الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 264/أثر المرأة في النهضة القومية

مجلة الرسالة/العدد 264/أثر المرأة في النهضة القومية

مجلة الرسالة - العدد 264
أثر المرأة في النهضة القومية
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 25 - 07 - 1938


للآنسة فلك طرزي

في هذه الآونة العصيبة التي تجتاز فيها الدول الأوربية أزمة سياسية خطرة قد تؤدي إلى حرب طاحنة تقضي على ما بذلته الأمم المتمدنة من جهود في سبيل رفع المستوى الإنساني وإيصاله إلى المثل الأعلى المنشود - يجدر بنا نحن الذين تضعنا حالنا الحاضرة إزاء مشاكل دولية دقيقة، أن نلقي نظرة على أحوالنا الشخصية منها والعامة، نظرة نافذة ثاقبة نسبر بها أغوارنا، لنفحص على بينة ووضوح كل ناحية من نواحي هذه الأمة، فإن اهتدينا إلى تشخيص العلة الأساسية التي تسبب لنا أنواعاً من الآلام والأسقام، استطعنا بعد دقيق الفحص وبُعْد التأمل، إيجاد العلاج الذي يبرئنا شيئاً فشيئاً من هاتيك الآلام والأسقام

ولقد جرينا على عادة لست أدري أأنسب ما نحن فيه من قلق وفوضى إليها، أم أنسبه إلى الظروف الطارئة التي كانت الحائل بيننا وبين ما نصبو إليه جميعاً من واسع الآمال والأماني التي نبتغيها كاملة صحيحة؟

جرينا على أن نبذل في مجتمعنا الكثير من بضاعة الكلام، ونعرض على الأنظار أشكالاً مختلفة من أجناسها وألوانها ثم نهمل العناية بتحويل هذه البضاعة إلى صنوف من العمل المثمر، لنبصر بالعين ما سمعناه بالأذن، ونلمس باليد ما صورناه بالكلام

وتأصلت هذه العادة في أنفسنا بحكم ما أوليناها من شديد الرعاية والعناية، وأخذت تضغط بقوة أثرها الذي تغلغل في كل خفية من خفايا نفوسنا على بقية القوى الكامنة فينا التي في استطاعتنا إذا تعرفنا الوسائل الممهدة لسبيل إبرازها - أن نستغلها أحسن استغلال فنستعين بما تمنحنا من رغبة في العمل وصبر على الجهاد، على تذليل العثرات التي قد تعترض سبيلنا أثناء قيامنا بتحقيق أقدس الأهداف وأنبلها

فأي كلام يبشرنا بنهضة اجتماعية مباركة تضاهي النهضات الأوربية الحديثة لم نسمعه؟

وأي كلام ينبئنا فحواه بمستقبل نير وضاح يبدد سطوع شموسه ما تراكم من سحب وغيوم على سماء حياتنا فحجب رونقها وصفاءها، لم نصغ إليه؟

بل أية آمال وضاءة لألأءة لم نبصرها شذرات متفرقات في هبوب الريح بعد أن أصغينا إلى رنين ضحكاتها يتردد بين قيم الألفاظ وجميل العبارات؟ لقد سمعنا كلمة (البشرى) تتردد على الأفواه حلوة فحسبناها لفظاً مبطناً بحقيقة تحمل إلينا ما في الحياة من معاني الكمال والحق

وسمعنا كلمة (المستقبل) ترتل أناشيدها الشفاه، فحسبناها لحناً مستمداً من القلب تكمن وراءه الحيوية المبدعة الخالقة

ثم أصغينا إلى صوت الأمل تتجاوب نبراته بين السطور، فحسبناه أغنية تهدهد أنفسنا المظلمة المكدودة على نغماتها وتدعونا إلى سنة من عميق النوم ولذيذه، فلبينا ما حسبناه صواباً ورحنا في سبات عميق استغرق سنين طوالاً فقدنا خلالها الكثير من الصفات الشخصية والشعبية، فخملت حيويتنا، وبلد تفكيرنا، وانحصرت عقليتنا ضمن ذاكرة تحدها الأوهام وأشباح التقاليد البالية التي قضت عليها وبددت ظلماتها أنوار العلم والثقافة

ولما استيقظنا من نومنا، واستفقنا من سباتنا، تلفتنا يمنة ويسرة، وأدرنا رؤوسنا ناحية الغرب وناحية الشرق، فإذا بكل من هذه اللفتات تضع أنظارنا المشدوهة إزاء تطورات قومية وشعبية، وتنبه حواسنا المخدرة على انقلابات فكرية وعقلية، فمن أقاصي الشرق إلى أقاصي الغرب، تحفز نحو المجد والتقدم، كل أمة تجاهد وتستميت في سبيل التفوق وفرض السيادة على العالم سواء من الناحية العلمية أم الفكرية، أم التجارية. وقد رأينا كيف أخذت اليابان تكتسح الأسواق العالمية ببضائعها وتجارتها. وعمدت بعض الأمم إلى التمسك بنظرية تفوق جنسها على بقية الأجناس البشرية لبلوغ ما تصبو إليه من عزة وقوة وفخار. كل هذه القوى الفعالة التي مهدت لها سبيل البروز والظهور الحرب العالمية الكبرى وما ينتج عنها من التطورات والانقلابات تجري حوادثها أمام أنظارنا، فنسمع بالخيال قرقعة الأسلحة والمدافع تدوي وتنذر بالويل والتهديم، وهي مازالت آلات مفككة تحت آلات المصانع، وندرك بالعقل مبلغ الرقي الذي توصلت إليه في الغرب الآداب على تنوع بحوثها والعلوم على مختلف أنواعها، والفنون على تعدد فروعها، تلك القواعد الثلاث التي لا تقام حضارة أمة بغير أسسها، ونتعرف بالاختبار أي أثر بليغ تتركه التربية العائلية في نفوس الناشئة، وأية توجيهات مختلفة توجهها المبادئ التي تتلقاها في محيط الأسرة حين الصغر، فالناشئة التي تزدهر سنو طفولتها في وسط يدرك الحياة على حقيقتها ويتعمق في معانيها ويسبر غاياتها، هي غير تلك التي تنمو وتشب في آخر لا يدرك من الحياة إلا سطحها، ولا يفقه من معانيها وغاياتها إلا قشورها دون لبابها

ثم نلقي نظرة إجمالية إلى تلك القوى التي تسير العالم المتمدن فنراها منهزمة مرة، منتصرة أخرى، ناهضة تارة، منحطة تارة أخرى، مجسمة في حال نهضتها وانحطاطها، وانتصارها وانهزامها، صورة الإنسان في آلامه وآماله وجبروته وعجزه، وبطشه وضعفه، وطموحه ومطامعه، صورة الإنسان الذي كلما اكتمل تكوينه العقلي والجسدي، اكتشف نقائص جديدة تخل من توازنهما فيعمد إلى مختلف الوسائل يتوسل بها لتقويتها وضبط هذا التوازن بينهما

وكثيراً ما يتعثر بالصدمات فينهزم حيناً تعود بعده نغمة الأمل تتنفس في صدره حارة تمنحه قوة أشد بأساً من كل قوة تنسيه فشله وهزيمته، فيعاود الكفاح والمناضلة من جديد، وكلما عراه ضعف يقاومه بالإرادة والطموح النفسي إلى أن يتغلب عليه

فأي شعور يعترينا يا ترى ساعة يتجسم في مخيلاتنا بعض من صور هذه القوى التي عرضتها الآن؟

بل أي إحساس نتحسسه عندما نأخذ بتقييد كل صنف من صنوف الرقي الذي أمدته الأمم كل من هذه القوى ومهدت له السبيل لتحقيق غاية من الغايات؟

لا شك أننا نتحسر وتنقبض صدورنا ألما كلما تنازعنا فكرة نهضتنا القومية الفتية وإلى جانبها النهضات القومية الأخرى التي قطعت شوطاً بعيداً في مضمار التقدم والحضارة

وثقن أيتها السيدات أنني لا أبني من تساؤلي هذا إضافة حسرة جديدة إلى ما نشعر به من حسرات تتمشى بين جنباتنا كلما شاعت في نفوسنا مرارة هذا التساؤل

وإني ما تساءلته قط إلا ليقيني بأنه يدور في خلد كل منا، وإننا جميعاً مذ أخذت أنفاس اليقظة تنفح على وجوهنا نفحات الجد والتوثب، لا نفتأ نولي أنظارنا ناحية الغرب نتبع حركاته وخطواته ونرقب تطوراته، نستعين بما يسن من قوانين ودساتير على تنظيم هيئاتنا الحكومية والإدارية، ثم نقبس عن مدنيته قبسات تجعل حياتنا شبيهة بالحياة الغربية من بعض نواحيها

ولِمَ لا نتساءل، وبالتساؤل نتعرف مدى شعورنا ومبلغ قوته وغزارته؟

ولم لا نتساءل وبالتساؤل نزداد إحساساً بنقائصنا؛ وكلما ازددنا إحساساً بها ازددنا رغبة في التبرؤ منها؛ وليس الشعور بها شعوراً دقيقاً صحيحاً إلا بشيراً بزوالها فنحن إذن المرضى، ونحن إذن الأطباء، نسمع أنات الألم تزفرها صدورنا المكلومة فنعكف على هذه الصدور نشخص داءها ونتبين علتها، فإذا ما انكشفت العلة والداء سهل علينا وصف الدواء الذي يجدد قوى أمتنا ويشفيها من آلامها

إن أمتنا مريضة في هذه الآونة أيتها السيدات؛ ومرضها لا تشكو منه ناحية جسمها دون بقية النواحي، إنما هو مرض يشمل جميع أطرافها ويخشى عليا من فتكه، إذا لم نسارع إلى إنقاذها من براثنه هي مريضة في تفكيرها، مريضة في ثقافتها، مريضة في عقليتها، مريضة في أخلاقها، ثم هي مريضة بسبب العلة المزمنة التي أصابت موضع القلب منها

فأي شأن من هذه الشؤون يعالج قبل الآخر يا ترى، ليتم لنا ما نريد ونبلغ ما نصبو إليه جميعاً من صميم أنفسنا؟

أنعالج ثقافتها، والعقلية التي تهضم هذه الثقافة وتستسيغها مازالت قلقة مقيدة؟

أم نعالج أخلاقها، والأداة التي تعالج بها هذه الأخلاق - وأعني بها الإرادة - ما برحت ضعيفة واهنة؟

أم نعالج الفكر، والصلة الوثقى التي تربط الفكر بكل ما في هذا الكون من خفايا الأمور وأسرارها مفككة الأجزاء؟

أنا أرى أن أول شأن يجب معالجته قبل بقية الشؤون هذا القلب، أيتها السيدات، لأنه ميزان الحياة الدقيق، والصلة التي تربط الإنسان بها، ومتى قامت بين الإنسان والحياة رابطة متينة تغلغل فكره في زواياها وخلاياها وأدرك كل معنى من دقيق معانيها، وشعر بها تتفجر في أعماقه قوة وحيوية

فإن كان القلب سليماً خفاقاً، جرت الحياة في شرايين الجسم حارة متدفقة

وإن كان سقيماً عليلاً بلدت حركتها واعتراها كثير من الضعف والخمول

فإذا نحن عالجنا القلب ودققنا في تشخيص دائه، فمعنى ذلك أن كل واحدة منا انعكفت على ذاتها، وأخذت تفحص هذه الذات على نور من البينة، فإن بدا لها ضيق في ناحية من نواحيها وسعته، وإن اتضح لها نقص قومته، لأن المرأة من هيكل الأمة بمثابة القلب من جسم الإنسان يضبط توازنه، وينظم الحركة الحيوية فيه

وقد يعترض على قولي هذا معترض، ويخالفني مخالف، مبيناً ما يزعمه من خطأ هذا القول. غير أن في نفسي من العقيدة المبنية على عديد التجارب، ما يجعلني أومن بهذه الحقيقة إيماناً صحيحاً لا يخامره شك ولا يزعزعه ريب.

ولم لا نقر بها وكلنا يعلم أن المرأة مربية الرجل ومهذبته، ومعلمته الأولى في مدرسة الحياة؟

ولم نرتاب في صحتها وقد علمنا الماضي من تاريخ الإنسانية وحاضرها أن نصف الأمة لا يصلح إذا بقي نصفه الأخر مشلولاً؟

بل لم لا نأخذ هذه الحقيقة بعين الاعتبار، وقد لمسنا أثر المرأة البعيد واضحاً في تكوين نفسية الطفل، وعرفنا مدى تأثيرها في حضارة الأمم؟

فنحن إذا نفذنا إلى دخيلة أمتنا وتغلغلنا في كل مناحيها، مرهفين السمع إلى دقات الحياة ينبض بها قلبها، فماذا نسمع أيتها السيدات؟

أنسمع دقات يؤلف مجموعها وحدة موسيقية جميلة اللحن، منسجمة النغم، تطرب لسماعها القلوب وتسر؟

كلا! إننا لا نسمع إلا دقات متفرقات، تنبض مضطربة حائرة، لا تكاد دقة منها تنبعث من بين الضلوع متزنة قوية، حتى تتبعها أخرى وأخرى، تعيد القلب إلى مجرى الفتور والخمول الذي كان عليه.

فالمريض إذاً من جسم أمتنا هو القلب، وأول الأدواء الذي تجب مداواته هو داؤه لأن عقل الأمة المفكر الذي هو الرجل لا يصبح دقيقاً صحيحاً إلا إذا شفي هذا القلب وعاد ملاذاً أميناً يأوي إليه العقل ليجدد بقربه قواه الفكرية، ويستعين ببصيرته النافذة على استكشاف ما مضى عليه من أمور.

منذ أيام كنت أتحدث إلى عالم جليل وزعيم في طليعة الزعماء الذين أحيوا الحركة القومية في هذه البلاد وبعثوها حية من تحت أردية الموت. ومما قال لي هذه الجملة التي ينطوي معناها الدقيق على حقيقة بليغة:

(إذا أبصرت عبقرية تشع أنوارها وتلألأ في سماء المجد ساطعة، فأيقني أن ورائها امرأة توقد جذوتها وتبعثها من مكمنها.)

عبقرية تبعث فيها الحياة امرأة؛ وتوقد شعلتها المقدسة وتحولها نوراً ينشر ضيائه اللامع على مشارق الأرض ومغاربها، مخترقاً النفس البشرية موضحاً ما غمض من أمورها، كاشفاً ما خفي من ألغازها؟

إنها نغمة انبعثت أول ما انبعثت من أرض عربية، ثم انتشرت على بقية الآفاق فغناها أبناء الغرب وما زالوا يتغنون بها بينما نحن نسينا لحنها

إنها نغمة انبعثت إلى الوجود يوم انبثق فجر الرسالة العربية من آفاق غار حراء، وأخذت أشعته المنيرة تخترق قلب كل عربي فتبدل كفره إيماناً، وشكوكه ثقة وعقيدة، ويوم كانت إلى جانب الرسول العربي الكريم امرأة تحيي عبقرية النبوة في قلبه كلما أصابتها فرية من سهام المفترين

غير أنني لا أحمل المرأة وحدها تبعات هذا النسيان؛ فلشريكها الرجل نصيب غير ضئيل منها، لأنه أهمل شأنها زمناً طويلاً وأسرف في هذا الإهمال، فكان من جرائه أنها بقيت قابعة في زاوية مظلمة من زوايا الحياة لا تشترك في أمر من أمورها حتى تكون لدى الكثير من الرجال اليقين بأنها مخلوق وجد ليحيا على هامش الحياة، وأن جميع حقوقها وامتيازاتها محفوظة للرجل في كل زمان وفي كل مكان

لست في حاجة، أيتها السيدات، إلى إثبات خطأ هذا الادعاء، لأن جسامة خطئه واضحة فيه. بل ما أريده هو كشف اللثام عن إدعاء لست أدري أيسر التصريح به أسيادنا الرجال أم يغضبهم

إن إسراف الرجل في أنانيته قد حمله على إبعاد المرأة عن جد الأمور وخطيرها معللاً ذلك بسبب تجردها من الصفات العقلية والفكرية التي تمكنها من إدراك دقائق هذه الأمور وتقدير خطورتها

وكأني بهذه الدعوى بل هذه النظرية المبنية على غير الواقع قد سرت بالعدوى إلى المرأة فأخذ وهمها يستولي عليها مع مرور الزمن شيئاً فشيئاً حتى أضحت لديها حقيقة واقعة يخيل إليها أنها تبصر وميضها يشرق من نوافذ عقل الرجل ناسية أنها الأم التي أنشأته طفلاً وكونته رجلاً، وأنها الزوج التي قاسمته الحياة على السراء والضراء. فنشأ فيها من جراء هذه الخاطئة ضعف أضاف إلى وضعها الطبيعي ضعفاً آخر، وجعل منها برهاناً يدعم به الرجل صحة دعواه، ودليلاً يثبت خطأ هذه الدعوى وقد انطبعت في المرأة السورية هذه العقيدة المغلوطة، وتمكنت من عقلها إلى حد حملها على اليقين بصحة النقص القائم بينها وبين الرجل، وأنها حقاً دونه عقلاً وفكراً وإدراكاً، وتناست أن مستواها العقلي والفكري كان قد يساوي المستوى العقلي والفكري عند الرجل، لو أن أنانية هذا لم توح إليه بإهمال شأنها وإهمال رفع مستواها إلى أوج الكمال النسبي

فأخذت نظرته إليها - أي الرجل - تنحط مع الزمن وتنحصر ضمن نطاق محدود، وأخذ اعتباره إياها يتضاءل يوماً بعد يوم، حتى أصبح ذات يوم وفي نفسه نحوها احتقار يبيح لسانه الحط من قيمتها واعتبارها وسيلة من وسائل اللهو والتسخير

فليس عجباً أن نفيق بعد هجعتنا الطويلة فنبصر حال المرأة في أوساطنا متقهقرة، وقد أدركنا سر هذا التقهقر. وليس بمستغرب أن نرى الرجل في هذه الأوساط ناقص التربية ناقص التهذيب وقد وقفنا على سبب ذلك النقص. إنما المستغرب في كل هذه الأمور أن ندرك سرها وأسبابها ثم نقف عند حدود الإدراك دون أن نتجاوزه إلى حيز العمل، حيث تظهر حقيقة المرأة ويسطع جوهرها

وفي المرأة أيتها السيدات صفات فطرية مفقودة عند الرجل فهي حساسة بغريزتها رقيقة بطبيعتها، والحس والرقة صفات إذا توصلت المرأة إلى صقلها وتهذيبها استحالت من مخلوق بشري إلى ملاك سماوي يحمل بين جوانحه معاني الرأفة والحب والسلام

والمرأة شاعرة بطبعها وفطرتها، فإن هي عرفت كيف تنمي هذه الشاعرية فيها، وعرفت كيف تغذيها، تحولت كوكباً ينبعث من صميم الحياة نوراً ينشر على هذه الحياة أشعة من الود والصفاء

فأثر المرأة لا يظهر جلياً واضحاً في النهضات القومية ولا يخلف بعده أفضالاً وحسنات ترفع الأمة من الحضيض إلى العلاء، إلا في حين يستيقظ فيها الحس العميق بوجوب تهذيب الصفات الطبيعية التي فطرت عليها، وتحويلها من غريزة إلى شعور سام رفيع، يجعل من رسالتها إلى الأمة، رسالة الحياة وكل ما تحوي هذه الحياة من معاني المجد والحضارة والازدهار.

فلنستعن سيداتي بما ترك لنا أولئك الذين أدركوا النفس البشرية على حقيقتها، واستطاعوا بقوة بصيرتهم اختراق لفائفها والنفاذ إلى أعمق موضع فيها، لنستعين بأنوار نفوسهم على إنارة نفوسنا، فإذا ما نفذت هذه إلى أعماقنا واستقرت فتحت أعيننا على عوالم من مختلف المشاعر والعواطف تحيا في هذه الأعماق فتهدينا إلى كل موضع من مواضع السحر والجمال التي يحويها العالم الخارجي لنتأمل مفاتنه ونصغي إلى موسيقاه، فمن كان له قوة التأمل وقدرة الإصغاء أدرك كبائر الحياة وصغائرها. ويخيل إلي أن نجاح أمتنا وحضارتها متوقفان على دقة البصر وإرهاف السمع. ومن غير المرأة التي فطرت على الإحساس يدرك هذه الدقائق؟.

(دمشق)

فلك طرزي