مجلة الرسالة/العدد 283/كتاب المبشرين
→ في سبيل الإصلاح | مجلة الرسالة - العدد 283 كتاب المبشرين [[مؤلف:|]] |
من رحلة الشتاء ← |
بتاريخ: 05 - 12 - 1938 |
من أغلاطه في العربية
لأستاذ جليل
- 6 -
20 - في الصفحة (70): أما الكنيسة الغربية فقد كان فيها من تهالك داماسوس وأورسكينوس في المشاحة على منصب الأسقفية ما أفضى إلى. . .
قلت: في القول: (من تهالكهما في المشاحة على منصب كذا) - حذلفة بل عسلطة؛ ولو قيل: كان فيها من تهالكهما على منصب كذا لاستقام الكلام؛ فتهالك على كذا اشتد حرصه عليه، والمشاحة التي أقحمت هذا الاقحام، معناها الضنة، والإحكام يقتضي في هذا المقام (التشاح) - إن أريد ذلك - لا المشاحة، ففي الصحاح: فلان يشاح على فلان أي يظن به.
وفي اللسان والتاج: تشاحا على الأمر تنازعاه لا يريد كل واحد منهما أن يفوته وتشاح القوم في الأمر؛ وعليه شح به بعضهم على بعض وتبادروا إليه حذر فوته وتشاح الخصمان في الجدل كذلك
21 - في الصفحة (70): أسقفية رومة
قلت: في كتب التاريخ والأدب واللغة وغيرها (رومية) لا رومة، وهما روميتان إحداهما - كما قال ياقوت - بالروم، والثانية بالمدائن. وفي معجم البلدان: (ورومية من عجائب الدنيا بناء وعظما وكثرة خلق، وهي اليوم بيد الإفرنج وملكها يقال له: ملك ألَمان، وبها يسكن البابا التي تطيعه الفرنجية، وهو لهم بمنزلة الإمام متى خالفه أحد منهم كان عندهم عاصياً يستحق النفي والقتل، يحرم عليهم نساءهم وغسلهم وأكلهم وشربهم فلا يمكن أحد منهم مخالفته) وفي شعر القيسراني في نور الدين (رضي الله عنه): (فؤاد رومية الكبرى لها يجب) وأما رومة فقرية بطبرية كما في القاموس وفي اللسان موضع بالسريانية. ورومة أرض بالمدينة وفيها بئر رومة كما قال ياقوت وفي كتابه: (وفي الحديث: لما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء، وكان لرجل من بني غفار بئر يقال له بئر رومة، وكان يبيع منها القربة بمُدّ، فقال له رسول الله (ﷺ) بِعنيها بعين في الجنة، فقال: يا رسول الله، ليس لي ولعيالي غيرها لا أستطيع ذلك. فبلغ ذلك عثمان (رضوان الله عليه) فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم)
22 - في الصفحة (70): فيخرج (يعني أسقف رومية) في المواكب والأبهة بالمركبات والمحفات مسرفا في ترك العيش ولا إسراف الملوك
قلت: أرادوا أن إسراف الأسقف يزيد على إسراف الملوك فجاء مقصودهم معكوسا. وكان ابن الحريري قد قال في (الدمياطية) غدوت قبل استقلال الركاب، ولا اغتداء الغراب. فقال احمد الشريشي أي ولا مثل اغتدائه، فحذف مثل المنصوبة بلا وأقام اغتداء مقامها لأن (لا) لا تنصب المعارف، أراد أن اغتدائي قبل أن يغتدي الغراب، والغراب أكثر الطيور بكورا، وهذه إذا طلبت حقيقة معناه صار المشبه أقوى من المشبه به، تقول العرب: فتى ولا كمالك، يريدون أن مالكا أفضل من الفتى، ومثله مرعى ولا كالسعدان وماء ولا كصداء، فهذا مذهب العرب في ذكر (ولا) بين المشبهين، وكلام العرب فلان أبكر من الغراب لا الغراب أبكر من فلان ولا فائدة في ذلك فإذا حققت لفظة (ولا) في تشبيه الحريري على ما يجب لها في كلام العرب انقلب المعنى. ويستعمل أهل فاس في مغربنا لفظة (ولا) في تشبيهاتهم على حد استعمال الحريري، ولا يستعملها أهل الأندلس
23 - في الصفحة (323) يحترزون عن التشبيه غاية الاحتراز فقلت: احترز وتحرز إنما يعديان بمن لا بعن، ففي أقوال العرب وكتب اللغة: احترز منه وتحرز أي تحفظ وتوقى كأنه جعل نفسه في حرز منه. ولم يجيء في كلام عربي مثل هذا القول: احترز غاية الاحتراز بنيابة غاية عن المصدر، ولم يذكره نحويون متقدمون ولا زاد هذا النائب أو النائبة. . . متأخرون
24 - في الصفحة (246): فالنصارى قد حرم عليهم دينهم السكر والزنى وفيهم مع ذلك من يباهي بارتكاب الفاحشة ومن يفتخر بإدمان المسكر
قلت: لم يقصد كتابهم بقوله يباهي. . . المفاخرة بل قصد الافتخار كما قال من بعد: ومن يفتخر. . . بالصواب يتباهى بكذا أو يبتهي به؛ ففي الأساس: وأنا أتباهى به، ولي به افتخار وابتهاء قال أبو النجم:
ليس المحاذر أن يعد قديمه ... والمبتهى بقديمه - بسواء وفي اللسان والتاج: العرب تقول: إن هذا لبهياى أي مما أتباهى به
25 - في الصفحة (386): وتمرن سائرهم في حمل السلاح
قلت: في اللغة مرَن وتمرن على الشيء لا تمرن فيه. قال الإمام الجاحظ: أية جارحة منعتها الحركة ولم تمرنها على الأعمال أصابها من التعقد على حسب ذلك المنع. وفي الصحاح: مرن على الشيء مروناً ومَرانة تعوده واستمر عليه، وفي الأساس: من المجاز مرنت يده على العمل، ومُرِّن وجهه على الخصام والسؤال
وفي المخصص: مرنت فلاناً على الأمر. ومثل ذلك في الجمهرة واللسان والمصباح والقاموس وشرحه، وأقوال العرب
26 - في الصفحة (128): كان الله يستأنف بلطفه إعلانه للناس على لسان أنبياء متعددين
قلت: لا يعد من الكلام (على لسان أنبياء متعددين) قال الأساس: بنو فلان يتعددون على بني فلان أي يزيدون عليهم، وفي اللسان، قيل: يتعدون عليه يزيدون عليه في العدد ويتعادون إذا اشتركوا فيما يعاد به بعضهم بعضاً من المكارم، وفي الصحاح: وإنهم ليعادون ويتعددون على عشرة آلاف أي يزيدون على ذلك في العدد
27 - في الصفحة (385): وهم عدد قليل في قبائل العرب العديدة
قلت: العديدة الحصة - كما في اللسان - والعديد الكثرة، والعديد العدد، والعديد الند والقرن، والعديد الرجل يدخل نفسه في قبيلة ليعد منها وليس له فيها عشيرة، وهو في عديد بني فلان أي يعد فيهم
فعديدة القوم مثل متعدديهم. . .
28 - في الصفحة (91): وأفرغ جهده في كف محمد عن التمادي بالأمر
قلت: تمادى هو في الأمر، وتمادى به الأمر، قال المتنبي:
إلى كم ذا التخلف والتواني ... وكم هذا التمادي في التمادي
وشغْل النفس عن طلب المعالي ... ببيع الشعر في سوق الكساد
وفي اللسان: وتمادي فلان في غيه إذا لج فيه وأطال مدى غيه أي غايته. وفي النهاية: ومنه حديث كعب بن مالك فلم يزل ذلك يتمادى بي أي يتطاول ويتأخر
29 - في الصفحة (216): لم يكن للقبلة من الأهمية عندهم ما صار لها بعد ذلك. وجاءت الأهمية في الصفحة (280)
قلت: أرادوا أن يقولوا: من المنزلة أو القدر أو الخطر أو الشأن فقالوا (الأهمية) وهي لفظة منكرة عامية أو جردية لم تعرفها العربية في وقت وهي منسوبة إلى الأهم، وهو أسم تفضيل من هم، وهو في الحقيقة للفعل (أهم) إذ ليس في اللغة همه الأمر بالمعنى الذي يعرف لأهمه وإن قالت كتب فيها وهمّ كأهم، وفي كلامهم الأمر المهم، ولم يقل جاهلي أو مخضرم أو إسلامي أو مولد متقدم أو مولد متأخر: الأمر الهام كما تقول العوام وفي مفردات الراغب: وأهمني كذا حملني على أن أهتم به قال الله تعالى: وطائفة قد أهمتهم أنفسهم.
وفي الأغاني في سيرة أعشى همدان: فلم يبقى أحد في المجلس إلا أهمته نفسه وارتعدت فرائصه. وفي الصحاح: الأمر المهم الشديد. وفي الأساس: ونزل به مهم ومهمات. وقال عبيد الله ابن عبد الله بن طاهر لعبد الله بن سليمان بن وهب حين وزر للمعتضد:
أبى دهرنا اسعافنا في نفوسنا ... وأسعفنا فيمن نحب ونكرم
فقلت له: نعماك فيهم أتمها ... ودع أمرنا، إن المهم المقدم
فقولهم: فلان ذو أهمية، وكان لزيد عند قومه أهمية، ولم تكن لكذا أهمية - من الكلام المعتل
30 - في الصفحة (69). يتعنت بها كل من المتناظرين على الآخر
فقلت: في اللغة تعنته أي طلب زلته لا تعنت عليه. قال الأساس: وتعنتني: سألني عن شيء أراد به اللبس على والمشقة. وفي النهاية في حديث عمر: أردت أن تعنتني أي تطلب عنتي وتسقطني. وقالوا: أعنت عليه أمره أدخل الضرر عليه فيه. وفي النهاية: فيعنتوا عليكم دينكم أي يدخلوا الضرر عليكم في دينكم. وقد قالت معجمات عصرية: وربما عدى تعنت بعلى، وهذه التعدية غير محققة.
ومن أقوالهم في النهي عن تعنت العلماء - والقول في العقد - إذا جلست إلى العالم فسل تفقها ولا تسل تعنتا
31 - في الصفحة (438): فاضطرت هذه الشريفة أن تتزوج بالغلام ريثما يتهيأ للمولى أن ينكحها، فلما تهيأ له ذلك أظهر
قلت: ريثما في هذا الكلام للحين الطويل كما تدل القصة في كتابهم على ذلك، وهو في العربية للمدة القصيرة، وأصله مصدر أجرى ظرفا، وأكثر ما يستعمل مستثنى في قول منفى.
ومن الأدلة على قصر المدة لهذا الحرف قول الشنفري (أو خلف الأحمر) في لامية العرب:
ولكن نفسا مرة لا تقيم بي ... على الذأم إلا ريثما أتحول
وقول أعشى باهلة في رثاء المنتشر:
لا يُصعب الأمرَ إلا ريث يركبه ... وكل أمر سوى الفحشاء يأتمر
وقول بعضهم:
ولي نفس حر لا تقيم منزل ... على الضيم إلا ريثما أتحول
وفي النهاية: فلم يلبث إلا ريثما قلت أي إلا قدر ذلك. وفي اللسان: عن الكسائي والأصمعي: ما قعدت عنده إلا ريث أعقد شسعي، ويقال: ما قعد فلان عندنا إلا ريث أن حدثنا بحديث، ثم مر أي ما قعد إلا قدر ذلك، ومثله في التاج وفي المصباح: ووقف ريثما صلينا أي قدر ما. وفي المقامات الحريرية في الصنعانية: فأمهلته ريثما خلع نعليه وغسل رجليه. وفي النجرانية: فأمسك ريثما يعقد شسع، أو يشد نسع
للكلام بقية - الإسكندرية
(* * *)