الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 273/حول قصة حاجي بابا في إنكلترا

مجلة الرسالة/العدد 273/حول قصة حاجي بابا في إنكلترا

مجلة الرسالة - العدد 273
حول قصة حاجي بابا في إنكلترا
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 26 - 09 - 1938


كما يرانا غيرنا

للأستاذ عبد اللطيف النشار

أشارت الرسالة في عددها الأخير إلى ما يخشاه بعض إخواننا الإيرانيين من اللبس بين إيران كما هي اليوم في مدنيتها الزاهرة وبينها كما وصفها مؤلف قصة حاجي بابا في إنكلترا، تلك القصة التي ترجمتها وتفضلت مجلة الرواية فنشرتها في بعض أعدادها الأخيرة

ولقد ذكر الأستاذ صاحب الرسالة أن مؤلفها نشرها في سنة 1822 ووصف بها إيران كما كانت في عهده غير متجنِ على الشرق كله، فما كان الوصف إذ ذاك قاصراً على دولة دون دولة من الشرق الإسلامي

وما من شك في أن هذا الجواب السديد جدير بأن يزيل كل لبس من هذه الناحية؛ وقد عنَّ لي أن واجباً عليَّ بيان السبب في ترجمتي هذه الرواية لإزالة لبس آخر أخشاه من ناحية الاختيار، فأتقدم إلى قراء الرسالة وهم ممثلو كل الأمم الشرقية الإسلامية بأن جهدي في الترجمة لم يقتصر على تلك القصة، ولكنني ترجمت نحو الخمسين رواية معظمها عن الشرق وفيها عن مصر وعن العرب، وفيما ترجمته عن مصر وعن العرب نقد أشد مما احتوته قصة حاجي بابا، فاختياري قائم على الرغبة في إطلاع الشرقيين وهم جميعاً إخواني على ما يكتب عنهم بلغة اعتدت القراءة بها ليعرفوا رأي الغير فينا. ولا أراني أقل غيرة على دولة شرقية مني على دولة أخرى، فإن الدم الذي يجري في عروقنا نحن الشرقيين دم مشترك. لا بل أجد الفرصة مناسبة لأطرح على القراء رأياً لي في اختيار الكتب للترجمة:

للمستشرقين جهود غير منكورة ولهم أغلاط شنيعة. وكتبهم مقروءة باللغات الأوربية بين من يثقون بهم ويجلونهم ويمدونهم حجة. وكتب هؤلاء المستشرقين وتلاميذهم تعد بالمئات وكتب الذين ينهجون نهجهم ممن لا يساوونهم في المعرفة أكثر عدداً. ومن بين قرائها شرقيون قد يتأثرون بها ويعجزون عن دفع شرها إن كان - فهل يحسن بهم أن ينقلوها إلى لغاتهم الشرقية ليتولى دفع الشبهات من يستطيع ذلك من أبناء تلك اللغات الذين لا يع لغة أجنبية، أو الذين يعرفون ولكن لا يقع في متناول اطلاعهم ذلك النوع من الكتب الممزوج خيرها بشرها؟

أقول ذلك وأضرب المثل بنفسي ولديَّ بحمد الله الشجاعة ما يساعدني على الاعتراف بأني لا أملك تصحيح أخطاء شنيعة في كتاب أترجمه الآن عن الإنكليزية وعنوانه (الواثق)

في هذا الكتاب تجن شديد على خليفة من خلفاء المسلمين وافتيات صريح على التاريخ. وقد قرأته في لغته وقرأه من أبنائها عشرات الألوف في مدى مائة عام مضت من عهد تأليفه إلى الآن؛ وقرأه باللغات الأخرى عشرات الألوف من أبناء الأمم الأخرى؛ فهل يرى الأزهري والدرعمي وخريج مدرسة القضاء الشرعي وغيرهم ممن تخصصوا في دراسة التاريخ الإسلامي أن يظل هذا الكتاب مقروءاً ممن يحسنون لغة أجنبية دون أن تصحح أخطاؤه، أم يرون أن يترجم لهم وهم أقدر على التصحيح ممن يقرؤون عادة باللغات الأجنبية؟

أنا لا أقوم بدعاية لكتاب كهذا حين أترجمه ومن السهل عليَّ تمزيق مسوداته. ولكن هل يزول أثر الكتاب إن فعلت ذلك أم يظل منتشراً بين الناس في لغات أخرى يقرؤها الكثير من الشرقيين؟

أما أنا فرأيي أن نعرف رأي الغير فينا فذلك أدنى إلى تصحيحه وما أحوجني إلى معرفة الحجج التي يدلي بها أنصار التجاهل

عبد اللطيف النشار