الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 276/رسالة الشعر

مجلة الرسالة/العدد 276/رسالة الشعر

بتاريخ: 17 - 10 - 1938


التمثال الحي

للأستاذ إبراهيم العريض

سكنتْ في الطابقِ المُظ ... لمِ من دارٍ سويَّه

غادةٌ لا تملكُ القُو ... تَ. . . وبالحُسنِ غنيه

هيَ في الأسمالِ لكنَّ ... لها رُوحًا ذكية

سلبتْها كلَّ شيءٍ ... ثَورةٌ إلا التقيه

تَتلوّى كلّما أب ... صرَتِ الدارَ خليه

أينَ عنها أبَواها ... في ظلامِ الأبدية

وأخُوها جَدّلتهُ ... في الوغى كفُّ شقيه

فثوى والعَلَمُ الخا ... فِقُ يَلوى بالتحيه

كيفَ لا تَبكِي وهل أب ... قَى لها الدهرُ بقيه

خرجتْ تعثر في الذَّيْ ... لِ إلى جار قريبِ

عاشَ بينَ الناسِ في عُز ... لتِه مِثلَ الغريب

وخطَ الشيبُ عَلى جبْ ... هِته شِبهَ النُدوب

أينَ في الدهرِ فؤادٌ ... لم يُرّوع بالخُطوب

وأتتهُ وهْوَ في مع ... مَلِه جِدٌ دَؤوب

ينحتُ الجِسمَ من الصَخْ ... رِ فَيأتي بالعجيب

ورآها وهي في الأسْ ... مالِ تمشي كالمُريب

ومِن الجُوعِ على الخدّ ... يْنِ آثارُ شُحوب

فاثني يرمِقُ ذاكَ ال ... حُسنَ في صمتٍ رهيب

ودَنا من جسمِها المحْ ... مُومِ لكن بفُتُوَّه

ما لَها لم تضطرِبْ مِن ... هُ ولا خافت دنُوه

إنَّ في عينيهِ. . لا غض ... هُما. . . نورَ النُبوّه

مِن هُواةِ الْحُسنِ للفَنّ ... وإن غاَلى غُلوه وأحسَّتْ كفَّهُ تن ... تزِعُ الثَوبَ بقُوه

فأرادتْ سِترَ نهْدَي ... نِ حياءً ومُروه

(إنّني أُنثى. . . ألا تش ... عُر أنّى فَوقَ هُوّه)

قالَ (كُفِّي - أنتِ من شَيْ ... بىَ في ظِلِّ الأبوة

لَو تَجَرّدْتِ سَما الفَنُّ ... بِعطَفْيكِ سُمُوّه)

فَرَمتْ ما كانَ لا يَسْ ... ترها إلا قليلا

ثمَّ قالت (ومَتى تُط ... عِمُني). . . قالَ (أصِيلا)

وجثَتْ بينَ يديْهِ ... في تَعريِّها طويلا

وهْوَ لا يُنكرُ مِن قا ... مَتِها إلا النحُولا

فانحَنى يمتحِنُ الجِسْ ... مَ فُروعاً وأصُولا

إنّ في إطراقِها مُغمِضةً شَيْئاً مَهُولا

ثمَّ لّما سَمِعتْهُ ... فاهَ بالحُكم جميلا

نهضَتْ تبْسمُ في الدَمْ ... عِ وقدْ سَالَ مسيلا

(هلْ لِهَذا الحُسْنِ أن يخ ... لدَ بي جِيْلا فجِيلا)

وقفت عارِيةً بَيْ ... نَ التماثِيلِ كَدُرَّه

تحمِلُ الثَغْرَ على الضِحْ ... كِ وفي العينَيْنِ عَبره

ومضَى يقدِرُ بالازْ ... مِيلِ في المَرمر قَدرَه

لَمْ تُحاوِل قَطّ أنْ تَثْ ... نِيَ جِيداً فتَضُرَّه

لبَثتْ في وَضعِها ذَ ... لِكَ يَوْمًا مُستمِرّه

إنَّهُ يعملُ للفَنِّ ... . . . وهَل فِيهِ معَرّه

هِيَ لوْلا الجُوع لمْ تَر ... ضَ بأن تَصبِرَ صَبرَه

وهْوَ في عالَمِه. . . لَو ... يُدْرِكُ العالَمُ سِرَّه

نظرةً يُلقِي عَليْها ... وعَلَى المرمَرِ نَظْره

ماَلتِ الشمسُ إلى الغَر ... بِ ومَا زالَ مُجِدّا

واستَحَالَ المرْمرُ المس ... نُونُ حتى صارَ قَدَاً فانحَنتْ مِن كفَّها أن ... مُلةٌ تُسْنِدُ خدا

فانجَلى الصَدرُ وفَوْقَ ال ... صَدرِ شيءٌ يتحَدى

واستدارَ البَطنُ في طَيَّ ... تِه أحسَنَ جِدا

قالَ (لولا الجُوْع لم يَبْ ... لُغْ مِن الغَادةِ حدا)

ثمَّ مَدَّ الراحةَ اليُم ... نَى عَلَى الفَخْذَينِ مدا

فأطالَ الساقَ حتى ... شارفَت في الكَعبِ ضِدا

وبَرَاها قدَماً يَحْ ... لُو لها أن تَسْتَبِدا

ودَجَا الليلُ. . . فلم يُلْ ... قِ إلى الغادَةِ بالا

غايَةُ الفَنَّانِ أن يَب ... لُغَ بالفَنّ كمالا

فطَوَي الشَعْرَ على الرأ ... سِ كمَوْج يتوالى

فجَلا الجَبْهةَ غَرا ... َء كمِرآةٍ تَلالا

فأرَى لمحَةَ عينَي ... نِ تُطِيلاَنِ السُؤالا

فلوى في جانِب الأُذْ ... نِ مِنَ الصُّدغ هِلالا

وَأقامَ الأنفَ كالإبْ ... رَةِ حُسناً واعتِدالا

ثمَّ لما جاَء للثَغْ ... رِ رَأى فيهِ احتِمالا

قالَ (لو يَفترُّ هَ ... ذَا الثَغرُ لازدادَ جمالا)

وإذا بالصوتِ. صوت ال ... دِيكِ صُبحاً يَتَعَالى

تمَّت الدُمْيةُ لا يَن ... قُصها غَيرُ الحِوارِ

فانثَنى يضْحَكُ للغا ... دةِ في شِبْهِ اعتِذار

(أُنظُري صُنعَ يَدي فَهْ ... وَجدِيرٌ باعِتبار)

(إنّها مُعجِزةٌ خا ... لِدَةٌ مِثلَ النهار)

ورآها لم تُحَرِّك ... شفَةً. . . والجِسم عار

فدَنا منها وفي أَض ... لُعِهِ جَمْرةُ نار

وإذا بالَخْودِ في مَو ... ضِعِها مِثلَ السَوَاري

جسَدُ مِن غَير رُوحٍ ... مُستمِر في انتِظار إنّمَا الثَغرُ كما يَهْ ... واهُ في حالِ افتِرَار

وانحَنى بَيْنَ يديَهْا ... باكياً سُوَء مآلِهْ

وطَوَى حاشيةَ الثَوْ ... بِ علَيها في اعتِلاله

(أنا أدعُوكِ. وهل يَسْ ... معُ مَيتٌ صَوتَ واله)

(أنا أفديكِ. وهل يُجْ ... دِيكِ شَيْبي في ابتهاله)

ثمَّ ألقى نظْرَة حا ... ئِرَةً نحْوَ مِثاله

فرآهُ يُحدقُ الطرْ ... فَ ولا يَرثى لحاله

فأتى في اليأسِ أَمْراً ... لم يكُنْ قَطّ بباله

إذ رَمي قِطعَةَ صَلْدٍ ... شَوَّهَتْ بَعضَ جماله

ومضَى يَعثِرُ بالشي ... ءِ ويَهذي في اختِباله

وقفَ العاِلمُ ما بَيَ ... نَ الجَماهيرِ خطيبا

قالَ (ترَوِى بعثةُ الشَرْ ... قِ لنا أمراً عجيبا

بينَما كانوا يجوبو ... ن الصَحاريَّ جَنُوبا

عثَرُوا فيها بتمثا ... ل سَأَجْلوه قريبا

يَعلمُ اللهُ لئِن أُلْ ... فِىَ في الزَنْدِ مَعيبا

فهْوَ ما زالَ على العَيْ ... بَةِ يستدمِي القلوبا

إنَّهُ أجملُ تمثَا ... ل لحسناَء أُصيبا

وأزاحَ الِسترَ عنهُ ... فاستهلَّ الكلُّ طُوبى

خَلّدَتْ في المْرمَرَ الص ... دِ يدُ الفَنِّ حَبِيباً

(البحرين)

إبراهيم العريض