مجلة الرسالة/العدد 255/جوائز وزارة المعارف
→ ../ | مجلة الرسالة - العدد 255 جوائز وزارة المعارف [[مؤلف:|]] |
الإصلاح المنشئ والإصلاح الآلي ← |
بتاريخ: 23 - 05 - 1938 |
تشجيع التأليف
الإنجاز منذ قيل إن الأمر قد استوثق للحكومة أو كاد. ورأى الأستاذ الوزير أن يبدأ سياسة الإنعاش الأدبي بالجوائز، لأنها لا تزال منذ كان الأدب أشد القوى المحركة له، وأقوى العوامل المؤثرة فيه؛ بله الإمكان والسرعة، لأن سنها لا يحتاج إلى تصديق وزير المال ولا استشارة وزير العدل. ولكن الجوائز المالية لا تبلغ الغاية من وجودها إلا إذا قامت على فكرة صالحة وسارت على طريقة مؤدية. فهل الجوائز التي يقترحها وزير المعارف بنجوة عن مرامي الظنون ودواعي الفشل؟
يقترح معالي الوزير جوائز وقتية عامة على وضع كتاب في (تاريخ الأدب العربي بمصر من الفتح الإسلامي إلى الآن)، وجوائز دائمة خاصة لتشجيع الإنتاج بين المدرسين بالمدارس الرسمية والحرة؛ والفكرة التي أوحت إلى معالي الوزير هذين الاقتراحين سليمة مستقيمة لا غبار عليها ولا جدال فيها. فإن الأدب المصري لا يزال بجانب الأدب العراقي والأدب الأندلسي مطموس الأثر مجهول التأثير مشتت المادة؛ فدراسته على الطريقة العلمية تثبيت لمعنى القومية في نفوس النشئ، وكشف لناحية خصيبة من نواحي الأدب. وإن المدرسين كما قال قرار الوزير (هم في جميع البلاد المتحضرة مصدر التجنيد العلمي والفكري والعملي في توجيه الحياة الاجتماعية إلى أحدث المبادئ وأدق الآراء العلمية والأدبية والفنية) فينبغي (حفزهم إلى البحث والتأليف في موضوعات اختصاصهم وما يتصل به، بما يؤدي إلى تقوية شخصيتهم العلمية وتكوين ذخيرة من الرسائل العلمية والأدبية تدعو إلى نشاط التفكير العام).
بقي أن ننظر في الطريقة التي تريد الوزارة أن تسلكها إلى تحقيق هذه الفكرة. فهي ترى أن تصل إلى غايتها من طريق المسابقة والتحكيم، وتنقسم في ذلك الهيئات الأدبية الرسمية التي استشارها إلى فريقين: فريق الجامعة، ورأيه اختيار لجنة من الباحثين المعروفين تضع هذا الكتاب المقترح في سنة وأربعة أشهر ثم تعطي ألف جنيه مكافأة على وضعه؛ وفريق دار العلوم وتفتيش اللغة العربية في الوزارة، ورأيه أن يترك وضع الكتاب إلى المسابقة الحرّة، فإن في ذلك حفزاً لهمم الشباب، وتوخياً لمعنى العدل، ومنعا (لاحتك علمي) دلت السوابق على وقوعه بحكم العادة أو النفوذ أو المجاملة. وكلمة (الاحتكار) التي جرت على لسان دار العلوم تنم عن شيء من الحنق الدفين على اختيار اللجان الأدبية، فقد أصبحت هذه اللجان وقفاً على نفر من الأدباء لا تنظر الوزارة إلا إليهم، ولا تعتمد في أعمالها إلا عليهم. كأنهم طائفة المستوزرين لا تحل الأزمات إلا بهم، ولا تؤلف الوزارات إلا منهم. ومرجع هذا الجمود إلى العادة الآلية التي تسير عليها السياسة والإدارة في الحكومة.
وفي رأينا أن إطلاق المشروع في مسابقة أو تقييده في لجنة لا يخلو من غميزة، فإن الموضوع المقترح لا تجدي فيه المسابقة ولا تؤدي، إذ الأدباء القادرون تعودوا ألا يدخلوا المسابقات تنزيهاً لكبريائهم الفنية عن حكم الأشباه، وضنا بجهودهم المضنية على تحكيم المصادفة، واكتفاء بما أخذوا به أنفسهم من الإنتاج الذاتي المستمر. والجائزة بعد ذلك كله ضئيلة لا تغري إرادة الكاتب وإن ضمنتها قدرته. أما غير هؤلاء فسيعالجون الموضوع معالجة الدارس الناشيء، يستزيد من دراسته ومعاناته علماً وفهماً لنفسه، ولكن ما يكتبه فيه قد يكون بعيداً عن قصد الوزير وخدمة الأدب وفائدة القاريء، لما يعوزه من اللقانة الخاصة التي يكتسبها فقيه الموضوع بالمران والزمن. تلك حال المسابقة؛ أما تأليف اللجنة فقد يكون أوجه الرأيين لو جرى الأمر فيه على مقياس الكفايات لا على تمثيل الهيئات وتمييز المناصب. ومن قبل أراد صاحب الجلالة المغفور له الملك فؤاد تأليف كتاب جامع في تاريخ إسماعيل، وكتاب ثبت في تاريخ مصر؛ فجاءه عن طريق المسابقة كتاب الأيوبي، وعن طريق الاختيار كتاب هانوتو؛ والفرق بين العملين هو الفرق بين السيرة والتاريخ، وبين الحيرة والخبرة.
ولكن أخوف الخوف - إذا غلب هذا الرأي - أن ينتهي الأمر إلى لجنة من اللجان الرسمية المحفوظة فلا نضمن التشجيع ولا الإجادة.
ولعل أجدر الوسائل بالنظر أن تنشئ الوزارة هيئة أدبية دائمة تنتج وتقترح وتراقب، ثم يوضع في يديها ست جوائز مقدارها ثلاثة آلاف جنيه، ويكون من عملها غربلة ما تخرج المطابع كل عام، ثم توزيع الجوائز على المجلين في فنون الأدب المختلفة في احتفال رسمي عام. ذلك أدنى إلى إنهاض الأدب وتجديده وتسديده. ولو أن مجمع اللغة العربية أَلف على غير الأسلوب الذي تؤلف به اللجان الرسمية لكان خليقاً بهذا الأمر، ولكن. . . وهيهات أن تبرأ أقوالنا وأعمالنا من لكن!!