الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 26/العَالم المسرحيّ والسّينمائِي

مجلة الرسالة/العدد 26/العَالم المسرحيّ والسّينمائِي

مجلة الرسالة - العدد 26
العَالم المسرحيّ والسّينمائِي
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 01 - 01 - 1934


أزمة المسرح في مصر

لناقد (الرسالة) الفني

أصيب المسرح المصري في السنوات الأخيرة بضربات شديدة قضت عليه أو كادت. وانه ليحتضر الآن. ولا مفر من أن نشيعه عاجلا أو آجلا إلى مثواه الأخير لنعيد خلقه من جديد إذا وسعتنا الحيلة، وتوفرت الوسيلة، وتهيأت الأسباب التي تؤدي بنا إلى هذه الغاية.

وانظر كيف أصبح اليوم، وماذا كان بالأمس، وها نحن أولاء في أواخر ديسمبر والموسم المسرحي لم يبدأ إلا منذ أيام، ويالها من بداية فاترة لا تبشر بخير ولا تسفر عن عظيم. ولا نرى من الفرق القديمة إلا فرقة رمسيس، ثم إن هناك فرقة دار التمثيل العربي التي ألفت هذا الموسم وما نظن أن العمر سيمتد بها كثيرا لفقرها المادي والمعنوي وان كنا نرجو مخلصين للأستاذ عزيز عيد كل توفيق ونجاح، فقد خدم المسرح في السنوات الأخيرة خدمات كثيرة لا شك في قيمتها ونفعها، ولقد كان وما يزال من أهم العوامل البارزة في المسرح.

وهذا الفشل الذريع الذي أصيب به المسرح يرجع إلى عوامل عدة، يتصل بعضها برجال المسرح أنفسهم، وبعضها بالحكومة والبعض الآخر بظروف لم يكن في الوسع التغلب عليها إلا بتضافر القوى والجهود وهو ما لم يحدث مع الأسف.

وأعتقد مخلصا ان رجال المسرح هم الذين يحملون العبء الأكبر من المسئولية في هذا الانحطاط الذي وصلت إليه حالة المسرح اليوم. وأذ أقول رجال المسرح إنما اعني في المقدمة مديري الفرق لأنهم الرءوس المفكرة والأيدي العاملة، ثم هم الممولون الذين يتحكمون في كل شيء بحكم سيطرتهم المإليه فعليهم تقع التبعة الكبرى، ولا مناص لهم من مواجهة الحقائق والاعتراف بخطئهم.

قام نزاع شديد بين النقاد وبين مديري الفرق حول تقدير ذوق الجمهور الفني وتذوقه لبعض الأنواع من الروايات وإقباله عليها. فمديرو الفرق يقولون أن الميلودراما هو النوع المفضل عند الجمهور وان الروايات الفنية التي يطلب النقاد تمثيلها، لا يتذوقها المتفرجون ولا يقبلون على مشاهدتها الإقبال الذي يضمن لمدير الفرقة نفقاته التي تكبدها فضلا عن الرب الذي ينتظره كغيره من أصحاب رءوس الأموال. وطال النزاع بين الفرقين وكل يصر على رأيه، على أن مديري الفرق اندفعوا يخرجون على مسارحهم الروايات الميلودرام المليئة بالمشاهد المفزعة، المثيرة للأعصاب، وحذرهم النقاد من مغبة الأمر ولكنهم مضوا في طريقهم غير آبهين لشيء.

والآن. . . ها هو الزمن يقول كلمته الحاسمة في الحكم على الفريقين أيهما كان أهدى سبيلا وأبعد نظرا، وهذا الفشل الذي مني به المسرح أخيرا دليل صادق وحجة قاطعة على إن مديري الفرق كانوا على ضلال، وان النقاد كانوا على حق في تحذيرهم. فلو أن الجمهور كان يتذوق حقا الميلودراما لكان مديرو الفرق اليوم من أثرياء العالم المعدودين، فقد ظلوا لا يخرجون إلا هذا النوع من الروايات، ولكان حال المسرح اليوم غير هذه الحال، ولكن هذا الفشل الذي أصيب به المسرح، وصيحات الاستغاثة التي يصم بها مديرو الفرق آذاننا، دليل قاطع على انهم لم يجدوا في الميلودراما كنز قارون الذي كانوا يتوهمون.

على أن جريرة مديري الفرق لم تقف عند هذا الحد فقد أبعدوا عن المسرح خير الكتاب والأدباء الذين خدموا هذا الفن الجليل منذ نشأته بأقلامهم وروايتهم فرفعوا من شأنه، ووجهوا أنظار الشعب إليه، وجعلوا له مكانة محترمة ومنزلة سامية في النفوس، وانفض هؤلاء الكتاب عن المسرح وما يزال مكانهم شاغرا إلى اليوم، وخسر المسرح بابتعادهم خسارة لا تعوض.

ومن الحق ان نذكر ان الحكومة ينالها من المسئولية فيما يصل إليه حال المسرح الشيء الكثير، فسياستها حياله كانت دائما سياسة ملؤها التردد والحيرة، وطابعها البارز الاضطراب والفوضى. فقد بدأت بأن أقامت مباراة للمثلين، ثم أوفدت أحد المبرزين فيها في بعثة فنية إلى أوربا؛ وكان المظنون أنها ستتبع هذه الخطة الحميدة في السنين التإليه، ولكنها عدلت عنها حتى اليوم وبقى الأستاذ زكي طليمات عضو البعثة الوحيد. على ان الوزارة عدلت عن طريقة المباراة السنوية وألفت لجنة تمر على دور التمثيل طوال السنة وفي نهايتها توزع مبالغ متفاوتة من المال على مديري الفرق وعلى الممثلين في حدود المبلغ المخصص لذلك.

وقامت الوزارة بإنشاء معهد لفن التمثيل، ثم ما لبثت أن الغته واستعاضت عنه بما سمته قاعة المحاضرات، ووضعت في السنة الماضية شروطا دقيقة لتوزيع إعانتها السنوية على مديري الفرق ولكنها لم تتقيد هي نفسها بالشروط التي وضعتها.

ولا ننسى قبل كل شيء أن ننوه بالمبلغ الضئيل المخصص لاعانة المسرح المصري إذ لا يتجاوز عشر المبالغ التي تصرف على دار الأوبرا وتقدم للفرق الأجنبية التي تفد للتمثيل على مسرحها في موسم الشتاء.

من هذا، ودون أن ندخلفي تفصيلات دقيقة أخرى، نرى مبلغ التردد وعدم الاكتراث في سياسة الوزارة حيال فن التمثيل حتى هذه المبالغ الضئيلة التي تقدمها للممثلين كل سنة على سبيل (الإعانة) لم يكن لها أثر، لضآلتها أولا، ولان الوزارة لم تشرف على نفاقها ثانيا، ومن يدرينا لعلها صرفت في أغراض شخصية لا تتصل بالفن في كثير ولا قليل؟

ومن العبث على ما أرى أن نطيل الحديث مع الوزارة فأنها إلى اليوم لم تنظر إلى المسرح وإلى فن التمثيل نظرة جدية، وأغلب الظن أنها إذ تقدم هذه المبالغ الزهيدة لرجال المسرح في نهاية العام تقول: (إنما نطعمكم لوجه الله، لا نريد منكم جزاء ولا شكورا) وما دام هذا هو يقين الوزارة فكل حديث معها عبث محض وضياع للوقت فيما لا طائل تحته.

بقيت بعد ذلك بعض الظروف الطارئة التي كانت عاملا من العوامل التي ساعدت على اشتداد أزمة المسرح، منها هذه الأزمة التي اكتسحت مصر في السنوات الثلاث الأخيرة وشدت عليها الخناق، ومنها طغيان السينما الناطقة ونجاحها هذا النجاح الباهر الذي نراه ونلمسه كل يوم، ثم رخص الأجور في دور السينما عنها في المسارح مع فخامة ما نراه هناك على الشاشة الفضية، وضآلة ما نشاهده هنا.

ولعل من اشد العوامل التي كان لها اكبر أثر في المستوى الذي هبط إليه المسرح إخراج الأفلام المصرية وما لاقته من النجاح والإقبال مما ساعد أصحابها على موالاة الجهود وزيادة الإتقان في العمل ولفت أنظار الآخرين إليها، حتى رأينا بعض مديري الفرق أنفسهم ينصرفون إلى هذه الناحية الجديدة ويخصصون لها من المال والجهد أضعاف ما ينفقون في مسارحهم.

والجهد الذي يجب أن يبذل للنهوض بالمسرح لابد من أن يتناول كل هذه النواحي التي الممنا بها في مقالنا وكل هذه العوامل المختلفة إذا أردنا أن يكون لعملنا أثره ونفعه المنتظر، فمن الخير أن يعود مديرو الفرق إلى رواياتهم الأولى التي كانوا يغذوننا بها من سنوات، والتي عدلوا عنها لغير علة إلى توع الميلودرام الذي يقوم على محض الافتعال وارتجال المواقف الكاذبة ارتجالا قد يكون له أثره الوقتي، ولكن سرعان ما ينقضي دون أن يخلف في نفس المتفرج شيئا له قيمته أو خطره،

ومن الخير أن نجتذب كبار الكتاب والأدباء ليعودوا إلى خدمة المسرح والكتابة له كما كانوا يفعلون

ومن الخير أن تجد الوزارة في موقفها حيال المسرح وترصد لأعانته ألوف الجنيهات سنويا على أن تشرف عليه إشرافا فعليا وتتحرى أوجه الصرف بحيث لا تتعدى النواحي الفنية التي يكون لها أثرها في تقدم المسرح والنهوض به

على أن المسرح يتطلب دما جديداً يغذيه وينشر فيه روحا فنية خالصة، أساسها الثقافة والموهبة والدراسة الحقة، وقد كان معهد فن التمثيل هو النبع الذي سنستقي منه هذا الجديد، فإذا أصرت وزارة المعارف على غلق أبوابه فلنفكر إذن في إيفاد بعثات فنية إلى أوربا من الشبان الذين تؤهلهم لذلك ومواهبهم الشخصية وميولهم، على أنه يجب قبل هذا أن تعد سياسة إنشائية إيجابية لخدمة المسرح يقوم بتنفيذها أعضاء بعثتها عندما يرجعون، أما أن يعودوا ليأكلوا أنفسهم من اليأس وخيبة الأمل وتجاهل الوزارة لثقافتهم واستعدادهم، وعدم إفساح المجال أمامهم للعمل، فهذا يكون عبثا وسخفا وخير للوزارة أو تكتفي بعضو بعثتها الذي لم تحاول أن تستفيد من كفاءته واستعداده، ولا خير لها ولا للمسرح في أن تزيد صفوف الساخطين المتذمرين

الحركة المسرحية والسينمائية في الخارج

لندن

يعد الآن في لندن فلم سينمائي عن (مارشال هول) من أشهر رجال المحاماة والقانون في إنجلترا، وهو الذي تولى الدفاع عن قاتلة المرحوم علي فهمي كامل وفاز لها بحكم البراءة، وسيتولى خراج هذا الفلم المخرج العالمي هتشكوك يعد الآن تحت إشراف مصلحة البريد في إنجلترا فلمان الأول ترى فيه كل الخطوات التي يمر بها خطابك من ساعة ان تكتبه حتى يصل إلى يد مرسله وسيكون هذا الفلم شاملا لكل التحسينات التي أُدخلت من عهد حمل البريد بواسطة العربات التي تجرها الجياد إلى العهد الحاضر، ويعرض مختلف الطرق التي كانت تستخدم لهذا الغرض بكل تفصيلاتها. أما الفلم الثاني فسيكون خاصا بإظهار شبكة الأسلاك التلفونية التي تربط بريطانيا ويبلغ طولها 9 , 000 , 000 ميل وترى فيه كل العمليات والخطوات التي تتخذ أثناء المحادثات التلفونية وقد أعلن مدير مصلحة البريد في إنجلترا انه يسترشد في إعداد هذين الفلمين بآراء لجنة من رجال الفن السينمائي الأخصائيين

والآن. . . هل لنا أن نقترح على مصلحة البريد المصرية إعداد فلم يجمع بين هذين الغرضين بمناسبة انعقاد مؤتمر البريد الدولي في القاهرة وتعرض فيه الطرق التي كانت تستخدم في نقل البريد في مصر في عهودها المختلفة؟!

مستر دنيس جوزيف كلارك من اشهر رجال المسرح في إنجلترا وله صيت ذائع في أوربا كلها، وهو يدير عدة مسارح في (بركنهد) كما يتولى بنفسه إخراج بعض الروايات المسرحية ثم هو فوق ذلك عضو المجلس البلدي في بركنهد منذ أربع وعشرين سنة، وقد عرض عليه حزب العمال الإنجليزي ان يتولى منصب محافظ بركنهد بمناسبة انتهاء مدة المحافظ السابق. ومن عادة الأحزاب الإنجليزية أن يتولى أحدها كل عام مهمة اختيار المحافظ الجديد على التناوب، وكان من حق حزب العمال هذا العام اختيار المحافظ، على إن أعضاء هذا الحزب تنازلوا عن هذا الحق، الذي يسمح لهم بطبيعة الحال أن ينصبوا رجلا من أنصارهم إذا وافق مستر كلارك على إسناد المنصب إليه مع انه من حزب المحافظين. ولا شك أن تنازل حزب العمال عن حقه وتنصيب رجل في هذا المركز الكبير من غير رجال حزبه شرف عظيم لمستر كلارك وشهادة لها خطرها بما له من المكانة والاحترام، وقد كان هذا الحادث مثار اهتمام الصحف الإنجليزية، كما أثار عاطفة الفخر والكبرياء في الأوساط المسرحية في إنجلترا وعده رجال المسرح الإنجليزي من دواعي مجدهم الفني وسيقيمون حفلة كبيرة لتكريم الرجل

باريس انتهى موريس روستان نجل أدمون روستان الشاعر الفرنسي المعروف من وضع رواية مسرحية عن (أسكار وايلد) الكاتب الإنجليزي الشهير. وليس بين شخصيات الرواية سيدات وسيقوم الممثل الفرنسي كونيه بوييه بتمثيل دور البطل

بودابست

(مجموعة اللآلئ) أسم لاستعراض مسرحي حديث أخرج أخيراً في بودابست اشترك فيه أكثر من ثلاثمائة قروي بملابسهم الوطنية الزاهية الألوان وبرقصاتهم الريفية الجميلة مما جعل الإقبال على هذا الاستعراض منقطع النظير. وبرغم ضخامة عدد الممثلين والممثلات وتكاليف الاستعراض من مناظر وملابس وغيرها، فسيجني مدير المسرح ربحا طائلا لأن هؤلاء الريفيين الهواة لا ينظرون إلى الناحية المادية ولا يأبهون لمسألة المرتبات التي يتقاضونها إلى جانب الفخر الذي نالوه بظهورهم على المسرح ولجدة الحادث بالنسبة لهم. ولعلها المرة الأولى التي تحاول فيها مثل هذه التجربة فتلقى هذا النجاح الكبير. ولا شك أن رواد المسرح سعداء بهذه الفرصةالتي أتيحت لهم مشاهدة رقصات حقيقية. يرقصها أصحابها لا ممثلين يدربون عليها، فلا يجيدونها مهما بذلوا من مقدرة كما يجيدها أصحابها أنفسهم. وأثناء الرقص يلقي هؤلاء القرويون أناشيد القرية وأغانيهم الساحرة ليكون لها أشد وقع في النفوس