الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 283/المسرح والسينما

مجلة الرسالة/العدد 283/المسرح والسينما

مجلة الرسالة - العدد 283
المسرح والسينما
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 05 - 12 - 1938


الفرقة القومية

(مجنون ليلى) المدير ولجنة القراءة

لا مرية في أن لعزة النفس، وحب المجد، والأطماع الذاتية أثرا جميلا

في حياة الرجل؛ ولا ريب في أن نصف العبقرية، هو الصبر يكال

هامة الرجل العامل الدءوب بإكليل الظفر. فنحن إن كنا لا نغالط ولا

نتهاون في تسمية أعمال مدير الفرقة بأسماء لا تقبل أكثر من معنى

واحد، فلأننا نرمى إلى دغدغة عزة نفسه وتشبثه بالمجد الذي يطمع أن

يختتم فيه سفر حياته في الفرقة القومية، وإلى مداعبة صبره الدال على

نصف عبقرية - كما يقولون - لم نر بعضها في أعماله بهذه المؤسسة

الأدبية، نفعل ذلك لنستثير كوامن النخوة فيه فتدفعه - برغم شيخوخته

- إلى العمل الكامل الذي يرضي النفس الأدبية ويغذي الروح الأدبي

العام. ولهذا نعد اختيار رواية (مجنون ليلى) وتمثيلها على مسرح

الأوبرا مأثرة طيبة نذكرها لحضرة المدير بالخير الكثير، على رغم

أن له في هذه الرواية رأياً خاصاً كان ينفثه في المجتمعات الأدبية

والأرستقراطية، فيقول فيها إنها مجموعة أناشيد تختلف بالأوزان

والقوافي، وإن الحوار فيها هزيل سقيم، وإن الباعث على تأليفها نزوة

قامت في رأس شوقي بك في أيامه الأخيرة لتأليف الروايات الشعرية

البعيدة عن بساطة الطبيعة أو شيء من هذا المعنى. فإغضاء المدير

عن رأيه وتنازله عن النقد الفني لروح الروايات ومبناها، وسعيه إلى إبرازها على المسرح بعد إدخال بعض محسنات زخرفية عليها

بالإنشاد، وإظهار جهود الفرقة بالإخراج البديع والأضواء المتناسقة، قد

أفاء على الرواية ظلا فنياً بارعاً لا أحسبه خالصاً لوجه الفن والأدب؛

وأكاد أسمع وسوسة شيطاني تقرر أسباباً نفسية خاصة بحضرة المدير

وهي:

أولاً: الإفلاس الأدبي. وثانياً: الكسل العبقري. وثالثاً: حب الوقوع تحت تأثير أدبي ومعنوي إرضاء لطبيعة الشعراء في الوحي والإلهام؟!

ولما كان تبيان ذلك قد يستغرق منا صفحة قد يكون في كتابتها الآن ما يقطع سلسة الكلام عن إظهار علل انحطاط الفرقة وتدهورها، فإنا نرجئ هذا الإيضاح إلى ما بعد. أما الآن فلا ينبغي أن يفوتنا أن نهنئ الممثل أحمد علام الذي استطاع بلباقة وكياسة أن يبعث هذه الرواية من مرقدها، وأن يجيد إجادة موفقة تقمص روح المجنون إلى حد حسبناه قد مسَّه طيفُ جنةٍ مثله، كما نمتدح اقتدار الممثل الألمعي عباس فارس على إيفاء كل دور يمثله حقه الأكمل، وأن نطمئن حضرة مدير الفرقة بأن رواية المجنون خير رواية تدر الجنيهات لا القروش تترع خزانة الفرقة وتغمرها بالربح

حصرت، في مقال سابق، علة انحطاط الفرقة وتدهورها في مديرها الفاضل نفسه لاعتقاده أن ليس في الأمة المصرية من هو أصلح منه لادارتها، واستنتجت من هذا الزعم أن لا وسيلة في صلاح يرجى من رجل محدود العقيدة، وتعمدت تجاهل علة مستوطنة مستعصية في لجنة القراءة إلى حين. وهأنذا أقول إن علة هذه اللجنة هي من ذات نوع علة المدير، أو هي جرثومة واحدة تقسمها قسمة عادلة خمسة أشياخ اكليريكيين ذهناً وعقلا، لم يدخل (بعضهمْ) مسرحاً ولم ير تمثيلا أو داراً للسينما إلا في القليل النادر

أردت استطلاع آراء هؤلاء السادة الإجلاء واحداً بعد واحد فأجاب الأول على سؤالي قائلاً ما نصه: (مهمة اللجنة تنحصر في قراءة الروايات التي تقدمها الفرقة، وإصدار الحكم عليها إما بالقبول كما هي، وأما بالقبول بعد التعديل، وإما بالرفض)

قلت: هل تنظرون إلى الرواية إذا كانت مستكملة الخصائص الفنية المعروفة أم تستمعون إلى رأي مدير الفرقة؟ فقال:

(قد جرت العادة بأن مدير الفرقة هو الذي يتولى تقديم الروايات مشفوعة بتقارير عنها، وهو على جلالة علمه، وضافي أدبه ونفوذ نقده يأخذ نفسه في هذا الباب بالتحفظ التام)

سألت: هل لرأي النقاد المسرحيين قيمة في نظر اللجنة؟ فأجاب:

(الواقع أن النقاد المسرحيين إنما يبدون آراءهم بعد تمثيل الرواية حيث يكون الأمر قد انتهى وخرج عن يد اللجنة، على أنه قد يحدث أحياناً أن نرجع بواسطة مدير الفرقة بالضرورة إلى رأي كبار المخرجين (؟) وكبار الممثلين (كذا) فيما إذا كان يمكن تمثيل الرواية على الصورة التي قدمت بها أو لا)

قلت: إذا أجمع النقاد على القول بعدم صلاح رواية مثلتها الفرقة فهل من الحق الأدبي والفني تحدي النقاد وتخطي أقوالهم وإعادة تمثيل الرواية؟ فقال:

(قلت إنه بمجرد إجازة رواية يخرج الأمر من يد اللجنة بتاتاً ولا تستطيع أن تعمل شيئاً)

قلت: من يكون المسؤول عن هذا إذا وقع، وقد وقع فعلا، فإعادة تمثيل روايات تزري بسمعة فرقة أهلية متواضعة فضلا عن الفرقة القومية، منها رواية اليتيمة وغيرها. . فقال:

(أرجو إعفائي من هذا السؤال)

قلت: ألا تريد أن تقول كلمة في الدفاع عن لجنة القراءة وقد قبلت هذه الروايات المشلولة، وفي الدفاع أيضاً عن مدير الفرقة وقد مثلها ثم أعاد تمثيلها؟ فكرر الرجاء بأن أعفيه من الرد ومن الخوض في هذا الموضوع، وقد تفضل فحدثني حديثاً ودياً خاصاً تناول فيه ناحية من (الأخلاق الحكومية) كما سماها لا أسمح لنفسي بنشره الآن

قلت: هل خطر للجنة أن توازن بين الروايات التي مثلتها الفرقة وبين الروايات التي تمثلها الفرق الأهلية وفرق الهواة لتعرف مبلغ تقدم الفرقة القومية على الفرق الأهلية؟ فقال:

(إننا لا نقارن بين الروايات التي تقدم للفرقة وبين غيرها، لأن المقارنة تقتضي فحص الروايات الأخرى وهي لم تقدم إلينا

قلت: أليس من واجب مدير الفرقة أن يفعل ذلك ليقدم للناس، على الأقل، أحسن ما تمثله الفرق الأخرى. فأجاب بعد هنيهة من تفكير:

(ليس لأحد سبيل على أحد، والفرقة القومية إنما نختار من بين الروايات التي تقدم لها هي، وليس لها سلطان على من لا يقدم إليها روايته)

قلت: هل لاحظتم تقدماً في تأليف الروايات خلال السنوات الثلاث، لأني أزعم أن الروايات التي مثلتها الفرقة في عامها الثالث أحط منزلة من الروايات التي مثلت في العامين الثاني والأول؟

اعترض محدثي الفاضل على الشطر الثاني من السؤال قائلاً (إني أجيبكم عن الشطر الأول فقط: على العموم يمكنني أن أؤكد لكم أنني شخصياً كنت من بضع سنوات في شبه يأس من نجاح التأليف التمثيلي في مصر. على أنني لم يرعني، وخصوصاً في أثناء قراءة الروايات التي قدمت للمباراة في هذا العالم، لم يرعني إلا أن أرى شبه طفرة في الروايات المؤلفة مما يدل على أخذ الفكر الروائي في نضوج بل في نضوج سريع. حقيقة أننا لم نبلغ الكمال ولم نقترب منه بعد، ولكن يمكنني أن أقول إننا نمضي سراعاً إلى الكمال. ويحسن في هذا المقام أن أقول إن الجودة النسبية لم تقتصر على الروايات الست التي أجيزت، بل إن هناك روايات أيضاً، وإن لم تصل في نظرنا إلى مدى هذه، فان مؤلفيها ولا شك يستحقون الإعجاب والتقدير)

انتقلنا إلى الكلام عن أسباب صدوف كبار الأدباء من مؤلفين ونقاد عن الفرقة القومية، وعبرتُ عن هذا الرأي بصراحة تؤلم اعتداد أعضاء لجنة القراءة بأنفسهم. فقال محدثي الفاضل بشيء من الحماس المتزن:

(لاشيء يبعد المؤلفين عن الفرقة القومية سوى تهيبهم كتابة الرواية المسرحية ووقوفهم في صف واحد مع الكتاب الناشئين)

اكتفي بهذا القدر من الحديث لضيق المجال، تاركا التعليق عليه إلى المقال التالي، وبذلك يكون قد تيسر لي حضور تمثيل إحدى الروايات التي فازت بجائزة المباراة التي قال عنها وعن أخواتها حضرة محدثي الفاضل إنه رأى فيها شبه طفرة تدل على نضوج الفكر الروائي ومضيه سراعاً إلى الكمال

أبن عساكر