مجلة الرسالة/العدد 281/المسرح والسينما
→ الكتب | مجلة الرسالة - العدد 281 المسرح والسينما [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 21 - 11 - 1938 |
كلمتان في الفرقة القومية
وفي رواية كرنفال الحب
ليس في الأدباء، ولا بين أكثرهم تشاؤماً من الفرقة القومية وأشدهم
يأساً من استصلاحها - من يتمنى لها الراحة الأبدية، بل بالعكس كلهم
يرجو أن تعصف بها عاصفة خريف تهيئ قابليتها لحياة جديدة في
ربيع مقبل
لتشاؤم الأدباء ويأسهم أسباب وجيهة أوضحوها في شتى المناسبات، ولكن القائمين بأمر الفرقة كانوا يختلفون الأعذار لهؤلاء (المتذمرين المستاءين) يعزونها في الغالب إلى أغراض ذاتية، في حين أن ليس هناك متذمر أو مستاء، كما طاب لمدير الفرقة أن يحرف الوصف تخفيفاً لوقع التشاؤم واليأس في النفس، أو أغراض ذاتية، بل هناك كثرة من الأدباء يائسة كل اليأس من استصلاح هذه الفرقة القومية
ليس بمستغرب أن يفيض مدير الفرقة بالأحاديث ينشرها في الصحف محشوة بالوعود الحلوة والأماني الزاهرة، بل المستغرب أن يكرر هذه الوعود على نسق واحد في مطلع كل موسم للفرقة وعند اختتامه ذاهلا عن أدباء غيورين على هذه المؤسسة الأدبية يراقبون سير أعمالها حباً لها، لا سعياً وراء غرض كما يتوهم حضرة مديرها الهمام
أما سمعته يقول في جريدة البلاغ: (يمكنني أن أؤكد أن الفرقة القومية سائرة في طريقها، ونحن نعمل لاستكمال كل نقص لاحظناه فيها؛ ونحن نعلم الآن العيوب التي فينا وسنعمل على علاجها بالقدر المستطاع حتى تصبح الفرقة قادرة على تأدية الرسالة التي تأسست من أجلها) وأنت لو ناقشته الحساب على هذه الأقوال لسمعت منه قولا في المخرجين والممثلين والمؤلفين والمعربين أشد مما قاله مالك في الخمر بأسلوب شعري يلف به اللعنات بلفائف من حرير، ويتعمد تحاشي ذكر لجنة القراءة صاحبة الرأي في إقرار الرواية قبل تمثيلها كما يتحاشى ذكر أعماله وهو المسؤول الأول والأخير عن تقديم الرواية وعن إعطاء الحساب عن وقعها في نفوس الناس ومبلغ أثرها فيه أكتفي الآن بهذه الكلمة لأقف عند الرواية التي اختارتها الفرقة لحفلة الموسم، الموسم الذي قال فيه مدير الفرقة قبل أزوفه (إننا ننظر للمستقبل أكثر ما ننظر إلى الحاضر)
الرواية واسمها (كرنفال الحب) تأليف شارل ميريه وتعريب الأستاذ محمد خالد (كذا) تدور حول فتاة ربتها في الدير أمها الممثلة رامية من وراء ذلك إلى جعلها صالحة للزوجية فالأمومة كيلا تذوق طعم الحياة التي ذاقتها هي. فلما شبت الفتاة وزايلت الدير تعرفت في بيت أمها بشاب علقت به وذهبت معه إلى أقصى حدود اندفاعات الشباب
يتقدم كهل غني في طلب يد الفتاة من أمها، فتفرح لهذه السعادة، فتستدعي ابنتها لتزف إليها بشرى الحظ السعيد فتجيبها الفتاة بأنها تحب شاباً وهو يحبها وأنه سيتزوج بها، ولكنها عندما تفاتح الحبيب بالزواج يداور ويتهرب من المسؤولية فتثور ثائرتها ثم تطرده من بيتها وقتما تصادم عن سماع اعترافها له بأنها ستصبح أمَّا وأن ابنه ينبض في أحشائها، وتعود إلى أمها تعلن لها رغبتها في الزواج من الكهل الغني مشترطة أن يتم الزواج في أسبوعين
ترقد الزوجة على جرح الحب، وتوهم الزوج أن ولدها من صلبه. وفي حفلة رقص تنكرية يظهر الحبيب فجاءة لحبيبته وهو متذرع بذرائع إذكاء العاطفة النسائية وغيرتها الدائمة الاضطرام، فتلهب فيها شعلة الحب القديم وتتخاذل فيها فروض الزوجية أمام دواعي الحب
تثور الظنون في صدر الزوج وهو كهل، وعاقل، وحكيم، وإذ يتأكد أن زوجته ما برحت تكتم الحب الأول وتحن إلى حبيب الشباب، وهي تفتديه بكل ما تملك، يعمل على استصلاح سيرة حبيبها الأفاق فينجيه من ورطة مالية كادت تؤدي به إلى السجن، ويجمع بينهما في بيت واحد، ثم يعلن إخلاء السبيل لهما يتمتعان بثمرة الحياة لأنهما شابان متحابان.
هذه خلاصة لموضوع الرواية الذي أتجنب التعليق عليه لأنه يمثل ناحية من صور الحياة الباريسية طاب للفرقة عرضها في مستهل موسمها. فاختيار الرواية منوط بمدير الفرقة، والمدير يقول إن للفرقة رسالة وإنه عامل على تحقيق الرسالة. فهل رأى ووجد في هذه الرواية (الكرنفال) جميع المزايا التي تحقق رسالة الفرقة وتوائم المزاج المصري؟ وهل هو الذي فرض ترجمتها تحقيقاً للخطة التي اختطها وأعلنها في أحد أحاديثه في جريدة البلاغ إذ قال ما نصه (إن عمل الفرقة الآن يمكننا من توزيع العمل بانتظام، وترجمة الروايات بناء على طلبنا، وذلك بأن نعهد إلى شخص معين بترجمة إحدى الروايات التي نراها صالحة لأن تمثل على المسرح) أو أنها فرضت عليه فتقبلها طائعاً راضياً ليقول كعادته (والله يا سيدي هذا اختيار لجنة القراءة وليس اختياري أنا) ليتنصل من كل تبعة ومسؤولية؟؟ أرجو أن يجيب حضرة المدير على هذه الأسئلة لينير لنا السبيل.
أما المسرح فقد ظهر فيه روح جديد، وإن سرنا أنه شمل الإخراج والإضاءة وحركات الممثلات والممثلين إلا أنه ساءنا بطغيانه على طبيعة التحدث فجعلها تفتعل النسق الباريسي في كر الكلام ولفه وإطلاقه بسرعة إلى حد أنني كنت أفقد جملاً بأكملها تضيع المعاني معها.
أريد ألا أنسى أن المخرج فرنسي، والرواية فرنسية، ومزاج المدير مزاج فرنسي، فلا بدع أن تعلو السحب الفرنسية جو مسرحنا المصري. وهذا يفسر لنا معنى اقتصار الفرقة على تمثيل أربع روايات في هذا الموسم، منها اثنتان معربتان، وواحدة مقتبسة في وسع المخرج الفرنسوي استيعابها وإخراجها على وجه صحيح ووضع فني مستحب.
ابن عساكر