مجلة الرسالة/العدد 263/شوقي
→ بين الشرق والغرب | مجلة الرسالة - العدد 263 شوقي [[مؤلف:|]] |
جورجياس أو البيان ← |
بتاريخ: 18 - 07 - 1938 |
توارد الخواطر
لأستاذ جليل
قصد شاعرنا (أحمد شوقي) وهو تلميذ باريس يطلب (علم الفقه) فيها على علمائها ليرجع إلى مصر قاضياً أو مِدْرها (محامياً) وقد فطره الله شجاع الجنان جبان اللسان مثل الرضيّ (الموسويّ) (محمد بن الطاهر) القائل:
جناني شجاع إن (شعرت) وإنما ... لساني إن سيم النشيدَ جبان
وفخر الفتى بالقول لا بنشيده ... ويروي فلان مرة وفلان
وفي باريس الفاتنة الساحرة هذه قال شوقي قصيدة (خدعوها) وفيها هذان البيتان:
يوم كنا (ولا تسل كيف كنا) ... نتهادى من الهوى ما نشاء
وعلينا من العفاف رقيب ... تعبت في مراسه الأهواء
وقد قال شاعر قديم الأبيات الآتية وهي في الجزء الرابع من (طبقات الشافعية الكبرى) غير منسوبة إلى أحد:
ما على عاشق رأى الحِبّ مختا ... لا كغصن الأراك يحمل بدرا
فدنا نحوه يقبل خدي ... هـ غراماً به ويلثم ثغرا
وعليه من العفاف رقيب ... لا يُداني في سنة الحب غدرا
وهذه الأبيات لم تُر في ذاك الوقت في غير (الطبقات) ولم تكن المطبعة - وشوقي ناشئ أو شاب - قد أظهرت ذلك الكتاب. فهل قرأها شوقي في الطبقات المخطوطة؟ وهل كان يطالع مثل هذه المصنفات في حداثة سنه أو رآها في كتاب مطبوع غير الطبقات أم هذا من توارد الخواطر؟
أبو هلال الحسن بن عبد الله العسكري يقول في كتاب الصناعتين: (قد يقع للمتأخر معنى سبقه إليه المتقدم من غير أن يُلم به، ولكن كما وقع للأول وقع للآخر. وهذا أمر عرفته من نفسي فلست أمتري فيه، وذلك أني عملت شيئاً في صفة النساء: سفرن بدوراً وانتقبن أهلة، وظننت أني سبقت إلى جمع هذين التشبيهين في نصف بيت إلى أن وجدته بعينه لبعض البغداديين فكثر تعجبي، وعزمت على ألا أحكم على المتأخر بالسرق من المتقدم حكماً حتماً قلت: والبغدادي هذا هو أبو القاسم الزاهي وقد روى الثعالبي له في (خاص الخاص) و (الإيجاز والإعجاز) هذين البيتين، وقال: (أمير طرائفه وأحسن شعره قوله في النسيب:
سفرن بدورا، وانتقبن أهلة ... ومِسن غصوناً، والتفتن جآذرا
وأطلعن في الأجياد بالدر أنجما ... جُعلن لحبات القلوب ضرائرا)
وفي شرح المقامات للشريشي: (سئل المتنبي عن اتفاقات الخواطر، فقال: الشعر ميدان، والشعراء فرسان، فربما اتفق توارد الخواطر، كما قد يقع الحافر على الحافر)
ولقد صدق المتنبي وما كذب، فهناك حقاً توارد الخواطر وهناك - وعلم هذا عند أبي الطيب - غارات الشاعر. . . وقد قال الإمام المرزباني في (الموشح): (كان الأخطل يقول: نحن معاشر الشعراء أسرق من الصاغة. . .)
الياء في مثل هذا الاسم (شوقيّ) هي للنسبة أو الإضافة - كما يسميها صاحب (الكتاب) - وهي هدية أو بلية تركية. ومثل شوقيّ، عدليّ، رشديّ، صدقيّ، حلميّ، حقيّ، حمديّ، حسنيّ، سريّ، سعديّ، فتحيّ، شكريّ، فهميّ، فوزيّ، فخريّ، فكريّ، وصفيّ
والترك اللذين أتحفوا العربية بمثل هذه البلية هم (جيل من الناس) كما قال الصحاح والجمع أتراك، قال الإمام محمود جار الله الزمخشري في كتابه (أساس البلاغة): (وتقول: تراكِ تراك صحبة الأتراك)
ومن مشهوري الترك وأبطالهم ورجال القتال فيهم: جنكزخان، هولاكو، تمرلنك، أتاتورك
فيحق على كل ناطق بـ (الضاد) في كل إقليم أن يرفض هاتيك (الياء)، وإن الأسماء الجميلة الكيّسة في اللسان المبين لسان القرآن لأكثر عدداً من رمال الدهناء ومن نجوم السماء
(الإسكندرية)
(* * *)