الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 281/الكميت بن زيد

مجلة الرسالة/العدد 281/الكميت بن زيد

بتاريخ: 21 - 11 - 1938


شاعر العصر المرواني

للأستاذ عبد المتعال الصعيدي

وقد سلك الكميت مسلكاً متقارباً في قصائده الأربع، فهو في ميميته يتخلص من مطلعها إلى ذكر بني هاشم فيقول فيهم:

بل هواىَ الذي أجنُّ وأُبدى ... لبني هاشم فروعِ الأنامِ

للقريبين من ندىً والبعيدي ... ن من الجور في عُري الأحكام

والمصيبين باب ما أخطأ النا ... سُ ومرسى قواعدِ الإسلام

إلى أن يقول فيهم وفي خصومهم من بني مروان:

ساسةٌ لا كمن يرعى (؟) النا ... سَ سواءً ورِعيةَ الأنعام

لا كعبد المليكِ أو كوليدٍ ... أو سليمان بعدُ أو كهشام

رأيهُ فيهمُ كرأي ذوي الثُّلَّ ... ةِ في الثائجاتِ جُنحَ الظلام

جزُّ ذي الصوف وانتقاءٌ لذي المخ ... ة نعقاً ودَعدعاً بالبهام

من يمت لا يمت فقيداً ومن يح ... ى فلا ذو إلٍ ولا ذو زمام

فهمُ الأقربون من كلّ خيرِ ... وهم الأبعدون من كل ذام

ثم يتخلص من ذكرهم إلى ذكر جدهم رسول الله ﷺ، فيمضي في مدحه وذكر مناقبه الشريفة:

أُسرة الصادق الحديث أبي القا ... سمِ فرعِ القُدامس القدَّام

خيرُ حي وميتٍ من بني آ ... دم طرَّا مأمومهم والإمام

إلى أن يقول فيه:

أبطحي بمكة استثقب الل ... هـ ضياء العمى به والظلام

وإلى يثرب النحول عنها ... لمقام من غير دار مقام

هجرة حولت إلى الأوس والخز ... رج أهل الفسيل والآطام

غير دنيا محالفاً وأسم صدق ... باقياً مجده بقاء السلام

ثم يأخذ بعد هذا في ذكر باقي أصولهم فيقول: ذو الجناحين وابن هالة منهم ... أسد الله والكمى المحامي

لا ابن عم يرى كهذا ولا ع ... م كهذاك سيد الأعمام

والوصي الذي أمال التجوب ... به عرش أمة لانهدام

كان أهل العفاف والمجد والخي ... ر ونقض الأمور والإبرام

نالنا فقده ونال سوانا ... باجتداع من الأنوف اصطلام

وأشتت بنا مصادر شتى ... بعد نهج السبيل ذي الآرام

إلى أن يقول:

وأبو لفضل إن ذكرهم الحل ... وبقيَّ الشفاء للأسقام

صدق الناس في حنين بضرب ... شاب منه مفارق القمقام

وأبو الفضل هو العباس عم النبي ﷺ، وقد كانت الشيعة إلى عهد الكميت يداً واحدة إلى أن تفرقوا في عهد العباسيين إلى علويين وعباسيين، فعادى بعضهم بعضاً بعد أن آل الملك إليهم، واستأثر به بنو العباس كما استأثر به بنو مروان قبلهم. وقد أخذ بعد هذا كله في الحديث عن نفسه في هذا الأمر الذي أخذها به، واستسهل صنوف البلاء في سبيله، فقال:

فبهم كنت للبعيدين عما ... واتهمت القريب أي اتهام

وتناولت من تناول بالغي ... بة أعراضهم وقل اكتتامي

إلى أن يقول:

ولهت نفسي الطروب إليهم ... ولهاً حال دون طعم الطعام

ليت شعري هل ثم هل آتيتهم ... أم يحولن دون ذاك حمامي

وقد أراد أن ينتقل من ذلك إلى ذكر ناقته ووصفها على عادة الشعراء قبله، ولكنه يجعل ذلك في ختام قصيدته ولا يبدأ به في أولها كما كانوا يبدؤون به، فلا يؤثره بهذا على مقصوده الذي ملك عليه مشاعره، وفي هذا يقول:

إن تشيع بي المذكرة الوجنا ... ء تنفى لغامها بلغام

عنتريس شملة ذات لوث ... هوجل ميلع كتوم البغام

إلى أن يقول في الختام: ما أبالي إذا تحن إليهم ... نقب الخف واعتراق السنام

يقض زور هناك حق مزوري ... ن ويحيى السلام أهل السلام

وكذلك يسلك الكميت ما يقرب من هذا المسلك في بائيته الأولى، فقد تخلص من مطلعها إلى ذكر حال نفسه وما يلاقيه في سبيل رأيه فقال:

بني هاشم رهط النبي فأنني ... بهم ولهم أرضى مراراً وأغضب

خفضت لهم مني جناحي مودة ... إلى كنف عطفاه أهل ومرحب

وكنت لهم من هؤلاء وهؤلاء ... مجنا على أني أذم وأقصب

إلى أن قال:

يعيبوني من خبهم وضلالهم ... على حبكم بل يسخرون وأعجب

وقالوا ترابي هواه ورأيه ... بذلك أدعى فيهم وألقب

على ذاك إجرياي وهي ضربتي ... ولو جمعوا طرا على وأجلبوا

وأحمل أحقاد الأقارب فيكم ... وينصب لي في الأبعدين فأنصب

ثم أخذ في ذلك الحجاج الذي جمع فيه بين الشعر والعلم، ولعله هذا كان أول عهد العرب بذلك الأسلوب في الشعر:

بخاتمكم غصباً تجور أمورهم ... فلم أر غصباً مثله يتغصب

وجدنا لكم في آل حاميم آية ... تأولها منا تقى ومعرب

وفي غيرها آياً وآياً تتابعت ... لكم نصب فيها الذي الشك منصب

بحقكم أمست قريش تقودنا ... وبالفذ منها والرديفين نركب

وقالوا ورثناها أبانا وأمنا ... وما ورثتهم ذاك أم ولا أب

ولكن مواريث ابن آمنة الذي ... به دان شرقي لكم ومغرب

يقولون لم يورث ولولا تراثه ... لقد شكرت فيه بكيل وأرحب

ولا كانت الأنصار فيها أدلة ... ولا غيباً عنها إذا الناس غيبوا

فان هي لم تصلح لقوم سواهم ... فإن ذوي القربى أحق وأقرب

إلى أن قال:

فيا لك أمراً قد أشتت أموره ... ودنيا أرى أسبابها تتقضب يروضون دين الحق صعباً مخرماً ... بأفواههم والرائض الدين أصعب

وقد درسوا القرآن وافتلجوا به ... فكلهم راض به متحزب

فمن أين أو أني وكيف ضلالهم ... هدى والهوى شتى بهم متشعب

ثم اخذ في مدح بني هاشم فقال:

فيا موقداً ناراً لغيرك ضوؤها ... ويا حاطباً في غير حبلك تحطب

ألم ترني من حب آل محمد ... أروح وأغدو خائفاً أترقب

أناس بهم عزة قريش فأصبحوا ... وفيهم خباء المكرمات المطنب

خضمون أشراف لها ميم سادة ... مطاعيم أيسار إذا الناس أجدبوا

إلى أن قال:

وقد غادروا فينا مصابيح أنجما ... لنا ثقة أيان نخشى ونرهب

أولئك إن شطت بهم غربة النوى ... أماني نفسي والهوى حيث يسقب

ثم ختم ذلك كله بوصف ناقته كما فعل في ميميته فقال:

فهل تبلغنيهم على بعد دراهم ... نعم ببلاغ الله وجناء ذغلب

مذكرة لا يحمل السوط ربها ... ولأياً من الإشفاق ما يتعصب

إلى أن قال:

كأن حصى المعزاء بين فروجها ... نوى الرضخ يلقي المصعد المتصوب

إذا ما قضت من أهل يثرب موعداً ... فمكة من أوطانها والمحصب

عبد المتعال الصعيدي