مجلة الرسالة/العدد 252/الكتب
→ البريد الأدبي | مجلة الرسالة - العدد 252 الكتب [[مؤلف:|]] |
المسرح والسينما ← |
بتاريخ: 02 - 05 - 1938 |
الإسلام في العالم
تأليف الدكتور زكي علي
مؤلف هذا الكتاب من الشبان القلائل الذين عرفوا بالانكباب على معالجة الشؤون والمشاكل الإسلامية، يعالجها طوراً بالكتابة في صحف الشرق والغرب، وآونة بالخطابة على المنابر في المجامع. ولطالما قرأ له المصريون كثيراً من المقالات القوية في الصحف العامة تنبئ عن اهتمامه القوي بهذه الناحية. والمؤلف إلى جانب اهتمامه بالناحية الإسلامية (طبيب) دقيق النظرة. ولقد ظهر أثر تفكيره العلمي الصائب في كتابه الذي أخرجه هذا الشهر وهو: والذي يعد محاولة طيبة من الدكتور زكي علي، له الجزاء الأوفى عليها
ولقد أوضح المؤلف في مقدمته الدافع على ذلك فقال: (في سنة 1931 غادرت مصر إلى أوربة لأول مرة في بعثة طبية وقد كنت موظفاً كطبيب امتياز وطبيب تخدير في مستشفى قصر العيني بالقاهرة. . . ولم أكن أتوقع أن ستلح علي رغبة عنيفة لمسائل أخرى غير الطب. . . غير أني اكتشفت أن في أوربا جهلاً مطبقاً وعدم إدراك للإسلام. ذلك الدين الذي أومن به، وألفيت أن العلاقات بين الغرب والعالم الإسلامي في حال من المرض الشديد تستأهل بحث أسبابها ومعالجتها) ولم يحاول المؤلف أن يأتي بآراء جديدة في سفره هذا، ولم يعمد إلى محاولة ذلك عمداً، بل لقد ذهب يعرض آراء الغربيين عرضاً دقيقاً ويستخلص من ثنايا كتاباتهم عن الإسلام ما يدحض به كل شبهة تحك في نفس أحدهم، فهو يرى أن النظام الديني والاجتماعي في الإسلام ليس بالضيق أو ما يشتم منه ريح التزمت والجمود، بل إنه في جوهره مرن، كما أنه يعمل على النهوض بالحياة الإنسانية
ويستعرض المؤلف في كتابه هذا حياة الرسول لأنه يرى أن لا بد لدراسة هذا الدين وتفهم مراميه من تفهم حياة صاحبه , وتلك هي الطريقة التي سار عليها سير أرنولد في كتابه فلقد مهد لانتشار الإسلام بفصل عن (محمد كداعية) وفائدة هذا أن يربط القارئ بين المظاهر العامة والذاتية في حياة الرجل الذي حمل عبء الرسالة وأداها صادقاً أميناً، وكان في حياته الخاصة والعامة المثال الكامل للإنسان الفاضل، والصورة الواضحة الحق للرسول والنبي المبعوث، وما كان ينطق عن الهوى (إن هو إلا وحي يوحى، علمه شديد القوى)
ثم يعرض المؤلف للإسلام من حيث هو دين ونظام اجتماعي يربط بين الطبقات ويوحد بينهما ويتجه بمراميها إلى الغاية المنشودة من الرسالة، ولقد كتب أحد المستشرقين مرة يقول (إن حياة الشرق تتمثل في كتابين لا ثالث لهما، أما أولهما فالقرآن، وأما ثانيهما فكتاب ألف ليلة وليلة). . . كذلك يتجلى طابع الإسلام الحق وجوهره الخالص من كل زيف أو شائبة في القران وهو (كتاب اضطم على مبادئ القانون الإسلامي العام: فهو قانون لدين اجتماعي مدني تجاري حربي فقهي خلقي تشريعي سياسي؛ وهو بعد ذلك كتاب له تأثيره الدائم على أذهان المؤمنين الذي هيهات أن يتنكب بهم الطريق لو أنهم ثابروا على اقتفاء خطاه وأوامره، وليس في هذا الكتاب ما يناقض العقل) بل إنه ليشجع الاجتهاد والتخريج. ثم يعرض المؤلف للجهاد (ص 33) فيرى أنه حرب دينية دفاعية، والجهاد شرعا الحرب في سبيل الدين والذب عن حياضه، وإدخال القوم الجاحدين به في شريعته.
ويتناول الدكتور زكي نظام الحكومة والدولة في الإسلام وهو من النواحي الهامة في تاريخ هذا الدين كان له أثره البعيد في آسيا وأفريقية، فيتعرض للجزية والزكاة والخراج، وهي الأسس الاقتصادية التي تقوم عليها الحكومة في الدول الإسلامية، ويرى المؤلف أن الجزية ليست ضريبة تستؤدى من أهل الذمة كعقاب لهم بل إنها كانت نظير القيام على حفظ حقوقهم وبدلاً من قيامهم بالخدمة الحربية المفروضة على كل مسلم (ص 55)، وإن مرمى النظام الإسلامي وغايته ومجهوده أن يمد العون للنوع البشري ليوفر به أسباب الراحة الروحية، ويرقى به في سبيل الكمال والسعادة.
ومن الفصول القوية التي دبجها الدكتور زكي علي فصله عن تطور الإسلام وهو يلم فيه بما انتاب الإسلام والمسلمين من أهوال جسام في عصور التاريخ المختلفة، فلقد اشتدت عداوة المغول له فقاموا بتدمير مراكزه الكبرى في قسوة لم يعرف التاريخ لها مثيلاً حتى ليكاد ينكرها من يقرأها بعد حدوثها كما يقول ابن الأثير، وإن الدارس لتاريخ المغول في الشرق والمماليك في مصر ليرى هذه الضراوة الشديدة من ضراوة التتر ومحالفتهم لدول الغرب المسيحية للقضاء على الإسلام ممثلاً في دولة المماليك، ولم يخفف من حدتهم هذه إسلامهم.
وكذلك انتابت الإسلام أخطار جمة تعرض لها فكان ذلك الصراع العنيف بين الشرق والغرب، يدفع كلا الجانبين حماسة دينية وتعصب ملح، وهذا هو المعروف بالحروب الصليبية، فلقد امتشق فيها الغرب الحسام ضد الشرق والإسلام واتحدت شعوبه المتنافرة تحت الصليب تدفعها من الخلف حيناً روح دينية، وأحياناً كثيرة تحثها المطامع السياسية، ولكنها في كل ذلك تلبس مسوح الدين. ويرى بعض الكتاب أن هجوم التتر وتدميرهم الخلافة العباسية في بغداد إنما هو ضرورة اقتضتها حياة القوم فلقد انغمروا في بلهنية من العيش واغرقوا في اللذات ورفاهية المادة، فكان تجديد الإسلام بتدمير هذه الحضارة وإقامة أخرى مكانها وزعيم هذا الرأي الكاتب الفرنسي ومهما يكن من صواب رأيه أو خطله فإن الحقيقة الواضحة هي أن الإسلام لم يفن بعد هذا الهجوم بل تجدد وعاد قوياً
أما دراسته عن (الإسلام في الغرب) فيعرض فيها لآراء الكتاب الأوربيين أمثال رينان وولسون كاش وأرنولد وكريمر ويظهر في تضاعيف هذا الفصل ما انطوت عليه نفس الكاتب من حماسة بالغة للإسلام خرجت به أحياناً من موقف العرض إلى الدفاع، فأكرم بهذه الروح التي أملت عليه ما أملت من نقاش ودفاع كريمين، وبهذا الفصل يختم المؤلف الفاضل القسم الأول من كتابه وقد خصصه للتعريف بالإسلام ثم، يليه القسم الثاني والأخير منه وهو دراسة تحليلية للنواحي الفكرية في الإسلام ومستقبله في العالم كدين وكنظام اجتماعي وسياسي، وهو ينظر بعين الرضا والاطمئنان للحركة التجديدية في الأدبين الفارسي والتركي وما يترتب عليهما من إحياء للماضي الحافل بصور المجد والعظمة
ويختم المؤلف كتابه بدراسة قيمة عن (الإسلام في العالم) فيرى أنه لا يستطاع الفصل بين السياسة والدين فيه بل إنهما ليتعاونان معاً في ميادين الاستقلال الاقتصادي والسياسي والاجتماعي (ص397) ويضرب المثل على صحة هذا بالملك العظيم ابن سعود فلقد نجح في إقامة دعائم مملكته على أسس مستمدة من القران والسنة، حتى لقد أصبحت الحجاز اليوم حكومة رشيدة قوية محترمة، وفي ذلك أبلغ دليل على تعاون السياسة والدين وعدم تضاربهما، على عكس الواقع في الغرب حيث لا يستطاع - بحال من الأحوال - التوفيق بين الدولة والكنيسة.
ويتساءل المؤلف في ختام بحثه هذا: هل يمكن إيجاد التعاون والتوفيق بين الإسلام والغرب؟. . . ونظرته لهذه الناحية نظرة المتفائل؛ ويذهب مدللاً على رأيه هذا بحجج بعضها في حاجة إلى نقاش وإن كانت تنتهي أخيراً إلى الموافقة على رأيه.
وبعد فهذا عرض موجز لكتاب ألفه شاب مصري أوقف جهده وقلمه وتفكيره على ناحية يستأهل من أجلها شكر الشرقيين والناطقين بالضاد في كل صقع وناد بلا تفرقة بين الملل والأديان، ذلك لأن الشرق اليوم هو العالم الإسلامي
حسن حبشي