الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 269/للتاريخ السياسي

مجلة الرسالة/العدد 269/للتاريخ السياسي

مجلة الرسالة - العدد 269
للتاريخ السياسي
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 29 - 08 - 1938


المشكلة التشيكوسلوفاكية

للدكتور يوسف هيكل

من أهم المشاكل الدولية الحالية وأبرزها: المشكلة التشيكوسلوفاكية، فقد كادت تكون في المدة الأخيرة سبب حرب عالمية، ولا تزال موضع اهتمام ساسة الغرب ولا سيما الإنكليز والفرنسيين منهم، والذين يعملون على حل هذه المشكلة ليزيلوا شبح الحرب من أوروبا الوسطى

والمشكلة التشيكوسلوفاكية معقدة عويصة، يحتاج تفهمها إلى التعرض لتاريخ تشيكوسلوفاكيا قبل الحرب العالمية، والى عرض صعوبات الحكومة التشيكوسلوفاكية قبل الحكم النازي في ألمانيا، والى إظهار تغير الحكم الهتلري لعوامل المشكلة التشيكوسلوفاكية والمفاوضات الجارية لحلها. وأخيراً إلى مرامي السياسة الألمانية

تقع جمهورية تشيكوسلوفاكيا في أوربا الوسطى، وهي محاطة بألمانيا والنمسا وهنغاريا ورومانيا وبولونيا، ومكونة من مقاطعات بوهيميا وموارافيا وسيليسيا، بلاد التاج البوهيمي قديماً، ومن قسم من هنغاريا القديمة، وعاصمتها مدينة براغ.

ويجب ألا يغيب عن الذهن أن بوهيميا كانت مدة خمس قرون، ما بين عام 1068 - 1526 مملكة مستقلة، وأن ملكين من ملوكها، وهما شارل الرابع وونسيلاس الرابع، كانا ملكين رومانيين مقدسين.

وفي أثناء حروب القرن الخامس عشر الدينية قاوم أهل البلاد بنجاح الهجمات النمساوية وحافظوا على استقلالهم. غير أن تاج بوهيميا وتاج هنغاريا وُحِّدا عام 1526على رأس الإمبراطور فرديناند الأول، من أسرة هابسبورك. ومنذ ذاك التاريخ ابتدأت حكومة النمسا تدريجياً تجعل الحكم مركزياً، وتحكم بوهيميا مباشرة. وقد تم ذلك بعد ثورة 1618، واندحار رجال التشيك أمام الجيوش النمساوية في موقعة الجبل الأبيض عام 1620. ومن حينئذ زال استقلال بوهيميا باستيلاء النمسا عليها، وأصبح السلوفاكيون تحت اضطهاد الإقطاعيين المجربين

وفي أوائل القرن التاسع عشر ابتدأت الحركة القومية التشيكية، وبرغم خيبة الأمل ف نجاحها أثناء الثورة الفرنسية عام 1848، بقيت تناضل وتطالب بالاستقلال الإداري والسياسي على أساس الاتحاد الشخصي بإمبراطور النمسا. ولكن هذه المطالب رفضت ولم يتحقق استقلال التشيك والسلوفاك إلا في 28 أكتوبر عام 1918 بقيادة مازاريك وبنيس

وتضم الحدود التشيكوسلوفاكية الآن ما ينيف على خمسة عشر مليوناً من السكان منهم: 7. 447. 000 تشيك أي أكثر من النصف بقليل، و3. 218. 000 ألمان، و2. 809. 000 سلوفاك، و720 , 000 مجريون، و569. 000 راتينيون، و100. 000 بولونيون، و266. 000 جنسيات أخرى ويهود

ومما هو جدير بالملاحظة أن ما ينوف على الثلاثة ملايين من الألمان في تشيكوسلوفاكيا، لم يكونوا قط تحت سيادة الحكومة الألمانية، بل كانوا من الرعايا النمساويين المجربين

إن وجود هذه الأقليات المتعددة ضمن حدود الجمهورية التشيكوسلوفاكية، خلق مشكلتها، مما جعل الرئيس مازاريك يعرِّف مشكلة بلاده بأنها: (مشكلة الأقليات فيها)

وعند البحث في وضعية الأقليات الألمانية في تشيكوسلوفاكيا يجب التنبيه إلى أن الأكثرية الساحقة من هذه الأقلية تعيش متجمعة. وأهم من ذلك أن هذه الجموع الألمانية تؤلف إطاراً محكماً على طول الحدود التشيكوسلوفاكية الألمانية. ولذلك يمكن القول بأن الأقلية الألمانية في تشيكوسلوفاكيا هي أقلية حدود. فوضعية هذه الأقلية الجغرافية تحول عملياً بين تحقيق ما تطلبه من الاستقلال الذاتي.

ثم إن مصانع تشيكوسلوفاكيا واقعة في شمالي بوهيميا ومورافيا وسيلسيا، في الأراضي التي يتكلم سكانها الألمانية، لذلك لا تتساهل حكومة براغ في استقلال الألمان السوديت، لأن ذلك يؤدي إلى خسران البلاد التشيكوسلوفاكية مصانعها الهامة التي هي من أعظم مواردها الاقتصادية، إن لم تكن أعظمها، وإلى استيلاء ألمانيا عليها

ومن نتائج وجود المصانع التشيكوسلوفاكية في الأقاليم المأهولة بالألمان، تأثر سكان هذه الأقاليم الصناعية بالأزمة الاقتصادية. ومن الطبيعي أن التذمر من الأزمة الاقتصادية يؤدي إلى التذمر السياسي. فأخذت الأقلية الألمانية تتهم حكومة براغ باتباع سياسة التحيز، سياسة السهر على مصلحة التشيك بإيجاد أعمال لهم، وعدم الاعتناء بالعاطلين الألمان؛ واتسع باب التذمر وتعدى الحدود الاقتصادية إلى الحدود الثقافية والإدارية فأفهمت الأقلية الألمانية حكومة براغ أنها لا تراعي حقوق الأقلية في التعليم واستعمال لغتها، ولا في تعيين الموظفين، بل هي تخالف في أعمالها معاهدة الأقليات المؤرخة في 10 سبتمبر 1919

وكانت نتيجة هذا التذمر نزاعاً بين الأقلية والحكومة، أدى إلى احتجاج الأقلية الألمانية على الحكومة التشيكوسلوفاكية في عصبة الأمم. وأدى هذا النزاع إلى توليد البغض الشديد بين التشيك والأقلية الألمانية

لم تبق المشكلة التشيكوسلوفاكية مشكلة محلية، أي مشكلة أقليات، حسب تعريف الرئيس مازاريك، بل أصبحت منذ استلام النازي زمام الحكم في ألمانيا مشكلة دولية بتدخل ألمانيا في سياسة تشيكوسلوفاكيا عن طريق الأقلية الألمانية. والأقلية الألمانية في تشيكوسلوفاكيا ليست حزباً واحداً بل هي أحزاب، منها من يريد الانضمام إلى ألمانيا، ومنها من يريد البقاء متحداً مع حكومة براغ. ولما تسلم الحزب النازي الحكم رضى متطرفو الألمان في تشيكوسلوفاكيا به، وأظهروا ميلهم إليه، وقاموا بحركات عدائية نحو حكومة براغ، مما أدى إلى حل الحزب الألماني القومي والحزب الاشتراكي القومي. وبعد ذلك بقليل قامت حركة جديدة بين الألمان السوديت بقيادة الهر هنلين، فعظم شأنه وقوى حزبه

وقف الهر هنلين موقفاً يخالف موقف بقية زعماء الألمان في تشيكوسلوفاكيا، إذ هم يعملون على إنالة الأقليات الألمانية حقوقها التي جاء ذكرها في معاهدة الأقليات مع بقائهم ضمن وحدة الجمهورية. أما الهر هنلين فطالب باستقلال السوديت الذاتي، وتدخل في سياسة تشيكوسلوفاكيا الخارجية. وذلك صريح من خطابه الذي ألقاه في مؤتمر كارلسباد في 23 إبريل سنة 1938 إذ قال بعد أن ذكر مطالب حزبه الثمانية: (إننا نعلن رسمياً وبصراحة أن سياستنا مستمدة من المبادئ والأفكار الاشتراكية القومية - مبادئ النازي - فان كان سياسيو التشيك يريدون الوصول إلى تفاهم دائم معنا نحن الألمان، ومع الرايخ الألماني، فعليهم أن يلبوا مطلبنا في التغيير التام لسياسة التشيك الخارجية التي قادت الحكومة حتى اليوم إلى صفوف أعداء الشعب الألماني)

أما المطالب الثمانية فتتلخص فيما يلي:

1 - المساواة التامة بين التشيك والألمان في المنزلة

2 - ضمان هذه المساواة بالاعتراف للسوديت الألمان بكيان شرعي 3 - تحديد المناطق الألمانية ضمن نطاق تشيكوسلوفاكيا والاعتراف بهذه المناطق قانونياً

4 - منح هذه المناطق الاستقلال الذاتي التام

5 - منح الحماية القانونية لكل مواطن يقيم خارج المنطقة الخاصة بجنسيته

6 - إزالة المظالم التي نزلت بالسوديت الألمان منذ عام 1918 وتعويضهم عنها

7 - الاعتراف بالمبدأ الذي يقرر توظيف الألمان في المناطق الألمانية

8 - منح الحرية التامة لمن يرغب في الجنسية الألمانية

والهر هنلين يعمل على تنفيذ السياسة النازية الرامية إلى احتلال ألمانيا البلاد التي تتكلم أكثرية سكانها اللغة الألمانية، وإلى إلغاء المعاهدتين اللتين تربطان فرنسا وروسيا بتشيكوسلوفاكيا، واللتين تضمنان لها استقلالها. وهذه السياسة ليست سرّاً، فقد صرح الهر هتلر في خطابه بتاريخ 20 فبراير 1938 مذكراً الريشتاغ (إن ما يزيد على عشرة ملايين من الألمان يعيشون في بلدين مجاورين لحدودنا). وأضاف إلى ذلك قوله: (إن ألمانيا الحالية تسهر على مصالح الريخ الألماني الذي من مصلحته حماية هؤلاء الألمان الذين يعيشون وراء حدودنا، والذين هم غير قادرين على نيل حقهم في الحرية العامة، والشخصية، والسياسية، وفي اتباع مثلهم الأعلى). وقد أجاب الدكتور هودزا رئيس وزراء تشيكوسلوفاكيا في 4 مارس على ادعاء حماية الألمان لحكومة براغ بأنها (تعني تدخلاً في شؤون بلادنا الداخلية، وإذا كانت ملاحظات الهر هتلر تعني محاولة التدخل في شؤوننا الداخلية - تدخلا يتعارض مع مبدأ الاعتراف بسيادة الدول الأخرى - فان الحكومة التشيكوسلوفاكية تمج ذلك كثيراً، وهي لا تترك أحداً يشك في أن سكان هذه البلاد سيدافعون عن جميع عناصر استقلالهم كدولة بجميع ما لديها من قوى حينما يعتدي على هذه العناصر. . .)

وبعد أسبوع اتخذت المشكلة التشيكوسلوفاكية شكلها الخطر على سلام العالم. لأنه في 11 مارس اجتازت الجيوش الألمانية الحدود النمساوية، وفي 13 مارس أعلن ضم النمسا إلى ألمانيا، فأصبح في عشية وضحاها ثلثا عشرة الملايين الذين جاء ذكرهم في تصريح الهر هتلر في 20 فبراير مواطنين ألمانيين. عندئذ أخذ السياسيون يتساءلون عن مصير الثلث الثالث؛ هل تعامله ألمانيا كما عاملت النمسا؟ ولكن وضعية هذا الثلث الدولية ليست بسيطة كما كانت وضعية النمسا لأن فرنسا وروسيا لا تقفان مكتوفتي الأيدي أمام اجتياز الجيوش الألمانية تشيكوسلوفاكيا؛ وفي ذلك خطر على السلام ومن جراء ذلك تنشأ حرب عالمية

وفي الواقع لم تتردد فرنسا في إظهار موقفها إذ هي في اليوم التالي لضم النمسا إلى ألمانيا أكدت بكل صراحة وعزم، أن فرنسا تنفذ تعهداتها لتشيكوسلوفاكيا المذكورة في معاهدتي 25 يناير 1924و16 أكتوبر عام 1925؛ وفي 15 مارس أعلنت روسيا بأنها ستقوم بواجباتها نحو تشيكوسلوفاكيا التي تقتضيها معاهدة الدفاع المتبادلة المؤرخة في 16 مارس عام 1935. وفي 14 مارس رفض رئيس الوزارة البريطانية التعهد لتشيكوسلوفاكيا بمساعدتها حين التعدي عليها؛ غير أنه ذكر أن القوى البريطانية تساعد الدولة المعتدي عليها في نظر حكومة جلالته. ثم أضاف منذراً: (إنه عند ما ينظر في السلم أو الحرب لا تراعى فقط الواجبات الحقوقية. . . وإنه من المحتمل أن بلاداً أخرى بجانب البلاد التي هي داخلة في النزاع تصبح حالا فريقاً فيه. وهذا الحكم صحيح بصورة خاصة على بريطانيا العظمى وفرنسا) ومعنى ذلك أنه إذا دخلت فرنسا الحرب لإنقاذ تشيكوسلوفاكيا فان بريطانيا ستكون بجانبها

كان لهذه الإنذارات الثلاثة وقع شديد في برلين، وكان من نتائجها أن حفظ استقلال تشيكوسلوفاكيا، وفتح باب المفاوضات بين حكومة براغ والهر هلنين لحل مشكلة السوديت. وقد نصحت حكومتا لندن وباريس حكومة براغ بالتساهل مع رعاياها الألمان. وكانت حينئذ حكومة براغ آخذة في وضع نظام الأقليات، فتقدم حزب السوديت الألماني إليها في 7 يوليو (تموز) عام 1936 بمذكرة عرض عليها فيها الدخول في مفاوضات على أساس تحقيق المطالب التي جاء ذكراها في المذكرة. وكان من المتفق عليه أن يظل محتوى المذكرة مكتوماً خلال المفاوضات بين الحكومة ورؤساء الأحزاب لتسهيل سيرها. وكان مفهوماً حينئذ أن مضمون هذه المذكرة لا يختلف عن المطالب الثمانية التي أعلنها الهر هنلين في خطابه الذي ألقاه في كارلسبارد في 23 أبريل.

اجتمع الدكتور هودزا في 9 يونيو (حزيران) مع مندوبي الهر هنلين وباشروا المفاوضات. وفي 15 منه صدر بلاغ رسمي مشترك يشير إلى أن الاتفاق تم على أن تكون مذكرة السوديت ونظام حكومة بشأن الأقليات بمثابة أساس مفاوضات بين الحكومة والسوديت.

في 19 يوليو (تموز) نشر حزب السوديت الألماني المذكرة برغم أن المفاوضات مع الحكومة كانت لا تزال في دورها الأول وأن نصوص نظام الأقليات لم يعلم بعد، وهي تحتوي على 14 طلباً رئيسياً، يستخلص منها ولا سيما من الطلبين الخامس والسادس أن الألمان السوديت يريدون تنظيم الحكومة من جديد بصورة يصبحون فيها مستقلين تمام الاستقلال في إقليم السوديت، وفي الوقت عينه يكون لهم صوت معادل لصوت التشيك في إدارة شؤون الدولة التشيكوسلوفاكية. وطلبات السوديت الألمان تعني في نظر براغ أن كل ألماني سيملك (استقلالاً ذاتياً) يعطيه حقاً باتباع مجموعة أقسمت يمين الطاعة إلى (زعيم) لا إلى الدولة، وأن مثل هذه المجموعة ستكون منظمة ومداراة حسب طريقة النازي، فالنتيجة تكون تأسيس دولة أوتقراطية ضمن دولة ديمقراطية!

فهذه النقطة تظهر البون الشاسع بين مطالب الألمان السوديت وبين ما تريد حكومة براغ منحهم من الامتيازات.

نعم إن نظام الأقليات لم يعلم مضمونه بعد بصورة رسمية، غير أننا نعلم رسمياً أنه لا يحتوي على استقلال ذاتي لأي مقاطعة مّا من مقاطعات البلاد التشيكوسلوفاكية، وأن الحكومة مستعدة لقتل كل حركة انفصالية. ذلك ما صرح به رئيس الوزارة في 7 يوليو (حزيران) ووزير الحقانية في 8 منه

وقد نشر في 27 يوليو 1938 بطريق غير رسمي أن نظام الأقليات يتضمن ثلاثة عشر قسما، تحتوي:

- على مساواة بين جميع الموظفين بدون تمييز بين العناصر التابعة لها

- وعلى حرية انتخاب الجنسية التي يريدها المرء متى بلغ الثانية عشر، على أن يكون ملماً بلغة تلك الجنسية. أما اليهود فيحق لهم انتخاب الجنسية اليهودية - دون معرفتهم اللغة العبرية

- وعلى حماية الجنسية الشخصية، بعقاب كل من يحاول تحويل جنسية آخر.

- وعلى نظام التمثيل النسبي للعناصر في الوظائف وفي الشؤون الاقتصادية، كالإعانات والأشغال العمومية

- وعلى النسبة في التعليم والاستقلال الذاتي للأقليات في التعليم والتربية وعلى كل حال فقد حلت المفاوضات بين حكومة براغ والسوديت الألمان الأزمة التشيكوسلوفاكية، ولكن هذا الحل ظاهري؛ فظلت هجمات الصحافة الألمانية شديدة على سياسة الحكومة التشيكوسلوفاكية. ولم يكف الرجال المسؤولون في حكومة برلين عن التصريحات العدائية الشديدة ضد حكومة براغ. وكان الموقف، ولا يزال، معقداً وخطراً على السلام، مما أدى إلى تدخل حكومة لندن تدخلاً فعلياً في المشكلة التشيكوسلوفاكية. فقررت بالاتفاق مع باريس: إيفاد اللورد رنسيمان إلى براغ ليكون محققاً ووسيطاً في مسالة الأقليات. فقبلت حكومة براغ وساطة بريطانيا، ووافق السوديت على تحكيم اللورد رنسيمان

ويستخلص من إيفاد اللورد رنسيمان إلى براغ نتيجتان قوبلتا بالارتياح وهما: (أن الوصاية التي تتولاها إنكلترا تستلزم عند الاقتضاء كفالة أو ضماناً، وأنه قد زاد الأمل في الوصول إلى اتفاق سلمي وضعف الخطر الذي كان يخشى من استخدام القوة) كما يقول مسيو بلوم رئيس وزارة فرنسا السابق، في جريدة البوبلير

ولكن هل يوفق اللورد رنسيمان في إيجاد حل ملائم لهذه المشكلة يرضي براغ من جهة، وبرلين والألمان السوديت من جهة ثانية؟

إن مهمة اللورد رنسيمان صعبة، إذ عليه التوفيق بين وجهتي نظر متعارضتين. فألمانيا ترمي إلى أبعد من إزالة المظالم عن الألمان السوديت وإعادة حقوقهم إليهم. وأقل حل تقبله ألمانيا، وبالتالي يقبله السوديت الألمان، هو استقلال السوديت الألمان استقلالاً ذاتياً، واتباع حكومة براغ سياسة خارجية لا تتضارب مع سياسة الرايخ الخارجية، وذلك بترك حكومة براغ معاهدتي الدفاع مع فرنسا والروسيا، واتباع سياسة تتمشى مع سياسة حكومة برلين، أو على الأقل اتخاذ خطة حيادية شبيهة بوضعية بولندا. واتباع إحدى هاتين الخطتين، في نظر حكومة براغ، لا يتفق مع بقاء البلاد التشيكوسلوفاكية بلاداً مستقلة. وهي تؤدي إلى انضمام الأقاليم التشيكوسلوفاكية المأهولة بالألمان إلى ألمانيا، وإلى زوال الحصن العائق من طريق ألمانيا إلى أوربا الجنوبية والشرقية، وإلى تمكين ألمانيا من استئناف السياسة التي أحبطتها الحرب العالمية عام 1918.

ربما تقبل ألمانيا الآن حلا آخر أقل ملائمة لها، ولكن ذلك الحل لا يكون في نظرها إلا مؤقتاً. وفي الواقع اقترحت ألمانيا عقد مؤتمر رباعي من بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا لإيجاد اتفاق - مؤقت - لحل المشكلة التشيكوسلوفاكية. وفي اقتراحها هذا تريد تأجيل حل المشكلة التشيكوسلوفاكية إلى أوقات أكثر مناسبة لتحقيق سياستها، وفي الوقت عينه تحاول إقصاء الروسيا عن كل اتفاق يتم بشأن حليفتها تشيكوسلوفاكيا

وعلى كل حال ستظهر لنا الأيام القريبة نتيجة جهود اللورد رنسيمان. وسنرى ما يقترح من حل لهذه المشكلة المعقدة الخطرة على سلام أوربا

يوسف هيكل