مجلة الرسالة/العدد 28/بني مصر!
→ من طرائف الشعر | مجلة الرسالة - العدد 28 بني مصر! [[مؤلف:|]] |
بائع حصير ← |
بتاريخ: 15 - 01 - 1934 |
للأستاذ فخري أبو السعود
إلامَ تغيب عنا وتطلعُ ... ونلعب في ظلّ الحياة ونرتعُ؟
رضينا بخفض العيش والذلُّ حوله ... وما الذل إلاَّ حظٌّ من بات يقنع
نَهِيمُ بهزلٍ لا نهيم بغيرِهِ ... ونهرب مِن جِدَّ الحياة ونفزع
ونحجم عن أخطارها وصعابها ... وتنهبنا لَذَّاتها والتمتع
وإن نبتغ العليا ترانا كأنما ... نُساق إليها كارهين ونُدفَع
نسير على رِسْل ولِلعصر حولنا ... مواكبُ في طُرْق العلا تتدفَّع
أساغَ بنو الشرق الحياةَ ذليلةً ... وعيشُ بني الغرب العلا والترفُّع
هُمُ قادة الدنيا ونحن وَرَاءهمْ ... فُضُولٌ وأذيالٌ تجَرُّ وتَتْبَعُ
رضينا بأن نحيا على الغرب عالةً ... كَأن ليس فيما دون ذلك مَطْمَعُ
نُدِلُّ ونستعلي بمخترعاتهم ... ولا كاشفُ منا ولا ثَمَّ مُبدِع
ونفخَرُ بالعلم الذي هُمْ عُيُونهُ ... ولم نَكُ إلاَّ شَرْبَهُ حيث ينبع
ونَرْفلُ في أعطافها مِن حضارةٍ ... وما نحن نَبْنيِها ولا نحن نَصْنَعُ
وكم تائهٍ منَّا بثوبٍ منمَّقٍ ... وأحرَى به منه الرَّدِيمُ المرقَّع
وكم مستعيرٍ بَاسَهُمْ ويخاله ... بقوَّته فينا يصول ويَدْفع
لهمْ حاضرٌ دالٍ وماضٍ مؤتَّل ... وسعيٌ إلى مستقبل المجد أرْوَع
إذا ذَكَروا أوطانهم فَخرُوا بها ... ويا حبَّذا فخراً ذمار ممنَّع
يطولون بالجاه العزيز تفاخُرا ... ونطرق من ذلّ الإسار ونخشع
ونَشحَذ من لآبائنا وجدودنا ... فخاراً على أعقابهم ليس يُخلع
همُ دوننا أهلُ الفخار ولم يكن ... عُلوُّ أبٍ في حِطَّةِ الوُلْدِ يَشْفع
نتيهُ بتاريخ لهم ومآثر ... قِيامٍ على الأيام لا يزعزع
وما هي ما نَحْنى إلا صحائفُ ... بَوَالٍ وأطلالٌ خَوَالٍ وأرْبُعٌ
وفيمَ تبَاهينَا بعزٍّ ورفعةٍ ... وحاضِرُنا قَفْزٌ من العز بلقع؟
تَبَرّأ ماضي المجد منه ولو دَرَى ... للاشَ له خُوفو وأُذْهِلَ خَفْرَع ورِيعَ الفراعينُ العِظامُ وأجفلوا ... وهالَهُمُ هذا التراث المضيَّع
رأوْا أُمةً تمشي وراء زمانها ... وقد عرفوها في الطليعة تطلع
وتقنع من حظّ الحياة بدونها ... وقد تركوها في الذرى تتربع
وأوغل فيها الأجنبي نيُوبهُ ... وقد عهدوها النجمْ أو هِيَ أمنعُ
وهالهُمُ خيلٌ بمصرَ ورايةٌ ... إلى راية النيل المفدَّاةِ ترفع
كأنِّي أُصغِي من علاهم إلى صدَى ... يَشقُّ القرون الداجيات فَيُسْمِع
يقول: بني مصر الحياة أو الردى ... ومالكُمُ من دونِ هذين مَشْرع
فليست حياة الشعب إلاَّ سيادة ... تَرُدُّ طِماع الطامعين وتَرْدَعُ
وليس الردى إلا حياة مَهينةً ... يَقرُّبها الشعب الذليل المضعضع
أيرضخ شعب النيل للغير راضياً ... بما بات يأباه من الزِّنج أوكعُ؟
هلموا إلى جد الحياة وَنفضُوا ... بقية هذا النوم فالعصر مسرع
فما الأمر لو تدرُون إلا عزيمة ... تصارعِ شدات الحياة فَتَصْرَعُ
تَعافُ ذلول العيش قد لان ملمساً ... وتضرب في وعر الحياة وتقرع
وأنَّى سلكتم فاجعلوا مصر قِبلةً ... وحول علاها الملتَقى والتجمُّعُ
شريكتم في سِرِّكم وجهاركمْ ... وحين تغيب الشمس عنكم وتطلع
وولوا إلى الأعمال لا القول همكم ... فما القول بالمجدي ولا الزعم ينفع
وإن فاتكم منها الجنَاة ففي غدٍ ... ستزهِرُ للجيل الجديد وتونِعُ