مجلة الرسالة/العدد 28/الكتب
→ وجه صالح للسينما | مجلة الرسالة - العدد 28 الكتب [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 15 - 01 - 1934 |
ابن خلدون وتراثه الفكري
تأليف الأستاذ محمد عبد الله عنان
أصدر الأستاذ المؤرخ الكبير محمد عبد الله عنان كتابه القيم، (ابن خلدون، حياته وتراثه الفكري) فأدى به واجباً طالت بنا الأيام ونحن عاجزون عن أدائه. ولئن كان أهل الأدب ورجال العلم والتاريخ قد قابلوا هذا الكتاب بما يليق به من الترحيب والتقدير لما رأوا فيه من ترجمة وافية لحياة العالم المؤرخ الفيلسوف عبد الرحمن بن خلدون الذي شهد له كبار رجال الغرب بالعبقرية وقدروه حق قدره، واعترفوا بأنه واضع أصول علم الاجتماع وفلسفة التاريخ، فأني قد قابلت هذا الكتاب النفيس لا بما قابله الناس فحسب، وإنما قابلته كذلك بفرح وغبطة، ذلك بأنه قد حقق أمنية لي طالما تمنيتها وناديت بها على صفحات الصحف وهي أن نعمل على إحياء ذكرى مؤرخنا الفيلسوف العظيم حتى يعلم المسلمون خاصة والشرقيون عامة مقدار علو مقامه، وليقفوا على مدى سمو علمه فيجعلوه مفخرة لهم وينتفعوا بعد ذلك بتراثه الفكري العظيم.
وإذا كان الأستاذ الكبير محمد عبد الله عنان قد أرضى العلم والتاريخ بترجمة حياة عالمنا ومؤرخنا الفيلسوف بعد أن كان لا يعرف من حياته ألا ذرو يسير لا يحيط به إلا القليلون، وأطلع جيلنا على عظمة هذا الرجل ومبلغ أثره الفكري، وكشف عن فضله على العلم والتاريخ والأدب، فإنه قد بقي أمر ذو خطر لم يسع حضرة المؤلف نفسه إلا أن يتحدث عنه ويشيد هـ، ذلك هو مقدمة تاريخ ابن خلدون، تلك المقدمة التي حملت نتاج عبقريته وكانت سبب عظمته التي بهرت علماء الغرب جميعاً وجعلتهم يشهدون له بالنبوغ والألمعية، فإن طلاب الأدب والعلم الذين ناشدهم الأستاذ عنان أن يعكفوا على دراستها والانتفاع بها لا يجدون بين أيديهم نسخة صحيحة منها يرجعون إليها، ذلك بأن كل ما طبع منها قد مسه التحريف، وناله التصحيف، وقد ذكر لنا الأستاذ أحمد زكي باشا أنه لما استيقن من وجود المسخ والتحريف والتصحيف فيما طبع من هذه المقدمة ظل يسعى حتى أسعده التوفيق بالعثور على نسخة خطية من هذه المقدمة مصححة بقلم ابن خلدون نفسه وعلى أنه قد أنفق في سبيل نقل هذا الأثر النفيس نحو ثمانين جنيهاً فإنه يأسف جد الأسف إن لم يجد أحداً من رجال العلم أو من أصحاب المطابع قد سعى في طبعها ونشرها، ولا يزال هذا الكنز مدفوناً بالخزانة الزكية
فإذا كان الأستاذ الكبير محمد عبد الله عنان قد قام بهذا الفرض الكفائي فأرخ حياة ابن خلدون فإنه لا يزال عليه فرض آخر لا يتم الفرض الأول إلا به، ذلك أن يعمل على طبع نسخة صحيحة من مقدمة ابن خلدون فيحظى بالحسنيين ويتم بذلك عمله الخالد وحبذا، لو تولت لجنة التأليف والترجمة والنشر طبع هذه المقدمة ووقف على تصحيحها مع الأستاذ عنان الأستاذان الجليلان أحمد أمين وأحمد حسن الزيات فيؤدوا بذلك أجل عمل للأدب والعلم والتاريخ
إني أناشد حضرات الأساتذة الأجلاء عنان وأمين والزيات بحق العلم الذي يعملون له مخلصين أن يجعلوا من عملهم للعلم طبع مقدمة ابن خلدون ولتجعلها لجنة التأليف والترجمة والنشر من حسناتها في (نشر) الكتب القيمة والأسفار النافعة.
محمد أبو ريه