مجلة الرسالة/العدد 274/كتاب المبشرين الطاعن في عربية القرآن
→ ملاحظات انتقادية على مقترحات لجنة التيسير | مجلة الرسالة - العدد 274 كتاب المبشرين الطاعن في عربية القرآن [[مؤلف:|]] |
مؤتمر المستشرقين العشرون ← |
بتاريخ: 03 - 10 - 1938 |
أمسلم مصري أم مبشر برتستنتي؟
- 3 -
إن المبشرين البروتستنت الذين أضلوا ذلك الكاتب المسلم فضل وروى باطلهم - ليستيقنون أن القرآن هو الكتاب العربي العبقري، ويعلمون أن تلكم (الآلات) إنما هي قواعده قد أخذت منه، وكانت له. فلن يخطئ فيها. . وكيف يخطئ فيها. .؟!
إن القرآن لهو الكلام العربي الصافي الصرف المحقق الصحيح الذي لا ريب فيه. وكل قول غيره يلاقيه الشك شاكي السلاح. فهو حجة الأقوال العربية وظهيرها. وليست الأقوال العربية - وأن كانت من خدمه - بحجة له ولا ظهيراً
ولقد قال العربانيون المنصفون والعبقريون والمفكرون من الغربيين في عربية القرآن الصريحة الخالصة وعبقريته قولهم، وقرأ المبشرون (المظللون) ما كتب المنصف، وقال العبقري. وإن كتموا الحق، وجحدوا بالذي استيقنته أنفسهم - أينكرون قولاً في كتابهم الذي نشروه للإضلال - مبينا؟
قال (سال) في (مقالة في الإسلام): (مما لا خلاف فيه أنه (يعني القرآن) الحجة التي يرجع إليها في العربية، وأنه شمس قلادة الكتب العربية، وواسطة عقدها)
إن هذا في (مطبوع) المبشرين الذين يخطئون (الكتاب) في العربية. وإنه لذم وتقريع للسفسطيين المقبحين لكن صخري الوجه لا يستحي
وإذا لام (المظللين) لائم، وقبح عليهم ما يصنعون قال لسان الحال: أنا ما شرقنا محترفين بحرفة (التظليل) - وما التظليل إلا حرفة من الحرف - وآخذين جعالاننا إلا لنعمل ما يبغيه المجعلون المطعمون، فهي الجعالة، وهو الرغيف. فلا تلومونا ولوموا المعدة. .
أجل إن المظللين ما طرءوا على هذه الأقاليم ليحقوا حقا، ويرهقوا باطلاً، ويهدوا ضالاً، ويرشدوا حائراً، بل جاءوا مغوين متوهين حتى يخرجوا المسلمين من دينهم فيستعبدهم الغربيون المغيرون استعباد الهون. وقد قال (غلادستون): لا راحة لمعالم (يعني قومه) ما كان القرآن. وقال سواس فرنسيون: لن يكون لنا الملك الحق في بلاد المغاربة أو نغرب دين القو فالمضللون، مقصدهم أن يصدوا أمة محمد عن كتابها، ويلفتوها عن شريعتها ابتغاء أن تذل للغربي وتستقيد. فليس الشأن إذن في نحلة تبطل أو عقيدة تزول، ولكنه أمر أمم تستخذى وتهون بل تفنى وتبيد. فليدر بهذا السفهاء والبله والأغبياء من المسلمين إما كانوا يجهلون
والمضللون مدفوعون إلى اقتراف ما يقترفون: تدفعهم حرفتهم وجعالتهم والرغيف المأكول، فهم مرغمون أن يسلكوا كل سبيل في التضليل، ويتذرعوا بكل ذريعة غير متذممين من منكر، ولا متصحبين من شيء، وغير حافلين بكل خيبة تجبههم، وبكل خذلان يصعقهم، وبكل لعنة تتبعهم. وطرق الشر عند هذه الإضمامة (الجماعة) كثيرة، وذرائع الفساد مستوفرة. فهناك التنويم المغناطيسي. . وهناك التنويم النسوي. . . وحكايات هذين التنويمين من وسائل التضليل معروفة في القاهرة مشتهرة ومن كفر منوماً وسنان عاد إلى الأيمان سريعاً يقضان. وهناك الجنون المجنون في الإقدام على تغليط القرآن في العربية. . .
ليس في القرآن آية أو كلمة قد عدلت عن سنن العرب، وإن (علم العربية) أو النحو أو القواعد العربية - كما يسميها مسمون - هو حجتها، وهو دليلها، وهو المهيمن عليها، وشواهدها كلماته، وهذا كتاب سيبويه وهذه أبوابه وبيناته
ذلكم القرآن. بيد أن المضللين يقولون: نحن نهذي ونخرفش، وعلى إبليس تتميم العمل. وقد جمعوا في (مكتوبهم) بضع عشرة آية (منها الست التي نقلناها - وزعموا أنها مالت عن نهج العربية، وتلكم الآيات الكريمات كلتهنَّ قواعدهنّ مبينة مفصلة في (علم العربية) تفصيلاً. وهذه أقوال نحوية في الست المنقولة
1 - . . . والصابرين. . . قرء (والصابرون) وقرء (الموفين والصابرين) والنصب على التعظيم والمدح كما قال (الكتاب) وفصلت (خزانة البغدادي) والقراءة الناصبة تنصر قول الخِرْنِق (أخت طرفة):
لا يبعدن قومي الذين هم ... سم العداة وآفة الجزر
النازلين بكل معترك ... والطيبون معاقد الأزر
وتؤيد ما أنشد القراء:
إلى الملك القرم وابن الهمام ... وليث الكتيبة في المزدحم قال (جامع البيان): (أن من شأن العرب إذا تطاولت صفة الواحد الاعتراض في المدح والذم بالنصب أحياناً وبالرفع أحياناً)
وقال أبو علي الفارسي (أستاذ الأئمة وشيخ أبن جني): (إذا ذكرت الصفات الكثيرة في معرض المدح والذم فالأحسن أن تخالف بإعرابها، ولا تُجعل كلها جارية على موصوفها، لأن هذا الموضع من مواضع الإطناب في الوصف والإبلاغ في القول، فإذا خولف بإعراب الأوصاف كان المقصود أكمل، لأن الكلام عند اختلاف الأعراب يكون وجهاً واحداً، وجملة واحدة)
2 - . . . فاصدق وأكن. . . قرء (وأكون) بالنصب على اللفظ، (وأكون) على وأنا أكون، وقرء (وأكن) على محل فأصدق. قال المبرد: (وأكون على ما قبله لأن قوله فأصدق جواب للاستفهام الذي فيه التمني، والجزم على موضع الفاء) قال الرضي: (وكذا ما جاء بعد جواب الشرط المصدر بالفاء نحو قوله تعالى: (من يضلل الله فلا هاديَ له (ويذرهم) قرء رفعاً وجزماً، ولا منع في العربية من النصب، فلما كان فاء السببية بعد الطلب واقعاً موقع المجزوم جاز جزم المعطوف عليه؛ قال تعالى: فأصدق وأكن)
قال أبن يعيش: (فإذا عطفت عليه فعلا آخر جاز فيه وجهان النصب بالعطف على ما بعد الفاء، والجزم على موضع الفاء، ونظير ذلك في الاسم: (إن زيداً قائم وعمرو، وعمراً) إن نصبت فبالعطف على ما بعد أن، وإن رفعت فبالعطف على موضع إن قبل دخولها وهو الابتداء) والقراءة الجازمة تنصر صاحب الصمصامة في قوله:
دعني فأذهب جانبً ... يوماً وأكفك جانباً
3 - . . . كن فيكون. . . من كان التامة أي احدثْ فيحدث (والرفع على الاستئناف أي فهو يكون) كما قال العكبري. قال الرضي: (وأما النصب في قراءة أبي عمرو فلتشبيهه بجواب الأمر من حيث مجيئه بعد الأمر، وليس بجواب من حيث المعنى) (وهذا مجاز من الكلام وتمثيل، ولا قول ثم) كما قال (الكشاف) وهو (حكاية حال ماضية) كما في هذا الكتاب
وقد كان (يكون) ولم يكن (كان) إذ لو قال: (كان) ما قلنا: إنه (قرآن)؛ إنه (الكتاب) يتكلم لا مخبر مسكين في (الأهرام) و (المقطم) ومثل هذا في (المعاني) مشروح في المطولات والمقصرات أو المختصرات؛ قال الخطيب في (الإيضاح) (قال: (فأضربُها) ليصور لقومه الحالة التي تشجع فيها على ضرب الغول، كأنه يبصرهم إياها، ويتطلب منهم مشاهدتها تعجيباً من جرأته على كل شدة، ومنه قوله تعالى: (أنُّ مثل عيسى عند الله كمثل أدم خلقه من تراب ثم قال له: كن فيكون) وكذا قوله تعالى: ومن يشرك بالله فكأنما خرّ من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق)
وعلم (المعاني) نحو من (علم العربية) بل هو علم معاني النحو، وقد (استقل) يوم قطعوا (العربية) ولن يفارق نشء العرب وطلابهم ذاك الهم، وذاك الغم، وذاك الضيم الأوقت (الضم) وحين جمع الاخوة
وقد يجمع الله الشتيتين بعدما ... يظنان كل الظن أن لا تلاقيا
4 - (وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطاً، أمماً) قرئ وقطعناهم بالتخفيف. وعشرة بكسر الشين. قال (جامع البيان): (قطعناهم قطعاً اثنتي عشرة ثم ترجم عن القطع بالأسباط) قال العكبري: (اثنتي عشرة: مفعول ثان أو حال أي فرقناهم فرقاً (أسباطا) بدل من اثنتي عشرة (أمما) نعت لأسباط أو بدل بعد البدل) قال الزمخشري: (لو قيل اثني عشر سبطا لم يكن تحقيقا لأن المراد وقطعناهم اثنتي عشرة قبيلة، وكل قبيلة أسباط لا سبط فوضع أسباطا موضع قبيلة، ونظيره: بين رماح مالك ونهشل قال أبن يعيش: (فان قلت عشرون رجالا كنت قد أخبرت أن عندك عشرين، كل واحد منهم جماعة رجال كما قالوا: جمالان وإبلان)
وسنين في الآية الكريمة: (ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا) بدل مثل (الأسباط) كما قال أبن الحاجب والرضي والزمخشري وابن يعيش وغيرهم. قال الزمخشري: (وقُرء ثلاث مائة سنين بالإضافة على وضع الجمع موضع الواحد في التمييز كقوله: قل: هل أنبئكم بالأخسرين أعمالاً) قال الرضي: (الأصل في الجميع الجمع فإذا استعمل المميز جمعاً استعمل على الأصل)
5 - . . . والصابئون والنصارى. . . قرى (والصابئون) بالنصب والرفع وأورد العكبري سبعة أوجه في رفعها. قال (الكتاب): (وأما قوله عز وجل (والصابئون) فعلي التقديم والتأخير كأنه أبتدأ على قوله والصابئون بعدما مضى الخبر) قال القراء: (إن كلمة (إن) ضعيفة في العمل ههنا) قال خطيب الري: (إذا كان أسم إن بحيث لا يظهر فيه أثر الأعراب - مثل الذي وهذا واللذين وهؤلاء - فالذي يعطف عليه يجوز نصبه على إعمال هذا الحرف والرفع على إسقاط عمله) وقال (فتح القدير): (إن خبر إن مقدر والجملة الآتية خبر (الصابئون والنصارى) كما في قوله:
نحن بما عندنا وأنت بما ... عندك راض والرأي مختلف
والقراءة على ما ذهب إليه الخليل وسيبويه تنصر بشر بن أبي خازم القائل:
وإلا فعلموا أنا وأنتم ... بغاة ما بقينا في شقاق
ونؤيد قول ضابىء البرجمي في رواية:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله ... فأني وقيارٌ بها لغريب
6 - . . . والمقيمين الصلاة. . . قُرء والمقيمون والمقيمين والنصب على التعظيم كما قال (الكتاب) في (باب ما ينتصب في التعظيم والمدح) وذكر العكبري ستة أوجه للنصب. وروي (الكتاب) في ذاك الباب قول ذي الرمة:
لقد حملت قيس بن عيلان حربها ... على مستقل للنوائب والحرب
أخاها إذا كانت غضاباً سما لها ... على كل حال من ذلول ومن صعب
ثم قال: (إن نصب هذا على أنك لم ترد أن تحدث الناس ولا من تخاطب بأمر جهلوه ولكنهم قد علموا من ذلك ما قد علمت فجعلته ثناء وتعظيماً، ونصبه على الفعل كأنه قال: اذكر أهل ذاك، واذكر المقيمين، ولكنه فعل لا يستعمل إظهاره. وليس كل موضع يجوز فيه التعظيم ولا كل صفة يحسن أن يعظم بها، فاستحسن ما استحسنت العرب، وأجره كما أجرته)
قال البصريون: (إذا قلت مررت بزيد الكريم فلك أن تجر الكريم لكونه صفة لزيد، ولك أن تنصبه على تقدير أعني، وإن شئت رفعت على تقدير هو الكريم، وعلى هذا يقال: جاءني قومك المطعمين في المحل، والمغيثون في الشدائد) والعربية تنصب على الشتم والذم كما تنصب على التعظيم والمدح. قال أمية بن أبي عائذ:
ويأوي إلى نسوة عطل ... وشعثاً مراضيع مثل السعالي
وقال أبن خياط العكلي:
وكل قوم أطاعوا أمر مرشدهم ... إلا نميراً أطاعت أمر غاويها
الظاعنين ولما يظعنوا أحداً ... والقائلون لمن دار نخليها؟! وكتاب (المظللين) هذا معروف، وطبعاته كثيرة، وقد عزي إلى (هاشم العربي) وهو من قبيلة (هيّان بن بيّان أو ضُلّ بن ضلّ) المشهورة. . . وفي (قرار النيابة العامة) الذي أعلنه الأستاذ (محمد نور) رئيس نيابة مصر في شأن أستاذ مسلم - إشارات إلى كتاب المبشرين أرى نقلها في هذا المقام. قال الأستاذ الرئيس (محمد نور):
(. . . على أنه سواء كان هذا الغرض من تخيله كما يقول أو من نقله عن ذلك المبشر الذي يستتر تحت أسم هاشم العربي فأنه كلام لا يستند إلى دليل ولا قيمة له. على أنا نلاحظ أن ذلك المبشر مع ما هو ظاهر من مقاله من غرض الطعن على الإسلام كان. . . كما نلاحظ أيضاً أن ذلك المبشر قد يكون له عذره في سلوك هذا السبيل لأن وظيفة التبشير لدينه غرضه الذي يتكلم فيه، ولكن ما عذر. . . يقول الأستاذ. . . وهاشم العربي يقول في مثل هذا. . فسبحان من أوجد هذا التوافق بين الخواطر!)
ولما ظهر مؤلف المبشرين أشاع مشيعون تكبيراً لحقير، وترويجاً لزائف، وتهويلاً بضئيل شخت - أن هاشماً العربي هو صاحب (مجلة الضياء) ثم نجمت طبعة للكتاب بعد موت اليازجي وفيها: (هاشم العربي الشيخ اليازجي)
(الإسكندرية)
- * *