الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 25/القصص

مجلة الرسالة/العدد 25/القصص

بتاريخ: 25 - 12 - 1933


صديقها عشيقها

للكاتب الروائي الأستاذ محمد خورشيد

رواية مصرية عصرية في فصل واحد

- 2 -

المنظر الثالث: إحسان وحده

إحسان - (يقف ويسير على المسرح ذهابا وإيابا وهو يقول)؛ صدق فايد لم تحبني إحدى الفتيات الراقيات مع إني أجيد مغازلتهن. كما إني لم احب فتاة أبدا. . نعم لم احب حبا حقيقيا. . أريد أن احب فتاة راقية وان تبادلني الحب. نعم أريد ذلك. . . أريد أن أتذوق الحب مرة. . . مرة واحدة. . لأتذوق الاندماج والائتلاف والاتصال البديع و. . . نعم يجب أن أحب. . . لكن من؟. . . من التي سيقع عليها اختياري؟

(يفتح الخادم الباب الذي في الصدر ويقول لفتاة رشيقة تدخل منه إلى المسرح):

الخادم - تفضلي يا هانم، سيدي إليك سيحضر حالا.

(عندما يراها إحسان يقف ويلتفت إلى الجمهور ويقول): هاهي التي يجب أن احبها وتحبني. (ثم يسرع إليها)

المنظر الرابع

إحسان وسميرة

إحسان - أهلا. أهلا سميرة هانم. كنت مشتاقا إلى رؤيتك (ويقبل يدها)

سميرة - كيف حال إحسان بك؟ أين انت؟ لم انقطعت عن زيارتي؟ لم أرك منذ زمن طويل. ما السبب؟

إحسان - إني أتألم

سميرة - ممه؟

إحسان - من القسوة

سميرة - والحنان؟ إحسان - قد زال

سميرة - من أين؟

إحسان - من قلبك

سميرة - قلبي أنا؟

إحسان - نعم قلبك

سميرة - قلبي يحمل لك اخلص صداقة

إحسان - الصداقة هي نصف الطلب

سميرة - آه، له نصف آخر؟

إحسان - طبعا وهو النصف المهم

سميرة - لكن الصداقة أهم والاهم يفضل المهم

إحسان - الصداقة أهم من الحب في أي شرع؟

سميرة - في شرع العقلاء

إحسان - وفي شرع المجانين؟

سميرة - يتساويان

(وتشير بإصبعين متلاصقين وتضحك)

إحسان - أبدا في كل شرع الفرق بين الحب والصداقة كالفرق بين الليل والنهار

سميرة - خصصت الليل بالحب والنهار بالصداقة، يالك من حاذق ماهر!

إحسان - ليس في قولي مكر أو حذق. صداقتك سوف تملأ نهاري ولكن ليلي سيبقى خالياً. وما أطول الليل الخالي من الحب!

سميرة - كفى مغازلة لا طائل تحتها يا إحسان بك. إني احب زوجي كما تعلم

إحسان - لكنك تحبينه منذ أربعة أعوام يا هانم. هذا كثير. . كثير

سميرة - أربعة أعوام كثيرة؟ والذين مضى على زواجهم عشرون عاما؟. . .

إحسان - على زواجهم لا حبهم. . . أما أنت فقد تزوجت منذ أربعة أعوام، وللآن لا تزالين تحبين زوجك. هذا شيء كثير يا هانم، غريب لا سابقة له. . الحياة الزوجية تصبح على مر الأيام فاترة مملة محتاجة إلى نجدة من الخارج تنعشها وتلهب حرارتها التي ضعفت

سميرة - لي صديقة تزوجت قبلي وللآن لم تضعف حرارة حبها لزوجها

إحسان - هذا لا يمكن. حرارة الشمس نفسها قد ضعفت عما كانت عليه

سميرة - من قال ذلك؟

إحسان - علم الفلك

سميرة - ضاحكة: دعنا منه انه كعلم الركة لا أول له ولا آخر (يدخل فايد من باب اليسار قائلا)

المنظر الرابع

فايد. إحسان. سميرة

فايد - مساء الخير يا هانم. أرجوك المعذرة. كنت أتمم عملا مستعجلا، والآن تجديني تحت أمرك

سميرة - مساء الخير فايد بك. أريد محادثتك على انفراد

إحسان - اسمح لي بالانصراف يا فايد إني على ميعاد

سميرة - إلى اللقاء يا صديقي

إحسان - سأحضر إليك غدا يا هانم، لنتمم حديثنا وسوف أقنعك (يقبل يدها)

سميرة - إني قانعة بحبي لزوجي. ولا أستطيع أن اصدق نظرياتك

إحسان - أنا طويل البال يا هانم. والأيام بيننا، إلى اللقاء يافايد (يصافحه)

فايد - متى أراك؟

إحسان - سأعود بعد ساعة (يخرج)

المنظر الخامس: فايد وسميرة فايد - تفضلي اجلسي يا هانم (تجلس ويجلس هو قريبا منها)

سميرة - إني آتية من عند حكمت. أتعلم أنها حزينة؟

فايد - وأنا لست بفرحان

سميرة - أنت تغضبها كثيرا ولا تشفق عليها

فايد - هي تغضب من لاشيء، دعيك من غضبها ماذا قالت لك؟

سميرة - تخاصمتما أول أمس فخرجت غاضبا ولم تعد إليها حتى الآن.

فايد - نعم تخاصمنا ولكن هل تعلمين فيم كانت الخصومة؟

سميرة - فيمه؟

فايد - كانت في أني ذهبت إلى الجزيرة الصغيرة

سميرة - ولم ذلك؟

فايد - الجزيرة الصغيرة من الأمكنة المحرمة علي لأنه يحتمل أن أقابل فيها إحدى الغانيات الجميلات فتفتنني رؤيتها أو إحدى الهوانم المستهترات فأهيم بحبها

سميرة - ومن قابلت بالجزيرة الصغيرة؟

فايد - لم أقابل أحدا. إنما حدث بينما كنا أنا وإحسان في طريقنا بالسيارة إلى فدق مينا هاوس أن رجاني أن نعرج على صابر بك في ذهبيته ونأخذه معنا، وذهبية صابر راسية بالجزيرة الصغيرة فخشيت إن أنا صرحت لاحسان بان حكمت تأبى علي الذهاب إلى الجزيرة الصغيرة أن يهزأ بي ويجعلني مضغة في الأفواه، لأنه كما تعلمين مستهزئ متهكم. لذلك اضطررت رغما عني أن أجيب رجاءه وأذهب معه. ولكن إحدى صديقات حكمت كانت لسوء الحظ تتنزه هناك في تلك اللحظة فرأتني وأخبرتها. هذه كل جنايتي التي تخاصمنا من أجلها. عندما ذهبت إليها أول أمس أمطرتني وابلا من الأسئلة فأخبرتها بالحقيقة كما ذكرتها لك، لكنها لم تصدقها وصممت على رأيها أني إنما كنت على موعد مع فتاة لي بها علاقة، وطلبت مني أن أذكر اسمها، فأقسمت أن لا علاقة لي بغيرها وأني لا أحب سواها. أخذت ألاطفها وأهدئ روعها حتى خيل إلي إني أفلحت في إقناعها، لكنها ما لبثت أن عادت تلح على أن اذكر لها اسم الفتاة فعدت أقسم وأؤكد وهي مصرة لا تتحول حتى عيل صبري ولم أتمالك نفسي فتخاصمنا وخرجت غاضبا. هذه حال لا تطاق. تغضب من لاشيء. لا تصدق لي كلاما، ترتاب في كل أعمالي. تشك في جميع أقوالي.

سميرة - إنها تحبك وهي ككل امرأة تحب، مستبدة غيورة

فايد - لكن يا هانم للغيرة حدود

سميرة - آه لو رأيتني مع زوجي في مطعم أو في دار تمثيل أراقب حركاته في يقظة، وأتتبع نظراته باهتمام، حتى إذا ما أتى بحركة (أشتبه فيها) أو رمى ببصره جهة معينة يتحول في الحال نظري إليها، والويل له لو كانت هناك امرأة، أغمره بأسئلة لا تنتهي، لا أصدق له كلاما، وأستمر اسأل وأحقق وأقول وأعيد حتى أنغص عليه عيشه، لكنه برغم كل ذلك الرجل الوحيد الذي أحببته والذي لا أزال أحبه، أسبب له الحزن والكدر ثم أعود فأتودد إليه وأسترضيه حتى إذا ما عانقني ألجأ إلى صدره وأنا أسعد المخلوقات، كلنا هكذا عندما نحب صدقني.

فايد - (لا يجيب وإنما يطرق برأسه إلى الأرض)

سميرة - لا يجوز لعاشقين أن يفترقا من اجل نزاع غرامي

فايد - لا. يجب أن نفترق أو تغير طبعها

سميرة - وكيف تغير طبعها وهي تحبك؟ انك لا تطلب من سيارة ألا تسير، فكيف تطلب من امرأة ألا تغير؟ يجب أن تتساهل يا فايد بك؟. يجب على الرجل أن يتحمل فايد - تحملت كثيرة سميرة هانم سميرة - تحمل هذه المرة أيضا

فايد - هي التي أرسلتك أم حضرت من تلقاء نفسك؟

سميرة - هي التي أرسلتني ولكنها رجتني أن أخفي عنك ذلك، إنها تحبك وتتألم لبعدك. لا تكن قاسياً

فايد - لست بقاس يا هانم

سميرة - حكمت لا مثيل لها ذكاء وظرفا وطيبة ووفاء

فايد - إني واثق من ذلك

سميرة - إذن. . . اذهب الليلة إليها وصالحها

فايد - سأسافر الليلة إلى استامبول

سميرة - تسافر؟. . تسافر دون أن تقابلها وتودعها؟

فايد - يجب ألا أقابلها الآن. أريد أن أفكر على انفراد في حبنا. . في مستقبلنا

سميرة - لكنها ستحزن. . . أيرضى قلبك أن تسافر وتتركها هكذا حزينة؟

فايد - قلبي مطمئن عليها لأني سأتركها معك. أخبريها أني مازلت احبها وان غيبتي لن تطول

سميرة - لا يمكنني. لتعلم بسفرك من غيري. ولكن ماذا أقول لها؟ إنها في انتظاري

فايد - (يفكر قليلا ثم يقول) قولي انك لم تجديني سميرة - حسن. افضل أن اكذب عن أن ابلغها ما يحزنها، مع السلامة يا بك، عد إلينا سريعا (وتقف)

فايد - (ويقف ويقول) سلمت يا هانم، وشكرا على جميل سعيك (يقبل يدها)

سميرة - حكمت صديقتي من عهد الدراسة ولها مكانة خاصة (تقول وذلك وهي خارجة مع فايد)

المنظر السادس: فايد وحده

(يعود فايد ويجلس إلى المكتب ويرتب أوراقا في أدراجه وهو يقول) ستحزن كما قالت سميرة، ستحزن لأنها تحبني، إني واثق من حبها. . وأنا احبها. . آه لو لم تكن غيورة. . تباً للغيرة كم تعذب وكم تشقي!. . إنها الآن تتعذب. . وأنا. . امصيب أنا في سفري أم مخطئ؟

هل في استطاعتي البقاء شهرين بعيدا عنها محروما من رؤية وجهها النضر وعينيها الناعستين وفمها العذب؟. . . أخشى ألا أستطيع. . أشعر أني لا أستطيع. . لقد منعتني عزة نفسي عن العودة إليهما مغتنما فرصة إرسالها سميرة. . أصبحت ولابد لي من السفر. . نعم لابد. . ما باليد حيلة. (هنا تدخل حكمت؟)

المنظر السابع

فايد وحكمت

فايد (يقف ويسير إلى حكمت قائلا (أنت؟ أنت؟)

حكمت - نعم أنا، جئت لأنك رفضت المجيء عندي. جئت عندما علمت من سميرة بنبأ سفرك، ولم تمنعني عزة نفسي. أحقا ستسافر الليلة؟

فايد - نعم

حكمت - لو لم أجيء كنت سافرت دون أن تراني؟

فايد - كنت سأكتب إليك واشرح. . .

حكمت - (متهكمة) مادمنا قد تقابلنا تكلم. قل ما كنت ستكتب، أشرح كما تشاء، كن مطمئنا لا نزاع ولا خصام. ولو أن النزاع قد اصبح من مستلزماتي أني أصبحت أنغص عليك عيشك

فايد - لقد نقلوا إليك الكلام محرفا كالعادة. عزمت على السفر دون أن أحظى برؤيتك خوفاً من نفسي لا منك