قيّمة أو ليست قيمة، أو مناسبة أو غير مناسبة، فمن عمل اللجنة وحدها) ثم أردف قائلاً (لم أر إلى الآن في مصر نقداً فنياً قوياً يستطيع أن يسقط الروايات أو يعليها، وكل الذي رأيت محاولات أولية من هذا القبيل. وَهب أنه كان هناك نقد قوي فأعضاء اللجنة نقاد أيضاً (كذا) فلنا رأينا كما لهم رأيهم
هذا من جهة النقاد الفنيين، أما من جهة جمهور النظارة فقد يخالف حكمه حكم اللجنة فيقدر تقديراً عالياً رواية حكمت اللجنة أنها متوسطة، أو يحكم بأنها متوسطة وقد حكمت اللجنة عليها أنها راقية. وسبب ذلك أن الجمهور قد يقدر الروايات من نواح غير فنية ككثرة ما فيها من فكاهات، أو لأن مغزاها قريب المتنأول، وهذا لا يظهر إلا بعد أن تكون اللجنة قد أصدرت حكمها من قبل. ومع هذا فاللجنة تستفيد من رأي الجمهور فيما لا يعجبهم وما لا يعجبهم، وكل هذا يؤثر عند نظر اللجنة في الروايات المقبلة لا في الروايات التي أصدرت حكمها عليها
قلت: هل معنى كلامكم أن اللجنة تؤثر حكم الجمهور وتستفيد من رأي الجمهور ولا تأبه لرأي النقاد؟
فأجاب: (لا، من غير شك. يجب أن يكون رأي النقاد الفنيين في المقام الأول لأن منزلتهم منزلة الخبراء، ولكن قلت لك إنني فيما قرأت لم أر نقداً قوياً إلا في القليل النادر، وما عدا ذلك فمدح مفرط من غير أسباب فنية، أو ذم مفرط لأسباب شخصية غير فنية. والرأي الواجب الاحترام هو ما يصدر من فنيين راقين ينقدون الفن للفن. وإذا حدث ذلك، وقليلا ما يحدث، أحللناه المحل الأول من الاعتبار وقدرناه أكثر من تقدير الجمهور) قلت: هل لاحظتم تقدماً في تأليف الروايات خلال السنوات الثلاث، لأني أزعم أن الروايات التي مثلها الفرقة في عامها الثالث أحط منزلة من الروايات التي مثلت في السنين الثانية والأولى؟ فقال:
(من غير شك لاحظت هذا التقدم خصوصاً عندما قرأنا الروايات التي قدمت للمسابقة الأخيرة. نعم إننا لم نجد روايات حازت المكافأة الأولى، ولكننا رأينا روايات ظهرت فيها القدرة الفنية، وظهر فيها حسن السبك، وحسن الحوار، وإذا قارناها بالروايات التي قدمت في ظروف أخرى قبلها رأينا هذا التقدم محسوساً)
قلت: ما رأيكم في رواية ردتها لجنة القراءة إلى مؤلفها غير مرفقة بأسباب الرفض رأفة به، ثم أعيد تقديم تلك الرواية المرفوضة بعينها إلى اللجنة مع ما تقدم إليها من روايات للمباراة ففازت وأعلن فوزها مع أنه لم يتغير فيها سوى اسم مؤلفها الشاب باسم فتاة، فهل المسؤول عن هذه (اللعبة) مدير الفرقة أم لجنة القراءة؟
حدجني محدثي الفاضل بنظرة الدهشة والاستغراب، وبعد صمت هنيهة قال: (أحب أن أعرف رأي مدير الفرقة في هذا الواقعة) فأجبته بأن مهمتي هي استطلاع رأيه هو لا نقل آراء زملائه إليه
لم أحاول الاتصال بالشيخ الثالث من أعضاء لجنة القراءة لأن مهام الحكم أبعدته عنها، فلم يبقى أمامي سوى رابع الشيوخ الإجلاء وقد كنت أؤمل أن يكون بعيداً عن تخبطات زميليه الفاضلين فيما قالاه عن النقد والنقاد وفيما زعماه من نضوج الفكر الروائي السريع ومن تقدم المسرح نحو الكمال؛ غير أن حضرته أعز الله به دولة الأدب قال لي ما نصه: (يمكنك أن تقول لقراء الرسالة أو من شئت من الناس إن فلاناً، وذكر اسمه مجرداً من اللقبين العلمي والحكومي، لا يريد أن يقول كلمة في الفرقة القومية) وأرى أن في إصراره على عدم الكلام هو التهرب، وهو يتهرب من الكلام عن المسرح الذي طالما تكلم عنه قبل أن يكون لنا فرقة قومية بقي مدير الفرقة وهو الشيخ الخامس المتمم لأعضاء لجنة القراءة، وهو ما فتئ يقول للمجلات الأسبوعية إن فرقته ستصل إلى مستوى الكمال بعد حين، وأنه سيبني لها مسرحاً من المال المدخر، وأن الأدباء لا يوالونه بالتعضيد لأغراض ذاتية، وأن الصحافة لا تأخذ بناصره قبل أخذ ما بخزانته
لم يتيسر لي حضور تمثيل رواية (طبيب المعجزات) والذي أعرفه عنها، وقد قرأتها قبل عرضها على لجنة القراءة، أنها تدور حول شاب طبيب انقطع إلى البحوث العلمية فهداه علمه وتجاريبه إلى استنباط إكسير يطيل الحياة ويقضي على الموت. تفرح الأمة والحكومة، وتفرح حماته أيضاً بهذا الاختراع الذي أنقذ البشرية من الموت المكروه، ورفع مقام صهرها إلى مصاف الخالدين بتخليده الحياة
تجمع الأمة والحكومة على تكريمه، ثم لا يلبث الحال أن ينقلب عليه لفساد جميع النظم الاجتماعية وتغير الأوضاع وتساوي الحياة فيثور الناس على المخترع المسكين فيعمد إلى قواريره فيكسرها وإلى عقاقيره فيفسدها ليعيد العالم سيرته الطبيعية
وبهذه المناسبة أقول لحضرات أعضاء لجنة القراءة: إن قراءة الرواية شيء يختلف جد الاختلاف عن مشاهدتها تلبس ثياب الحياة على المسرح، وأن لا محيد للقارئ عن خصائص فنية مكتسبة وموهوبة تجعل حكمه غير مقتصر على الخلق والاجتماع واللغة فقط
ابن عساكر