الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 279/جورجياس أو البيان

مجلة الرسالة/العدد 279/جورجياس أو البيان

بتاريخ: 07 - 11 - 1938


لأفلاطون

للأستاذ محمد حسن ظاظا

- 14 -

(تنزل (جورجياس) من آثار (أفلاطون) منزلة الشرف، لأنها

أجمل محاوراته وأكملها وأجدرها جميعاً بأن تكون (إنجيلا)

للفلسفة!)

(رينوفييه)

(إنما تحيا الأخلاق الفاضلة دائماً وتنتصر لأنها أقوى وأقدر

من جميع الهادمين!)

(جورجياس: أفلاطون)

الأشخاص

1 - سقراط: بطل المحاورة: (ط)

2 - جورجياس: السفسطائي: (ج)

3 - شيريفين: صديق سقراط: (س)

4 - بولوس: تلميذ جورجياس: (ب)

5 - كاليكليس: الأثيني: (ك)

ط - وإذاً فقد رأيت بالمقارنة يا بولوس أن طريقة مناقضتك لا تشبه طريقتي في شيء. فأنت تفضل موافقة (الجميع) على موافقتي، وأنا أفضل اقتناعك وحدك وشهادتك وحدها، ولذلك قد عنيت بكلامك وتصويتك ولم أعن بالآخرين؛ فليبق ذلك إذاً معروفاً فيما بيننا، ولنمض الآن إلى اختبار النقطة الثانية التي كانت موضوع نزاعنا. أُترى (العقاب) عند (الأجرام) أفدح الشرور كما ظننتَ، أم ترى (الفرار من العقاب) هو الأفدح كما ظننتُ أنا؟ أو فلنمض هكذا: ألست ترى أن كلاً من (العقاب بعدل) و (لقاء جزاء الخطيئة) واحد؟

ب - بلى

ط - والآن هل تستطيع أن تقول إن كل ما هو عادل ليس (بجميل) بقدر ما هو عادل؟ فكر قبل أن تجيب!

ب - بلى يا سقراط فإني أعتقد أن الأمر كذلك

ط - فلنفحص ذلك أيضاً، إذا فعل (فاعل) شيئاً، إلا يكون ضرورياً أن يكون هناك (منفعل) يتأثر بفعل (الفاعل)؟

ب - يلوح ذلك

ط - وذلك الذي يتحمل ما يفعل الفاعل؛ إلا يجب أن يكون تابعاً له تماماً؟ ولنأخذ مثلاً: إذا طرَق أحدهم؛ إلا يجب أن يكون هناك (شيء) يطرق؟

ب - بالضرورة

ط - وإذا طرق الطارق بشدة أو بسرعة، ألا يكون الطرق على المطروق شديداً بالمثل أو سريعاً؟

ب - بلى

ط - وإذاً فالنتيجة بالنسبة للمطروق كما يريدها الطارق!

ب - نعم

ط - وبالمثل إذا أحرق إنسان، فيجب أن يكون هنالك (شيء) يحرق!

ب - حتما.

ط - وإذا أحرق الحارق بشدة وسبب ألماً شديداً، فإن المحترق يتأثر كما يريد الحارق؟

ب - نعم

ط - وإذا قطع إنسان ألا يكون الأمر بالمثل إذ يكون هنالك (ما يقطع)؟

ب - بلى

ط - وإذا كان القطع واسعاً أو عميقاً أو مؤلماً، أفلا يقاسي (المقطوع) ما يريده القاطع؟

ب - ذلك واضح

ط - فلتر بالأجمال إذا كنت توافقني على ما قلته توا في جميع هذه الحالات: وهو أنه كما يكون فعل المؤثر تكون النتيجة في المتأثر

ب - إني أوافق

ط - وإذا كان الأمر كذلك فخبرني: أتحمل العقاب فعل وإيلام أم انفعال وتألم) يا سقراط

ط - فهو إذا (ألم) من ناحية شخص (فاعل)؟

ب - بلا شك لأنه (ألم) من ناحية من يعاقِب

ط - ولكن ذلك الذي يعاقِب بعقل وحق، أتراه يعاقب بعدل؟

ب - نعم

ط - وإذا فهل تراه يقوم في عقابه بعمل عادل أو لا يقوم؟

ب - إنه يقوم بعمل عادل!

ط - وذلك الذي يلقى جزاء خطيئة ارتكبها، ألا تراه يُعامَلُ معاملة عادلة؟

ب - ذلك ظاهر

ط - وقد اتفقنا على أن العادل جميل؟

ب - من غير تناقض

ط - وإذا فأمامنا رجلان، أحدهما يفعل فعلاً جميلاً، والآخر - وهو المعاقب - يتحمل ذلك الفعل؟!

ب - نعم

ط - ولكن إذا كان العمل جميلاً فانه يكون حسنا، لأنه إما أن يكون جميلاً أو نافعاً

ب - ذلك محتوم!

ط - وإذا فذلك الذي يتحمله المعاقَب ويقاسيه شيء حسن

ب - يلوح هذا

ط - وهو يخرج منه على ذلك بنفع؟!

ب - نعم

ط - وهل هذا (النفع) هو النفع الذي أتصوره؟ هل تتهذب نفسه إذا عوقب بعدل؟

ب - ذلك محتمل جداً

ط - وإذا فذلك الذي يعاقَب يتخلص من رداءة نفسه وشرها ب - نعم

ط - أولا تراه يتخلص بذلك من أفدح الشرور؟ لنختبر السؤال على ذلك النحو؛ أذلك الذي يريد أن يجمع ثروة كبيرة، أهناك - فيما تتصور - شر له غير الفقر؟

ب - ليس من شر له غير هذا!

ط - وفي تركيب الجسم: أليس الضرر في رأيك هو الضعف والمرض والتشويه وكل النقائص التي من ذلك النوع؟

ب - بلى

ط - أولا تعتقد أن للنفس هي أيضاً نقائصها؟

ب - بالطبع

ط - أولا تطلق على هذه النقائص الظلم والجهل والجبن وأسماء أخرى مماثلة؟

ب - بالتأكيد!

ط - وإذن فقد عرفت أن لهذه الأشياء الثلاثة: وهي الثروة والجسم والنفس، ثلاثة رذائل وشرور، هي الفقر والمرض والظلم

ب - نعم

ط - والآن أي هذه الرذائل أكثرها (قبحاً)؟ أليست هي الظلم، وأعني به رذيلة النفس؟

ب - من غير جدال

ط - وإذا كانت هذه الرذيلة أكثرها (قبحاً)، فهي بالأحرى أكثرها (رداءة)؟

ب - وكيف تقول بذلك يا سقراط؟

ط - ذاك هو السبب. أليس أقبح الأشياء قبيحاً هكذا لأنه يسبب (ألماً) أكثر، أو (خسراناً) أفدح، أو هما معاً؟ ذلك ما قلناه من قبل!

ب - تماماً

ط - أو لم نعرف منذ هنيهة أن أقبح الأشياء هو (الظلم) أو هو بوجه عام (رداءة النفس)؟

ب - لقد عرفنا ذلك حقاً

ط - أوليس أقبح الأشياء قبيحاً هكذا لأنه أكثره ألماً وإيلاماً، أو أكثرها خسرانً، أو أكثرها جلباً للاثنين معاً؟ ب - بالضرورة

ط - وإذن فالألم الأكثر في أن نكون ظالمين وشرهين وجبناء وجهلاء، وليس في أن نكون فقراء ومرضى؟

ب - يبدو لي أنه كذلك يا سقراط تبعاً لما قلنا.

ط - وإذاً يجب أن تكون (رداءة النفس) أقبح الأشياء، لأنها تفوقها جميعاً بما تسببه من خسران هائل خارق للمعتاد، ومن شر مسرف عجيب، لا من الألم فحسب تبعاً لقولك

ب - ذلك واضح

ط - وذلك الذي يزيد هكذا بالخسران المفرط هو أفدح ما يوجد من الشرور؟

ب - نعم

ط - وإذاً فالظلم والشره (ورداءة النفس) على العموم، هي أفدح شرور العالم؟؟

ب - ذلك ظاهر

ط - والآن ما هو الفن الذي يخلصنا من الفقر؟ أليس هو الاقتصاد؟

ب - بلى

ط - ومن المرض؟ أليس هو الطب؟

ب - بلى، من غير نزاع

ط - ومن رداءة النفس وظلمها؟ إذا كان وضع أسئلتي على ذلك النحو يحيرك فسأجعلها هكذا: إلى من نذهب بأولئك الذين هم مرضى الجسوم؟

ب - إلى الأطباء يا سقراط

ط - وإلى من نذهب بأولئك الذين يتركون نفوسهم فريسة للظلم والشره؟

ب - أتريد أن تقول إننا نذهب بهم إلى القضاة؟

ط - أليس كذلك كيما يلقوا جزاءهم؟

ب - بلى

ط - والآن ألا نعاقب الناس، عندما نعاقبهم، بحق لأنا نطبق (عدلاً) خاصاً؟

ب - ذلك واضح

ط - وهكذا يحررنا الاقتصاد يا بولوس من الفقر، والطب من المرض، والعدالة من الظلم والشره!

ب - ذلك واضح

(يتبع)

محمد حسن ظاظا