مجلة الرسالة/العدد 257/رسالة الشعر
→ رسالة الفن | مجلة الرسالة - العدد 257 رسالة الشعر [[مؤلف:|]] |
مداعبة صديق ← |
بتاريخ: 06 - 06 - 1938 |
حين أطرقت ملهمتي
للأستاذ محمود حسن إسماعيل
(لفها صمت عميق في مساء يوم من أيام اللقاء فبدت في هالة
من الجمال الحزين. . . أشبه ما تكون بأغنية سماوية على
شفة ملاك نائم!!)
أطرقَت كالخيال في خاطري السَّا ... جِى، وكالنَّبْع في الظلال الحزينَه
تتملى في صمتها، ذات جَفْن ... شاعرٍ في الدُّجى يُقاسي شُجونه
أطرقت! يا لكُرْبة النَّاي! من يُذْ ... كي هواهُ؟ ومن يُناغي لحونهْ
مَنْ يواسيه إِنْ طَغَتْ ثورة القل ... بِ فهاجت لها الهمومُ الدَّفينَةْ
من لهُ؟ آهِ! مَنْ لأنغاِمهِ السُّو ... دِ إذا شَّبتِ الليَّالي أَنينَهْ؟
كم شدا في ظلالها نعِيمَ اللَّحْ ... ن، وألقى على يديْها رنينهْ!
ناغماً بالهوى كَقُمْريِة الفَجْ ... ر، طَرُوَباً كالنَّحْلة المفْتُونةْ
مالهُ عادها فصدَّت أَمانيِه ... وظَلَّتْ في الصمْتِ وَلْهى حزينه؟
أطرقتْ في الظلام كالأبد الوسْ ... نانِ ما فَرَّت الدياجي سِنينَهْ
صَمْتهُ الغَيْب غلتفه يدُ الل ... هِ، وأخفت عن العقول كمينَهْ
مِثْلَ رَيْحانة الماء جفاها ... نَسَمٌ منه، فاستطابَتْ سكونه
يعبقُ المرجُ في الدجى من شَذاها ... وَهْيَ وَسْنَى بين الروابي سجينه!
إِيهِ مَنْ تُلْهم الأغاريد، تَنْدي ... مِن صفاء. . ياُ بؤس مَن تلهمينه!
ظِمئَ النَّايُ للتغَّنيَّ. . فهاتي ال ... كأس، وارْوِي لياَعَهُ وحنينهَ
أَنْتِ في الصمت آيةٌ فجَّر الل ... هـ عليها من الجلال مَعينه
فاْصمتي! أوْ فعاوِدي الصبَّ بالسَّحْ ... رِ! وناغِي هُيامَهُ وَفتونهْ
بَيْتُ شِعرٍ على جبينك غافٍ ... أَيقظ الصمت سرَّهُ وفنونهْ
وفؤادي الذي تكشَّفَ نجْوا ... هُ، وذَرَّى على الخيال دفينه. .
وعلى الأعْيُن السَّواجي صلاةٌ ... أنا منها في خشعةٍ وسكينهَ
ما لنُسَّاكها وجودٌ! ولكن ... عابدُ الحسن - وَحْده - تعرفينه
وعلى الصدَّرْ هزَّةٌ جاوَبتْها ... ضجةٌ في مشاعري مجنونه
خِلْتُ منها وزَفرةُ الصمت تغلي ... نارَ زق من الأسى تنفخينه
وعلى الثَّغْرِ جدولٌ من أغان ... آه لوْ في جوانحي تَسْكبينهْ!
نشرَتْ مهُجتي القِلاع على شَطَّ ... يهِ - شوقاً - فَرَحْمتا للسفينةْ!
لم تجدْ مَرفأً لديهِ سوَى الصَّمْ ... تِ، وشَطٍّ مغُيَّبٍ ترقُبينهْ!
وظلالٍ وراَء كونٍ بعيدٍ ... فجَّر الصَّمْت في رباها عُيونهْ!
طيْرُها نام في رُفاتِ الأغاني ... بعدما أسْكرَ التغَّنَّي غُصونهْ!
فَلأَئٍ من الضَّفافِ سيمضي ... سابحٌ في هواكِ لا ترحَمِينهْ!
قد هَجَرْتِ الخيالَ والشَّعْرَ والصَّم ... ت. . . وخلَّفْتِ ناره وجُنونهْ
واَّمحي كونُكِ المجسَّمُ. . . إلا ... قَبسٌ من صَبابةٍ تُشْعِلِينهْ
رُحْتِ تُذكينهُ من النظر السَّا ... هي وفي مَعْبَدَ الهوى تُضْر مينهْ!
رَحْمَةً بالحبيب يا هاَلة الوحْ ... ي! وزُفَّي ضيِاكِ يُسْني عُيونهْ
وابسمي! أو تكلَّمي! لا. . وإن شِئ ... تِ فَلحْظاً على دَمي تَنْشُرِينهْ
يُنْشَرُ السَّحْرُ والهوى والأماني ... فوْق دُنْيا بخاطِري مَحْزونهْ
أو فَصَمْتاَ. . . ورَفْرِفي حَوْل رُوحي ... واسْكُبي الوْحيَ في ظِلال السكينةْ
أنْتِ نَّسيتنِي هدوئي في (الكُو ... خِ) وأفْنَيْتِ لَيَ ضَجيج المدينةْ
وجعلتِ الأكْوَانَ لْحَناً ... ليتَ - يا لوْعةَ المُنَى - تعزِفينهْ
وترِى ماتَ في يدَيَّ حنيناً ... وغليلُ الهْيُاَمِ أبَلَى مُتونهْ
فاْبعثيهِ من البلَى يتغنَّى ... مثلما كنتِ دائماً تَسْمَعِينهْ
لَفْظَةُ منكِ فِتنهٌ وحياةٌ ... تتهادَى بهاَ الأغاني السجِينهْ
أنْتِ يا سُلْوَتي على نكَدِ الدني ... اوصَفْوِي على اللَّيالي الْحزِينهْ
شابَ عمري وَلاَتَ. . والرُّوح أضَحتْ ... مِنْ أساها يتيمةً مسكينهْ
والرُّزايا أقَمْنَ عُرْساً لحظَّي ... لا تمنَّيْتُ مرَّةً تشهدينه! أَتَعايا بشقْوتي! والمزامِي ... ر بكفَّي شَقِيَّةٌ مَوْهونه
يتَسلَّى بنا الوُجودُ. . . ولكنْ ... سُلْوَةُ الذَّئبِ بالشَّياهِ السمينه. .
وَنغُنَّيهِ مُلْهَمين حيارَى ... بْينَ رِجْسٍ، وغفلةٍ، وضغينه
فاعذُرينيِ إذا ألحت بِيَ النَّجْ ... وَى لصوتٍ مقدَّسٍ تكتُمينه
فأنا ظامِئٌ. . . وصَوتُكِ للرُّو ... ح عَبيرٌ تذيعُهُ (ياسَمِينه)
محمود حسن إسماعيل